البرهان ينتصر لفلول البشير على حساب السودان
الخرطوم – صقر الجديان
تراجع وفد الجيش السوداني عن التزامات قدمها في مفاوضات جدة، ومنها اعتقال القيادات الإسلامية الفارة من السجون، فيما يعكس أن قرار الوفد رهين فلول النظام السابق والنافذين الموالين لها في الجيش.
لم يعد الكثير من المراقبين يساورهم الشك في أن قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان يبذل كل ما في وسعه لحماية قيادات إسلامية كانت ضالعة في الكثير من الانتهاكات التي تعرض لها سودانيون في عهد الرئيس السابق عمر البشير وبعد سقوطه بفعل ثورة شعبية عارمة، ولا يزال هؤلاء يلعبون دورا خفيا في تغذية الصراع مع قوات الدعم السريع وقوى مدنية عديدة.
ويعلم البرهان أن وقف إطلاق النار سيقود هؤلاء إلى السجون التي فروا منها، ما جعله يفتعل تصعيدا سياسيا من حين إلى آخر يرمي منه إلى التغطية على الإخفاقات العسكرية التي منيت بها قوات الجيش على يد الدعم السريع، وبات الرجل يتعمد تخريب أي إنجاز قد تصل إليه مفاوضات منبر جدة.
وأعلنت الوساطة السعودية – الأميركية، الأحد، تعليق المفاوضات بين الجيش والدعم السريع إلى أجل غير مسمى، وغادر الوفدان جدة لإجراء مشاورات مع القيادة بعد إخفاقهما في تنفيذ إجراءات بناء الثقة وإنهاء الوجود العسكري في المدن الرئيسية.
وتعثرت المفاوضات عقب فشل الوفدين في التفاهم على قواسم مشتركة بشأن العديد من النقاط الخلافية بينهما، أبرزها طلب الدعم السريع من الجيش ضرورة إلقاء القبض على قيادات إسلامية فرت من السجون بعد اندلاع الحرب، حيث يتحمل هؤلاء جانبا كبيرا من مسؤولية استمرارها، وإفشال المبادرت الرامية إلى وقف إطلاق النار.
وقال البرهان إن أي مفاوضات سلام “لا تلبي رغبة الشعب السوداني (لم يحددها بدقة) لن تكون مقبولة.. ولا حلول ستفرض علينا من الخارج”، وهو خطاب كان مقدمة لتبرير عدم تجاوب وفده في مفاوضات جدة، وينطوي على معزوفة يلجأ إليها ويكررها دوما للتغطية على إخفاقاته.
أحمد الخليل: المتورطون في جرائم حرب هم من يخشون وقفها
وجاء خطاب البرهان أمام ضباط وضباط صف وجنود الفرقة الأولى مشاة في ود مدني، الأحد، قبل وقت قصير على إعلان تعليق مفاوضات جدة، ولا أحد يعلم هل التعليق نتيجة مباشرة لهذا الخطاب، أم أن الوساطة المكونة من السعودية والولايات المتحدة وهيئة “إيغاد” تأكدت من أن المحادثات وصلت إلى طريق مسدود.
وقال عضو المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير أحمد خليل إن تصريحات البرهان التي تحدث فيها أيضا عن استمرار المعارك والتشكيك في جهود الخارج للحل “تبرهن على أن الجيش ومن خلفه فلول البشير هم من هدفوا إلى تقويض منبر جدة، وأن القرار الآن في يد عناصر حزب المؤتمر الوطني (المنحل) والنافذين داخل الجيش”.
وأضاف خليل في تصريح لـ”العرب” أن السودانيين علقوا آمالا كبيرة على منبر جدة لوقف إطلاق النار، والأنباء التي رشحت خلال المباحثات السابقة أشارت إلى تجاوز الكثير من العقبات والمطبات، غير أن وجود أشخاص لا يريدون الخير للسودان وشعبه ويستهدفون استمرار الحرب التي حصدت أرواحا كثيرة من المدنيين الأبرياء لن يساعد على تحقيق وقف إطلاق النار قريبا.
وأشار القيادي في تحالف الحرية والتغيير إلى أن على الوساطة المشتركة والميسرين الدوليين تغيير تكتيكات التفاوض، وطريقة التعامل مع الأزمة السودانية، فالاستمرار على هذه الوتيرة يعني أن البلاد ستعاني بشكل أكبر، وسوف يصبح الوضع بحاجة إلى فرض عقوبات رادعة على الطرف المعرقل للوصول إلى وقف إطلاق النار، لافتا إلى أن المتورطين في جرائم حرب “هم من يخشون وقفها”، في ظل رصد العديد من الانتهاكات التي تعرض لها مواطنون في الثمانية أشهر الماضية، وأن تقديم هؤلاء للعدالة أمر ضروري.
