عضو بالسيادي السوداني: نتشاور لتعيين رئيس وزراء من التكنوقراط (مقابلة)
عضو المجلس إبراهيم جابر : الجيش السوداني يمتلك زمام المبادرة ويتقدم على الأرض والنصر قريب
بورتسودان – صقر الجديان
قال عضو مجلس السيادة السوداني إبراهيم جابر، إن “المشاورات جارية لتعيين رئيس وزراء يستطيع أن يدير شئون الدولة بشرط وحيد أن يكون من التكنوقراط”، وأكد أن ذلك كان هدف المجلس منذ اندلاع الحرب مع قوات الدعم السريع في 15 أبريل/ نيسان 2023.
الفريق مهندس جابر الذي يشغل أيضا منصب مساعد القائد العام للجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، أوضح في مقابلة نشرتها. وكالة الأناضول، أن الجيش يمتلك زمام المبادرة ويتقدم على الأرض رغم استخدام “الدعم السريع” أعدادا كبيرة من “المرتزقة والقناصة من 13 دولة”.
وذكر أن “القوات المسلحة السودانية ظلت تدافع بينما كانت تتعرض للهجمات في كل مواقعها بكل ولايات السودان، واستمرت في سياسة الدفاع إلى أن تمكنت في تحطيم الكتلة الصلبة للميليشا (الدعم السريع)”.
ويخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل 2023، حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 14 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية بينما قدر بحث لجامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.
وبشأن الحلول السلمية، قال جابر: “ذهبنا إلى جدة ووصلنا لاتفاق مرضٍ لنا، لكن من كان وراء الحرب رفضوا للمليشيا (الدعم السريع) أن تقوم بتنفيذ الاتفاق”.
وأردف: “كانت هناك شروط واضحة بالاتفاق، مثل أن يتم الانسحاب من الأعيان المدنية ومنازل المواطنين والتجمع في أماكن محددة”.
وذكر أن قوات الدعم السريع “بعد رفضهم تنفيذ الاتفاق، حاولوا التمدد في البلاد، وما حدث منهم هو انتشار وليس سيطرة”.
وتحت رعاية واشنطن والرياض، استضافت مدينة جدة غربي السعودية، اعتبارا من 6 مايو/ أيار 2023، محادثات بين الجيش السوداني و”الدعم السريع” توصلت إلى “إعلان جدة” الذي نص على التزام طرفي الحرب بـ”الامتناع عن أي هجوم عسكري قد يسبب أضرارًا للمدنيين”، و”احترام القانون الإنساني والدولي لحقوق الإنسان” و”الانسحاب من الأعيان المدنية”.
** تغيير 2019
رأى جابر، أن “التغيير الذي حدث بالسودان عام 2019 (أثناء إسقاط حكم الرئيس السابق عمر البشير) أراد من خلاله الشعب الوصول إلى نظام ديمقراطي، وهذا هي التجربة الثالثة في البلاد بعد عامي 1964 و1985”.
وأضاف: “في هذه التجربتين خرج الشعب في ثورة وتم الإطاحة بالنظام واستلم الجيش السلطة وعين مجلس سيادة وحكومة بالاتفاق مع الأحزاب حينها وأجريت بعدها انتخابات نزيهة وشكلت حكومة ديمقراطية”.
وشهد السودان ثورة شعبية عام 1964 أطاحت بحكم عسكري برئاسة إبراهيم عبود، والثانية عام 1985 أطاحت بالرئيس جعفر نميري.
واستدرك جابر: “في 2019 اختلف الأمر عن التجربتين السابقين، وتمثل في أن هناك جهات كانت تغذي في برنامج ممنهج مرسوم من خارج السودان لخلق كراهية بين الجيش والشعب، وكنا نسمع أن هنالك إساءات للقوات المسلحة والنظامية وكنا نتحمل ذلك”.
وذكر أن “الجيل الذي نشأ في فترة الـ30 عاما إبان حكم عمر البشير ( 1989-2019)، بلغوا سن الأربعين حتى قيام الثورة في 2019، ولا يعرفون في السياسة جيدا، وبالتالي نشأت كراهية شديدة جدا”.
واستطرد: “عندنا التزام أخلاقي تجاه شعبنا، وبمجرد استلامنا مقاليد الأمر في 11 أبريل 2019، حددنا في المجلس العسكري مدة عامين لحكم البلاد حتى تستطيع الأحزاب السياسية بناء قواعدها وإقامة ندواتها وتجهيز ناخبيها”.
وأردف: “والعامين اللذين حددهما المجلس العسكري، يتم فيهما تعين رئيس وزراء لقيادة البلد، وتجري عقب ذلك انتخابات، لكن ما حدث أن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن”.
** تجربة حمدوك
وقال جابر إن الاختيار حينها “وقع على عبد الله حمدوك رئيسا للوزراء، وهو جاء ببرنامج معين في إطار تجهيز الشرق الأوسط كله”.
