50 يوماً من الحرب.. الخرطوم تتشح بالدمار والخراب والقتل
الخرطوم – صقر الجديان
بعد مرور خمسين يوماً من القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، باتت الأوضاع المعقدة التي تعيشها العاصمة الخرطوم أكثر خطورة وانفلاتاً مع انعدام شبه تام للخدمات الضرورية والممرات الإنسانية.
وتحولت العاصمة السودانية الى مشهد كبير من الدمار والخراب والقتل اليومي وسط تبادل كثيف لإطلاق النيران والقصف في عديد من الأحياء سيما جنوب الخرطوم وغرب أم درمان
وبعد تجميد مفاوضات “جدة” دعت الرياض وواشنطن الراعيتان للمحادثات قبل يومين من زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، للعاصمة السعودية، طرفي النزاع في السودان للعودة إلى طاولة المفاوضات من أجل التوصل إلى وقف إطلاق نار جديد.
ووقع طرفا الحرب على عدد من التفاهمات والهدن لوقف اطلاق النار أهمها كانت في 11 مايو الماضي لضمان الالتزام بحماية المدنيين السودانيين لكن الطرفين لم يلتزما واستمرت المعارك والقصف المتبادل بنحو عنيف في مناطق متفرقة من العاصمة وبعض ولايات دارفور.
تكلفة الحرب
وكشفت مصادر عسكرية وفقا لـ “سودان تربيون” في وقت سابق، عن تكاليف عالية للحرب تقدر بنحو مليون ونصف دولار يومياً- دون حساب الخسائر في الأعيان المدنية والخسائر الاقتصادية والتجارية.
وقدرت دراسات أولية أعدها خبراء اقتصاديون خسارة نحو 4 مليارات دولار منذ اندلاع القتال.
وقالت المصادر العسكرية إن التقديرات الأولية تشير إلى مقتل ما لا يقل عن 22 ألف عسكري في المعارك التي تفجرت في 15 أبريل المنصرم، بينما لم تعلن الجهات العسكرية إحصائيات رسمية لقتلاها حتى الآن.
وشوهدت جثث الجنود ملقية على عديد من طرقات الخرطوم فيما تحدث شهود عيان من السكان وأشخاص كانوا في طريقهم لمغادرة الخرطوم عن أن بعض الجثث كانت طعاما للكلاب الضارة فيما تحلل عدد كبير منها سيما في وسط الخرطوم حيث دارت معارك طاحنة بمحيط القصر الرئاسي.
تنبؤات بالحسم
تنبأ قادة في الجيش بينهم عضو مجلس السيادة وقائد العمليات في منطقة أم درمان الفريق ياسر العطا خلال تصريحات سابقة بحسم المعارك مع قوات الدعم السريع خلال أسبوعين.
ويقول الخبير العسكري المقدم المتقاعد أحمد عبد الجليل لسودان تربيون إن حديث العطا كان لـ “استهلاك سياسي” وفق الأوضاع على الأرض.
وبيٌن أن حسم المعارك يحتاج إلى تجهيزات وخطط لا يعمل بها طرفي الحرب حالياً رغم وجود خطط للجيش تتمثل في تحديد الأهداف عبر الطيران وتصوير المناطق وتمركزات الجنود لقصفها.
نزوح جماعي
أعداد قليلة من الأسر والعائلات بقيت في مدينتي الخرطوم وبحري، بعد مرور خمسين يوماً من الحرب بين الجيش والدعم السريع وسط ظروف بالغة التعقيد ومخاطر جمة مع اشتداد وطأة الحرب التي خلفت نحو 866 قتيلاً وأكثر من 4 آلاف جريح بحسب إحصائيات محلية.
وعكس مدينتي بحري والخرطوم، يبقى العدد الأكبر للأسر والعائلات الموجودة في العاصمة حالياً في مدينة أم درمان نسبة لعدم وصول المعارك إلى كل الأحياء وبقاء مناطق بعيدة تماماً عن الاشتباكات وانتشار الجيش فيها بنسبة أكبر.
خرجت آلاف الأسر والعائلات من الخرطوم لأسباب متفاوتة بين انعدام الأمن والقتل والسرقة والنهب واحتدام المعارك حولها بجانب الوضع الإنساني وانهيار الخدمات العلاجية وتوقف المستشفيات عن الخدمة وقطع الكهرباء والمياه واستخدامها كسلاح في الحرب لتهجير السكان.
إحصائيات أممية
وتقول وكالة الأمم المتحدة للهجرة أن الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع تسببت في نزوح نحو مليون شخص داخل السودان منذ 15 أبريل الماضي.
وبحسب أرقام الوكالة لجأ أكثر من 300 ألف شخص إلى الدول المجاورة بينهم نحو 150 ألف بمصر وتشاد نحو 100 ألف. وتقدر الأمم المتحدة في إحصائيات رسمية مقتل نحو ألف شخص في الحرب.