واعتبر أحمد خليل في تصريحه لـ”العرب” أن انهيار منبر جدة يؤدي إلى المزيد من اشتعال العمليات العسكرية على الأرض، لأن الأطراف المتحاربة تتجاهل أحيانا أن الشعب السوداني استطاع أن يزيح سلطة البشير المستبدة، وسيكون قادرا على التخلص من الدكتاتورية مهما تحقق من مكاسب في الوقت الراهن بفعل استخدام السلاح.
وفي الوقت الذي طالب فيه الجيش بإنهاء المظاهر العسكرية في الطرقات والمدن في أثناء مفاوضات جدة الأخيرة، تمسك وفد قوات الدعم السريع بأهمية إبقاء ارتكازاتها في المناطق الخاضعة لسيطرتها بالخرطوم.
وفسّر متابعون تمسك الدعم السريع بالتواجد في الخرطوم بأن الخروج منها يعني خسارة واحدة من الأوراق المهمة التي تستخدم على طاولة المفاوضات، حيث حققت الدعم انتصارات عديدة على قوات الجيش، وأصبحت أكثر انتشارا في العاصمة، وفي إقليم دارفور، وإبعادها بالتفاوض مؤشر على فشل الجيش عسكريا.
وأوضح هؤلاء المتابعون أن مناورات قائد الجيش لن تنتهي، وتنعكس على وفده التفاوضي الذي تحكمت فيه أجندة فلول البشير، ففي كل مرة تبدو فيه المفاوضات قريبة من إنجاز شيء ملموس يحدث ما يعكرها، وكأن الغرض هو استهلاك المزيد من الوقت أملا في حدوث تغير ما يقلب الطاولة لصالحهم، لكن ما يحدث هو العكس، حيث تحقق الدعم السريع انتصارات في الميدان العملياتي يحرج الجيش وقائده.
الجيش والدعم السريع وقّعا على إجراءات بناء الثقة، وخاصة القبض على الإسلاميين الفارين من السجون ومشعلي الحرب
واعتبر حزب الأمة القومي أن انهيار مفاوضات جدة بين الجيش وقوات الدعم السريع يشكل خيبة أمل للشعب السوداني.
وقال رئيس الحزب فضل الله برمة ناصر، في بيان له الاثنين، “في الوقت الذي ينظر فيه الشعب السوداني إلى مفاوضات جدة للوصول إلى اتفاق يرفع عنه مآسي الحرب اللعينة بالاتفاق على وقف إطلاق نار ينهي معاناته ويعيد الاستقرار إلى بلادنا تنتهي هذه الجولة دون تقدم يذكر”. وأوضح البيان أن التصعيد الإعلامي والخطابات غير الحكيمة يشيران إلى عدم توفر الإرادة السياسية لدى أطراف الحرب لتنفيذ ما اتفق عليه في الجولات السابقة والوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
وذكرت تقارير سودانية أن الوساطة لم تقدم توضيحات بشأن أسباب تعليق الجولة، لكن التقارير ذاتها أشارت إلى أن “المفاوضات عُلقت دون إحراز تقدم بسبب تراجع الجيش عن التزاماته في الجولة السابقة”.
ووقّع الجيش والدعم السريع في السابع من نوفمبر الماضي على بنود خاصة بإيصال المساعدات الإنسانية وإجراءات بناء الثقة، وفي مقدمتها “القبض على الإسلاميين الفارين من السجون ومشعلي الحرب”.
والتزم وفد الجيش أمام الوساطة المشتركة بتنفيذ إجراءات بناء الثقة وتم تحديد عشرة أيام للقبض على المطلوبين بعد أن سلّم وفد الدعم السريع قائمة بأسماء 27 شخصية من فلول البشير مطلوبا توقيفها، لكن وفد الجيش طلب مهلة خمسة أيام انقضت ولم يتم تنفيذ أوامر القبض، ثم طلب وفد الجيش مهلة إضافية لمدة عشرة أيام ولم يلتزم.
وأكد موقع “سودان تريبون” أن الجيش رفض دخول المساعدات إلى المناطق المتضررة في دارفور والخرطوم وكردفان والنيل الأبيض، واعترض على فتح مطارات نيالا والجنينة والفاشر لدواع إنسانية وتمسك بتوصيل المساعدات عبر مطار بورتسودان.