وزاد: “حمدوك كان يقيم بالخارج فترة طويلة ولا يعرف البلد والسودانيين جيدا، ومع ذلك وجد محبة في الفترة الأولى، لكنه كان أحد نكسات الفترة الانتقالية، وبعدها تعقد المشهد”.
وأشار إلى “ظهور أحزاب ليس عندها قواعد، وكانت ترفض الذهاب إلى الانتخابات بعد فترة قصيرة، ومثال على ذلك “قوى الحرية والتغيير” و”تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية” (تقدم)، وكانوا يحاولون رسم صورة لمسمّى مدنيين كنخبة صفوية لقيادة الشباب، وكان ذلك أحد أخطاء الفترة الانتقالية”.
وعُزِل الرئيس السابق عمر البشير بعد ثورة شعبية في 11 أبريل 2019 وتولى البرهان رئاسة مجلس عسكري، لكن الاحتجاجات الشعبية لم تتوقف حتى تم توقيع وثيقة دستورية مع القوى المدنية ممثلة في “قوى الحرية والتغيير”.
وبالفعل تم التوصل إلى فترة انتقالية لمدة 4 سنوات يتقاسمها العسكريون والمدنيون، وتم تشكيل مجلس سيادة وحكومة مدنية برئاسة عبد الله حمدوك، لكن في 25 أكتوبر/ تشرين الأول2021 أطاح البرهان بشركائه المدنيين واتخذ إجراءات من ضمنها حل مجلسي السيادة والوزراء.
واعتبرت قوى سودانية هذه الإجراءات “انقلابا عسكريا”، بينما قال البرهان إنها تصحيح لمسار الفترة الانتقالية، ووعد بإعادة السلطة إلى المدنيين عبر انتخابات أو توافق وطني، لكن اندلعت الحرب الراهنة مع “الدعم السريع”.
** الاتفاق الإطاري
للتعريف بأصل المشكلة التي قادت إلى الحرب، قال جابر: “اتفقنا على أن يكون هناك جيش واحد بعد عامين من الفترة الانتقالية، لكن هذا الكلام لم يكن مرضيا للميليشيا المتمردة (الدعم السريع) والتقت مصالح هذه الجهات المدنية معها”.
وأوضح أن “هذين الطرفين (القوى المدنية والدعم السريع) كانت لديهما الرغبة في استمرارية البقاء في الحكم لأطول فترة”.
ولفت إلى أن “هذا الأمر جعل هذه الجهات مع بعض الدول تسعى لإنتاج ما سمي بالاتفاق الإطاري، وتضمّن 3 محاور سياسية واقتصادية وأمنية، وكان لدينا بعض الإشكالات في المحور الأمني”.
وأضاف: “كان التمرد (الدعم السريع) يرفض الالتزام بأن يكون هناك جيش واحد بعد نهاية الفترة الانتقالية، وقاموا بالتنسيق مع القوى المدنية الأخرى على أن يكون الدعم السريع لمدة 10سنوات موازيا للجيش، وهذا طبعاً خطير على البلد”.
وأشار جابر إلى أنه “عندما فشل الاتفاق الإطاري، كانت المليشيا (الدعم السريع) تبني في قواتها لتنفيذ انقلاب 15 أبريل 2023”.
وقبل الحرب، قادت بعثة الأمم المتحدة السابقة في السودان برئاسة فولكر بيرس عملية سياسية وبدعم من الرباعية الدولية (الولايات المتحدة وبريطانيا والإمارات والسعودية) لتوقيع اتفاق إطاري بين المكونين العسكري والمدني.
وحدث خلاف بين الجيش السوداني و”الدعم السريع” بشأن الملف الأمني آخر ملفات “الاتفاق الإطاري” خاصة في بنود عدد سنوات دمج قوات الدعم السريع في المؤسسة العسكرية.
** 250 ألف مقاتل
وقال جابر إن قوات الدعم السريع هاجمت الخرطوم بـ 250 ألف مقاتل ونحو 6 آلاف عربة و”أطلقوا المساجين وجلبوا مرتزقة من قلب إفريقيا عبر تشاد، وكذلك السلاح الذي يدخل عبرها إلى دارفور (غرب)”.
وشدد على أن الدعم السريع “عبارة عن مليشيا لعائلة، إذ أن قادتها من 1 إلى 10 هم من عائلة واحدة”.
وأردف: “لديهم برنامج منظم نفذ بحرب للتخريب والدمار والقتل وارتكاب السحل والعنف الجنسي على النساء وبيعهن، وهذه جرائم حرب، بجانب السرقة والنهب لكل البنوك والأسواق بالبلاد”.
