الإمارات والسودان.. دبلوماسية الحقائق تفند تناقضات وأكاذيب الأزمة
أبوظبي – صقر الجديان
رؤية إماراتية واضحة لحل أزمة السودان تدفع نحو حل سياسي عاجل يحفظ البلاد، إيمانا منها بأن “الشعب يستحق العدالة والسلام”.
يواكب تلك الرؤية حراك إماراتي متواصل على مختلف الأصعدة السياسية والدبلوماسية والإنسانية لإنهاء الأزمة التي تتفاقم وتتزايد تداعياتها يوما تلو الآخر.
جهود إماراتية واضحة وصادقة يقابلها إصرار من أحد أطراف الصراع في السودان على ترديد أكاذيب ومهاترات ضد دولة الإمارات “لتعمية المجتمع الدولي عن الأعمال الشنيعة التي ترتكب على الأرض من قبل الأطراف المتحاربة”.
مفارقة غريبة
مفارقة رصدها د. أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات في تغريدة له اليوم الأربعاء عبر موقع التواصل “إكس” قائلا: “في الوقت الذي تسعى فيه دولة الإمارات إلى تخفيف معاناة الأشقاء السودانيين يصر أحد أطراف الصراع على خلق خلافات جانبية وتفادي المفاوضات وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية”.
وأضاف: “اهتمامنا وقف الحرب والعودة للمسار السياسي، اهتمامهم تشويه موقفنا عوضا عن وقف هذه الحرب”.
تلك المفارقة كشفتها الإمارات أيضا أمام جلسة لمجلس الأمن الدولي مساء الثلاثاء، مؤكدة أنها لن تثنيها “عن مواصلة العمل مع الشركاء الدوليين والإقليميين لإيجاد حل سياسي عاجل يحفظ السودان ويساعد الشعب السوداني”.
جاء هذا في مداخلة قدمها السفير محمد أبوشهاب المندوب الدائم لدولة الإمارات لدى الأمم المتحدة، خلال إحاطة بشأن الوضع في السودان بمجلس الأمن، ردا على ادعاءات مندوب السودان لدى الأمم المتحدة الذي يمثل أحد أطراف الصراع.
الجلسة التي فند فيها الدبلوماسي الإماراتي مزاعم وادعاءات المندوب السوداني، جاءت غداة إعلان الإمارات تخصيص 70 مليون دولار كمساعدات للسودان عبر وكالات الأمم المتحدة إلى جانب 30 مليون دولار أخرى لدول الجوار التي تأوي لاجئين سودانيين، هذا بالإضافة إلى 130 مليون دولار سبق أن قدمتها الإمارات كمساعدات منذ اندلاع الأزمة.
جهود قوبلت بإشادة أممية على لسان أكثر من مسؤول أممي، من بينهم مارتن غريفيث وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ والمفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي وسيندي ماكين، المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي، معربين عن شكرهم لدولة الإمارات على مساهمتها لدعم الجهود الإنسانية داخل السودان وفي الدول المجاورة لها.
وأكدوا أن دعم الإمارات سيمكنهم من” مساعدة الأشخاص الضعفاء المعرضين لخطر المجاعة”.
تلك المجاعة التي تلوح في الأفق في السودان ولا يعبأ لها أطراف الصراع أعاد التركيز عليها السفير محمد أبوشهاب المندوب الدائم لدولة الإمارات لدى الأمم المتحدة في مداخلته ليفضح تلك الأطراف التي تحاول الهروب من أي محاولات جادة لحل الأزمة داخليا، عبر تصديرها للخارج، في أسلوب يستهدف اختلاق أزمات جديدة للتنصل من المسؤولية، وفق محللين.
وقال الدبلوماسي الإماراتي في هذا الصدد :”مع مواجهة الملايين من السودانيين مجاعة تلوح في الأفق من غير المعقول أن تستمر القوات المسلحة السودانية في عرقلة وحرمان الشعب السوداني من وصول تلك المساعدات في انتهاك للقانون الإنساني الدولي”.
رؤية شاملة
وأعاد أبو شهاب التأكيد على الرؤية الإماراتية لحل الأزمة عبر خارطة طريق واضحة تشمل:
– التوصل إلى وقف إطلاق النار
-الانتقال إلى مرحلة انتقالية مدنية عبر عملية سياسية ذات مصداقية
-السماح بتدفق المساعدات دون عوائق
-حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية
وأردف موجها رسالة هامة قائلا “الأعذار والاتهامات لن تؤدي إلا إطالة معاناة المدنيين.. نؤمن بأن الشعب السوداني يستحق العدالة والسلام”.