وأطلقت الأمم المتحدة في 17 مايو الماضي نداء لجمع تبرعات بقيمة 3 مليارات دولار لمساعدة ملايين الأشخاص المتأثرين بالحرب الدائرة في العاصمة الخرطوم.
تشير تقديرات محلية إلى مغادرة 100-80 أسرة يومياً للخرطوم مع ارتفاع نسق المغادرين وفق المجريات الميدانية للحرب وانتقالها للمناطق المختلفة بالعاصمة.
أكبر عمليات النهب
ولا توجد إحصائيات حكومية حول الأحياء التي تم السطو عليها ونهبها أو عدد المنازل المسروقة في الخرطوم والتي شهدت أكبر عمليات سرقة ونهب وسطو في تاريخها وسط غياب كامل للأجهزة الأمنية والشرطة السودانية.
ومن المسروقات نصبت العديد من الأسواق على عدد من الشوارع الرئيسية في الخرطوم بينها محطة 24 في الحاج سويف ببحري وشارع المعونة ببحري وغيرها عرفت محلياً بأسواق زقلو.
ونهب جنود يتبعون لقوات الدعم السريع ولصوص آلاف المنازل والمتاجر والأسواق والمصانع في مدن العاصمة الثلاث ودمروا آلاف منها أيضا في عملية إجرامية غير مسبوقة إذ سرقت منازل بالكامل ونقلت أثاثاتها وأصبحت خاوية تماماً.
وقتل المئات من الأشخاص داخل منازلهم بنيران القوات العسكرية والعصابات المسلحة التي تسيطر على بعض الأحياء وتمنع السكان وأصحاب المنازل من العودة إليها أو تفقدها أو حراستها.
وجاءت مدينة بحري في المرتبة الأولى لعمليات السرقة والنهب والسطو وتدمير جميع أسواقها الكبيرة والمنطقة الصناعية والبنوك والشركات ومعارض السيارات والنحلات التجارية.
يعمل عدد من الأشخاص مع عناصر الدعم السريع ويساعدونها في تمليك المعلومات حول المنازل والمواقع التجارية لنهبها وسرقتها أو تدميرها كما تنشط ذات القوات في الاستيلاء على السيارات من داخل المنازل.
وقال الموظف محمد إبراهيم شاهين، أحد سكان مدينة بحري إن منزله بحي المغتربين تعرض لعملية سطو كامل ونهب جميع ما بداخله.
وتعلن أسر وأشخاص بشكل يومي على صفحات برامج التواصل الاجتماعي سرقة منازلها وممتلكاتها على يد قوات الدعم السريع ثم تتولى بعدها عصابات النيقرز تكملة السرقات.
وحض الجيش في بيان، المواطنين على التسلح لحماية أنفسهم وممتلكاتهم في خطوة وجدت اعتراضات عنيفة من المواطنين والمجتمع المدني الذي تخوف من تحول الصراع إلى حرب أهلية.
ورفضت منظمات وقوى ثورة وأحزاب دعوات الجيش لتسليح المواطنين، فيما قابلت قوات الدعم السريع فس بيان تلك الدعوة بالاستهجان.
وأعلنت أجسام مدنية في بيانات متفرقة رفضها للتحشيد الذي يمارسه الجيش وأنصاره واعتبرته محرقة مدنية تضاف إلى محارق أخرى حدثت سابقاً في إقليم دارفور بعد تسليح قبائل هناك.
وعزل قائد الجيش نهاية مايو الفائت وزير الداخلية وقائد الشرطة أحمد عنان من منصبه.
ومنذ اندلاع الحرب اختفت قوات الشرطة والأجهزة الأمنية بشكل كامل وتوقفت عن أداء واجبها ومهامها في خطوة لم تجد تفسيراً.
توقف العبادات
ولم تسلم دور العبادة من الهجمات العسكرية ودمرت مساجد عديدة في الخرطوم ومنع في أخرى إقامة الصلاة فيها بواسطة الجنود الذين يتمركزون فيها بينما توقفت أخرى عن إقامة الصلاة بسبب خلو الحي من السكان خاصة في بعض أحياء مدينة بحري التي تنتشر فيها قوات الدعم السريع.
والشهر الماضي هاجمت قوة من الدعم السريع كنيسة السيدة مريم العذراء في مدينة أم درمان وفق بيانين للجيش السوداني ولجنة مقاومة حي أبو رووف.
وأظهرت متابعات سودان تربيون، سيطرة الجيش على مقاره المختلفة في الخرطوم، وانتشار قوات الدعم السريع في كل أرجاء الخرطوم وبحري وبعض المناطق في مدينة أم درمان.