الإمارات والسودان.. تاريخ من الأخوة العربية
ابوظبي – صقر الجديان
لم تكن العلاقة بين دولتي الإمارات العربية المتحدة والسودان، وليدة الأيام القليلة الماضية، أو عقب الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع عمر البشير، بل بدأت منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي، في مناخ صالح بدأه مؤسس دولة الامارات العربية المتحدة الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، بمشروع طريق “هيا ــ بورتسودان”، الذي يربط ولايات السودان المختلفة بمينائها الرئيسي، ثم توالت المشاريع مع تبادل الخبرات.
يؤكد الأمر علاقة المودة والاحترام المتبادل بين البلدين؛ التى اتخذت منحى جديد خلال السنوات الأخيرة، نحو التعاون والتقارب في شتى المجالات، خاصة إبان قطع الخرطوم علاقاتها مع إيران وغلق سفارة طهران في العاصمة السودانية، معززة ذلك بمشاركتها بفاعلية في عملية عاصفة الحزم في اليمن.
كان السودان من أوائل الدول التي أعلنت اعترافها بدولة الامارات وذلك إبان استقلالها من بريطانيا عام 1971 ، حينها كان شكل الاستقلال من الانجليز يأخذ شكل كونفيدرالي وبهذا الإتحاد وقتها اعترف السودان بها إيماناً منه أن هذه الوحدة قد تكون نواة لوحدة أكبر في المستقبل؛ وهي الوحدة العربية التي كان يؤمن بها الرئيس السودانى الراحل جعفر نميري.
وتبلورت العلاقات بين الإمارات والسودان منذ أيام الشيخ زايد بن سلطان ال نهيان، الذي كان يكن محبة للسودان، وانتقلت العلاقات من مرحلة العون إلى مرحلة جديدة هي الاستثمار، فالعون مداه قصير، أما الاستثمار فيستفيد منه السودان مستقبلا، إذ تأسست أول شركة عام 1975حملت اسم “شركة الإمارات والسودان للاستثمار”، ولها عدة مشروعات وكانت الشركة الأم لعدة شركات خرجت، منها شركة الإمارات والبحر الأحمر للاستثمار.
المتابع لتاريخ البلدين خلال العهود السابقة لا يجد أي توتر يذكر بين السودان والإمارات، إلا توتر محدود في مطلع التسعينيات من القرن الماضي عندما تحالف نظام البشير مع إيران ورفض تحرير الكويت من الغزو العراقى.
وعن العلاقات بين الدولتين، قال سفير الإمارات العربية المتحدة بالخرطوم السفير حمد محمد الجنيبي في تصريح سابق لوكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية إن جمهورية السودان من أوائل الدول التي أقامت معها أبوظبي علاقات دبلوماسية وكان ذلك في ديسمبر 1971، وقام المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، بزيارته الرسمية الأولى للسودان في 29 فبراير 1972 بعد حوالي شهرين ونصف من قيام الاتحاد الإماراتي، حيث زار فيها كافة ولايات السودان واستقبل استقبالات رسمية وشعبية حاشدة.
كما كان الرئيس الراحل جعفر نميري، أول رئيس دولة يزور الإمارات في 23 أبريل 1972، مشيرا إلى ان زيارات المسئولين المتبادلة والمتصلة، جاءت تعبيرا عن طموحات الارتقاء لما فيه مصلحة الشعبين الشقيقين.
في تسعينيات القرن الماضي، حينما باتت دبي مركزا للتجارة في المنطقة، تطورت العلاقات أكثر مع السودان، وباتت دبي مقصدا للتجار السودانيين من موردي السلع، خصوصا السلع التقنية، مثل الحواسيب والهواتف النقالة وغيرها، وكذلك اتجهت الإمارات إلى الاستثمار في السودان خصوصا القطاع الزراعي؛ مستفيدة من خصوبة الأراضي ووفرة المياه.
وعلى الصعيد الاقتصادي بين البلدين فإن العلاقات “السودانية ـــ الاماراتية” دائما ماكانت مميزة وأزلية منذ حقب طويلة، ولعبت الامارات دورا مقدراً في مشروعات التنمية في السودان من خلال الاستثمارات والمشروعات الكبيرة التي تبنتها.
وتعتبر دولة الامارات شريكا اصيلا في كل المشاريع الكبيرة في السودان، وحرصت على تطوير وزيادة حجم التبادل التجاري معه من خلال تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية والتعاوان المشترك مابين رجال الاعمال من البلدين والشركات والمؤسسات الدولية فيما بينها.
وفور الاطاحة بنظام المخلوع عمر البشير سارعت دولة الامارات لتقديم المزيد من الدعم للسودان، حيث قدم رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد مساعدات بالتواصل مع المجلس العسكري الانتقالي بهدف مساعدة الشعب السوداني.
الدعم الاماراتي اتبعته ابو ظبي بوفد رفيع المستوى في زيارة كانت مدتها يومين، التقى خلالها رئيس المجلس الانتقالي عبدالفتاح البرهان وحينها أشاد الوفد بالعلاقات المتميزة بين البلدين، مايعزز فرضية العلاقة بين الامارات والسودان التي عرفت بالعلاقة المتجذرة منذ أمد بعيد وحتى هذه اللحظة.
وخلال المرحلة الانتقالية في السودان، أكدت دولة الإمارات على دعم الخرطوم بما يحقق أمنه واستقراره وازدهار شعبه، إذ أكد الدكتور أنور بن محمد قرقاش، وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، مطلع أغسطس ٢٠٢٠، خلال الاجتماع الثامن لمجموعة أصدقاء السودان التي تترأسها المملكة العربية السعودية، وشارك فيه 25 دولة، عمق الروابط بين دولة الإمارات وبين السودان وما شهدته العلاقات بين البلدين الشقيقين من تطور في السنوات الأخيرة؛ مجدداً التأكيد على موقف الإمارات الداعم للسودان خلال المرحلة الانتقالية، مشيراً إلى التعهدات المقدّمة لدعم مبادرات دفع عجلة التنمية الاقتصادية، وتعزيز سبل العيش وتحقيق الرخاء للشعب السوداني الشقيق.
وعلى الجانب الإنساني، لم تتوقف الإمارات للحظة واحدة عن تقديم الدعم للسودان؛ لا سيما خلال جائحة كورونا التي اجتاحت العالم؛ إذ قدمت العديد من الدعم في المجال الطبي لمواجهة فيروس كورونا المستجد، إذ لم يكن هذا الأمر هو الوحيد الذي قدمته، بل وصلت من الإمارات للسودان، مساعدات مقدرة على مدى السنوات الماضية، خاصة المساعادات الإنسانية لدارفور.