زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون للمغرب صفحة جديدة في تاريخ العلاقات بين الرباط وباريس
الرباط – صقر الجديان
اعطت زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون أواخر شهر أكتوبر المنصرم للمملكة المغربية زخما جديدا في تاريخ العلاقات بين البلدين .
وعلى عكس زيارات رؤساء فرنسا السابقين ، تختزن زيارة الرئيس ايمنويل ماكرون الأخيرة للمغرب دلالات سياسية واضحة تؤكد على الندية السياسية والشراكة الاستراتيجية.
لقد شكل الإعلان المشترك الذي وقعه كل من الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ، تدشين صفحة جديدة من العلاقات الثنائية بين المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية، من خلال الارتقاء بها إلى مستوى “الشراكة الاستثنائية الوطيدة”، والذي يعد إرادة مشتركة للرباط وباريس لمواجهة كل التحديات التي تواجه البلدين من خلال تعبئة كل القطاعات المعنية بالتعاون الثنائي والإقليمي والدولي.
، إذ يتضمن الإعلان التزاما واضحا بإنشاء شراكة استثنائية قادرة على مواجهة التحولات الإقليمية والدولية”، مع التأكيد على مبادئ الاحترام المتبادل، والمساواة في السيادة، والتشاور المستمر، ما يبين الإرادة الصادقة والصريحة من الجانبين لبناء علاقة تتجاوز التعثرات السياسية التي قد تؤثر عادة على علاقات الدول وتصمد أمام تغيرات المشهد السياسي الاقليمي والدولي المعقد.
وفي نظر المتابعين ، تعتبر زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون للمغرب إنهاء لفترة من التوتر السياسي بين البلدين الذي أكثر من ثلاث سنوات.
وقد سبق للبلدين أن اتفق على على موعد زيارة للرئيس الفرنسي إلى الرباط. لكن أحداثاً بارزة ومشكلات حالت دون انجاز الزيارة. والذي يأتي على رأسها قرار فرنسا في سنة 2021 تقليص تأشيرات الدخول للمغاربة، والضغوط التي مارستها على المغرب لاستقبال مواطنيه غير القانونيين الذين تم طردهم من فرنسا، الامر الذي أثار استياء وامتعاض الحكومة المغربية معتبرة ذلك نوعاً من الابتزاز السياسي ، وأيضاً اعتداء على حرية التنقل، في الوقت الذي كانت باريس تعبر عن رغبتها في الضغط على المملكة للحد من تدفقات الهجرة المغربية على غرار ما قامت به تجاه كل من تونس والجزائر .
لا شك أنه ما كان لهذه الزيارة أن تحدث من غير القرار الحاسم والشجاع الذي اتخذه الرئيس ماكرون في شهر يوليو الماضي، عندما أحدث «انقلاباً» جذرياً في موقف فرنسا التقليدي من ملف الصحراء المغربية، بإعلانه، في رسالة موجهة إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس، أن «حاضر الصحراء ومستقبلها يندرجان في إطار السيادة المغربية».
هذا، ويؤكد المراقبون أن الشراكة الجديدة بين الرباط وباريس ستعزز موقع ونفوذ المملكة المغربية في القارة الإفريقية على المستوى الاقتصادي والجيو-سياسي، كما ستدعم المبادرات التنموية للمملكة في القارة التي تهدف إلى إدماج بعض الدول الإفريقية في مسلسل التنمية المستدامة ومساعدتها على مواجهة الصعوبات الاقتصادية التي تعاني منها، إضافة إلى أن هذه الشراكة سيكون لها دور في مواجهة التحديات والمخاطر الأمنية التي تشهدها إفريقيا، وبالتالي ضمان الأمن والاستقرار اللذين يعدان شرطين أساسيين لأي مشروع تنموي.
ويعتبر الإعلان المشترك المغربي – الفرنسي خطوة استراتيجية نوعية في تاريخ العلاقات بين البلدين، إذ يتضمن التزاما واضحا بإنشاء شراكة استثنائية قادرة على مواجهة التحولات الإقليمية والدولية”، مع التأكيد على مبادئ الاحترام المتبادل، والمساواة في السيادة، والتشاور المستمر، ما يبين الإرادة الصادقة والصريحة من الجانبين لبناء علاقة تتجاوز التعثرات السياسية التي قد تؤثر عادة على علاقات الدول وتصمد أمام تغيرات المشهد السياسي الاقليمي والدولي المعقد.
واسترعت المبادئ الثمانية الواردة في الاعلان اهتمام الخبراء والمهتمين بتاريخ العلاقات الفرنسية- المغربية، إذ أكدوا في تفسيراتهم لنص الاعلان أن البلدين على عدم إتاحة إمكانية “العودة إلى الوراء”، لاسيما بعد الأزمة الدبلوماسية الأخيرة، فيما فسّرها آخرون بأنها رسالة من المملكة المغربية للمنتظم الدولي حدّدت فيها طبيعة العلاقات المنتظرة مع الرباط مستقبلا.
وتأمل باريس والرباط في التوصل إلى تفاهم بشأن مسألة الهجرات، خصوصاً بشأن المواطنين المغاربة الذين تصدر بحقهم مذكرات إبعاد عن الأراضي الفرنسية، التي لا يمكن تنفيذها من غير موافقة رسمية من الطرف المغربي.
وبخصوص الموقف الفرنسي الجديد حول قضية الصحراء المغربية، فإن هذا الموقف يغذي الطموحات المشتركة للبلدين في الاستثمار المشترك في العلاقات الثنائية برؤية استشرافية مستقبلية تجعل من تنمية الأقاليم الجنوبية منصة اقتصادية كبرى في القارة الإفريقية”، وهذا الموقف هو نتيجة حتمية لتحرك دبلوماسي دؤوب قاده الملك محمد السادس برؤية متبصرة تهدف إلى بناء عقيدة دبلوماسية قوية وصادقة ومسؤولة قائمة على الاحترام المتبادل واحترام خصوصيات الآخر وتحدياته، والدفاع عن المصالح العليا للوطن، والحفاظ على الأمن القومي وفق مقاربة تنهل من التراث والتاريخ العريق للمملكة”.
لقد أتت هذه الزيارة في مرحلة مفصلية بالنسبة لقضية الصحراء المغربية ، حيث أن الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء بعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء ومساندة شركاء اوربيين وعلى رأسهم اسبانيا للمبادرة المغربية للحكم الذاتي ، شكل محطة حاسمة في هذا الملف الشيء الذي ظهر من خلال تركيز الأمين العام في تقريره على هذا الموقف الفرنسي بحكم أن فرنسا لا تتوفر فقط على حق الفيتو بل أيضا لكونها تلم بخبايا هذا الملف وتعقيداته ورهاناته.