رؤية إماراتية تشدد على ضرورة وقف الاقتتال بين الأطراف المتحاربة في أسرع وقت ممكن، إيمانا منها بأنه “لا حل عسكريًا للصراع، ولابد على الأطراف المتحاربة العمل نحو إيجاد حل سلمي للأزمة من خلال الحوار”.
ولا تغفل تلك الرؤية الجانب الإنساني للأزمة فلابد من ضمان حماية المدنيين والمنشآت المدنية، وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية عبر طرق متعددة وعبر خطوط النزاع وتقديم أوجه الدعم الإنساني، وتأمين وصول المساعدات لتصل إلى كافة المحتاجين لا سيما الفئات الأقل ضعفاً.
كما أكدت كلمة دولة الإمارات في افتتاح الدورة 65 لمجلس حقوق الإنسان التي انطلقت الثلاثاء على “ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار، ودعم الحل السياسي، وتشكيل حكومة مدنية، والتخفيف من المعاناة الإنسانية للشعب السوداني الشقيق”.
اهتمام القيادة
رؤية سبق أن أكدها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، خلال مباحثات هاتفية مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الـ19 من أبريل/نيسان الماضي، شدد خلالها على أهمية العودة إلى المسار السياسي والوقف الفوري والدائم لإطلاق النار وإنهاء الأزمة، بما يضمن تحقيق الأمن والاستقرار للشعب السوداني ويلبي تطلعاته نحو التنمية والازدهار.
كما أكد عليها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في كلمته خلال القمة العربية الـ 33 التي عقدت في المنامة 16 مايو/أيار.
وقال بشأن رؤية بلاده لحل أزمة السودان” ندعم الجهود الرامية إلى تعزيز السلام ووقف التصعيد، وإنهاء الصراع الدائر، حقناً للدماء، وحفاظاً على المنجزات التي تحققت في سبيل التحوّل السلمي المدني في السودان، بما يعزز الاستقرار ويلبي تطلعات الشعب السوداني، ويدعم عوامل الازدهار للسودان وجواره ومحيطه الجغرافي”.
خارطة طريق إماراتية واضحة وشفافة وشاملة لحل الأزمة عبرت عنها الإمارات في أكثر من محفل عربي ودولي أممي، حرصا منها على السودان وشعبها.
خارطة طريق تتضمن أطر وقواعد أساسية أبرزها:
-دعم الحل السلمي للصراع في السودان الذي يواجه اضطرابات سياسية منذ أعوام.
– التأكيد على مواصلة دولة الإمارات العمل مع كافة الشركاء لدعم العودة لمسار العملية السياسية في السودان، وأية عملية تهدف إلى وضع السودان على مسار التوصل إلى تسوية دائمة، وتحقيق توافق وطني لتشكيل حكومة يشارك فيها ويقودها المدنيون
– الحوار والتعاون هما السبيل الوحيد لحل هذا الصراع، ويجب التزام جميع الأطراف السودانية التزاماً جوهرياً في محادثات السلام.
-إعراب دولة الإمارات عن قلقها الشديد من خطر انتشار الإرهاب بسبب تدهور الأوضاع الأمنية في الأراضي السودانية ما يجعلها بيئة خصبة لنشاط الفكر المتطرف والتنظيمات الإرهابية، ومن هذا المنطلق ينبغي الإشارة إلى أهمية تعاون الشركاء الدوليين في تعزيز جهود مكافحة الإرهاب والتطرف ومحاصرة منابعه.
ومنذ منتصف أبريل/نيسان من العام الماضي، يخوض الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبدالفتّاح البرهان وقوات “الدعم السريع” بقيادة نائبه السابق الفريق أول محمد حمدان دقلو اشتباكات (حميدتي) لم تفلح سلسلة هدن متتالية في إيقافها، ما خلف آلاف القتلى، أغلبهم من المدنيين، ودفع إلى فرار الملايين، معظمهم من الأطفال.
جهود متواصلة
ومنذ بداية الأزمة بالسودان وحتى اليوم، لم تتوقف جهود الإمارات لوقف التصعيد وإنهاء الأزمة بالحوار والطرق السلمية.
جهود دبلوماسية وإنسانية انطلقت منذ اللحظة الأولى لاندلاع الأزمة منتصف أبريل/نيسان الماضي، وتطورت على مدار الفترة الماضية وفقا لتطورات الأزمة حرصا على التخفيف من وطأتها وتداعياتها الإنسانية.
تلك الجهود حاول البعض عبثا التشويش عليها عبر أكاذيب مغرضة وافتراءات لا تمت للحقيقة بصلة، تزعم انحياز دولة الإمارات لأحد أطراف الأزمة في السودان.
أكاذيب سرعان ما نفت صحتها وزارة الخارجية الإماراتية في بيان، دحضت فيه دولة الإمارات، أغسطس/آب الماضي، المزاعم بشأن انحيازها لأي من أطراف نزاع السودان، مؤكدة أن السلام والحل السياسي أولويتها.
ونفتها دولة الإمارات مجددا بعد أن تكررت، في رسالة وجهتها إلى مجلس الأمن في 21 أبريل/نيسان الماضي، شددت خلالها على أن نشر المعلومات المضللة والروايات الزائفة بعد مرور عام على الصراع، يرمي إلى التهرب من المسؤولية، وتقويض الجهود الدولية الرامية إلى معالجة الأزمة الإنسانية في السودان.
وأكدت دولة الإمارات أنها ستظل ملتزمة بدعم الحل السلمي للصراع في السودان ومواصلة العمل مع جميع المعنيين لدعم أية عملية تهدف إلى وضع السودان على المسار السياسي للتوصل إلى تسوية دائمة، وتحقيق توافق وطني لتشكيل حكومة بقيادة مدنية.
وهو ما أكدت عليه مجددا في إحاطتها أمام مجلس الأمن الدولي مساء أمس الثلاثاء.
دعم تاريخي
ومنذ بدء العلاقات بين دولة الإمارات والسودان قبل 5 عقود وحتى اليوم، تتدفق مساعدات إماراتية إغاثية وإنسانية واقتصادية وتنموية.
مساعدات تتدفق كنهر عطاء ينبع من دار زايد لإغاثة أهل السودان، الأمر الذي يجسّد خصوصية العلاقات الأخوية التاريخية بين البلدين من جانب.
ومن جانب آخر يؤكد أن التزام الإمارات بمد يد العون والمساعدة للأشقاء في السودان، هو التزام تاريخي بدأ منذ عهد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ويتواصل حتى اليوم بتوجيهات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات.
يأتي ذلك في إطار حرص دولة الإمارات الدائم على دعم ومساندة الدول الشقيقة والصديقة، وتؤكد نهج العمل الإنساني الراسخ الذي يعد ركيزة أساسية من ركائز السياسة الإماراتية التي لطالما أكدت قيادتها ضرورة مد يد العون والمساعدة للشعوب كافة التي تمر بظروف صعبة سواء كان بسبب كوارث طبيعية أو حروب وأزمات سياسية أو صحية.
دعم يتواصل على مر التاريخ منزه عن أي غرض، سوى حرص القيادة الإماراتية على الوقوف إلى جانب السودان.
وتزايد هذا الدعم، منذ الاشتباكات التي يخوضها الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” منذ منتصف أبريل/نيسان من العام الماضي.
وبلغة الحقائق والأرقام:
-دشنت دولة الإمارات منذ بداية الأزمة في السودان جسراً جوياً (مع السودان وتشاد المجاورة) بهدف تقديم كافة أشكال الدعم والمساندة للأشقاء السودانيين، وللتخفيف من حدة الظروف الإنسانية في السودان ودول الجوار.
– قدمت دولة الإمارات منذ بدء الأزمة 130 مليون دولار لدعم الاستجابة الإنسانية.
-قدمت الإمارات 9500 طن من الإمدادات الغذائية والطبية عبر تسيير 148 طائرة إمدادات إغاثية، إضافة إلى سفينة حملت على متنها نحو 1000 طن من المستلزمات الإغاثية العاجلة.
– دعمت دولة الإمارات مخيمات اللاجئين السودانيين في عدد من المناطق في تشاد.
– تم تسيير طائرة مساعدات غذائية تحمل على متنها 100 طن إلى اللاجئين السودانيين في جنوب السودان من خلال برنامج الأغذية العالمي.
– شيدت دولة الإمارات مستشفيين ميدانيّيْن في أمدجراس وأبشي التشاديّتين لدعم الأشقاء السودانيين اللاجئين.. وبلغ عدد من استقبلهم المستشفى في أمدجراس منذ افتتاحه أكثر من 29,378 حالة.
– أعلنت دولة الإمارات وخلال مشاركتها في مؤتمر باريس أبريل/نيسان الماضي تعهدها بتقديم 100 مليون دولار أمريكي دعماً للجهود الإنسانية في السودان ودول الجوار، وأعلنت قبل يومين أنها ستخصص 70 مليون دولار منهم كمساعدات للسودان عبر وكالات الأمم المتحدة، فيما ستوجه 30 مليون دولار.