ورغم أن “الدعم السريع” وفق جابر “تستخدم أعدادا كبيرة من المرتزقة والقناصة من 13 دولة (لم يذكرها)، إلا أن القوات المسلحة تمتلك زمام المبادرة وتتقدم على الأرض”.
** استضافة النازحين
وعن الأوضاع الإنسانية التي أفرزتها الحرب، قال جابر إن القتال “خلق وضعا إنسانيا سيئا جدا ودمارا كبيرا، وكانت حربا دون هدف أو برنامج سياسي، الهدف فقط هو السيطرة على السلطة، وادعوا أنهم سيجلبون الديمقراطية، لكنها ديموقراطية بواسطة البندقية وهذا غير مقبول”.
وأضاف: “كل من يأتي إلينا من العالم لتنفيذ اتفاق جدة نحن نرحب به، في البداية كنا نقبل بالاتفاق لكن بعد ذلك أصبح من الصعب إقناع الشعب بتنفيذه دون الحصول على ضمانات، بينها إيقاف تدفق السلاح والمرتزقة، وفرض عقوبات على الميليشيا بصورة معلنة وقوية”.
وأوضح أن الحرب أدت إلى “نزوح حوالي 13 مليون سوداني داخليا، وهؤلاء الناس لم يذهبوا لمناطق التمرد (الدعم السريع) إنما لمناطق سيطرة القوات المسلحة، كما أنهم لم يذهبوا إلى مخيمات نزوح كبيرة، فالموجودون في المخيمات أقل من 10 بالمئة من إجمالي النازحين”.
ولفت إلى أن “الغالبية العظمى من النازحين وفدوا إلى المدن، وإذا قام أحد أفراد الأسرة بتأجير منزل تجد المنزل فيه أكثر من أسرة من الأهل والأصدقاء والجيران”.
وتابع: “هذه من الأشياء التي فاجأت المجتمع الدولي بداية الأمر، ولم يستطيعوا التمييز بين المحتاجين فعلا وغيرهم، إلى أن تفهموا طبيعة المجتمعات المستضيفة للنازحين”.
وذكر دولا تفهمت هذا الأمر مثل تركيا والكويت والسعودية وقطر، مؤكدا أن هذه الدول تواصل دعم المستشفيات والمجتمعات المستضيفة للنازحين.
** رئيس وزراء تكنوقراطي
وفق جابر، فإن “القوات المسلحة السودانية متقدمة وقريبا سنرى النصر، والشعب كله عازم على أن تنتهي الحرب وهو يدعم القوات النظامية من أجل تثبيت أركان الدولة”.
وبشأن تعيين رئيس وزراء، قال جابر: “من أول يوم للحرب كنا نبحث عن تعيين رئيس وزراء لكن حدثت معاكسات (لم يحددها)، والآن المشاورات جارية لتعيين رئيس وزراء يستطيع أن يدير شؤون الدولة، وشرطنا الوحيد أن يكون من التكنوقراط (خبراء غير حزبيين)”.
وذكر أن الدعم السريع “قوات كانت جزءا من الجيش الذي يتكون من القوات البرية والجوية والبحرية والدعم السريع، وما حدث يعد تمرد وحدة من وحدات الجيش كانت موجودة في القيادة العامة للجيش وفي مباني الإذاعة والتلفزيون الرسمي وفي أماكن أخرى، وداعمي المليشيا هم من خططوا لها لكي تكبر”.
وأضاف: “هو مشروع مخطط له بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي” أو بدونه، وهناك من يبحث عن سبب لتحقيق ما يريد وهو مخطط انتبهنا له منذ فترة، فمثلا حميدتي غائب حاليا وهو أداة من أدوات هذا المشروع”.
** دارفور والسلاح
وبشأن حصار قوات الدعم السريع لمدينة الفاشر بدارفور غربي البلاد، قال جابر: “لدينا حدود مع تشاد وليبيا واسعة، ونعمل على قطع الإمدادات وكسر شوكة التمرد (الدعم السريع)”.
وأضاف متسائلا: “كيف يدخل السلاح إلى دارفور وهو ممنوع بقرار من مجلس الأمن؟ ولماذا لا تنفذ قرارات مجلس الأمن الدولي.. هذا تساؤلنا”.
وزاد: “لماذا لم تستطع الأمم المتحدة إنفاذ ما قررته بشأن دارفور، خاصة قرارها الأخير بشأن حصار الفاشر؟”.
وفي يونيو/ حزيران 2024، اعتمد مجلس الأمن الدولي قرارا “يطالب بإنهاء حصار الفاشر والوقف الفوري للقتال بالمدينة ومحيطها وسحب جميع المقاتلين الذين يهددون سلامة وأمن المدنيين”.
وتشهد مدينة الفاشر منذ 10 مايو/ أيار 2024، اشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع، رغم تحذيرات دولية من المعارك في المدينة، التي تعد مركز العمليات الإنسانية لولايات دارفور الخمس (غرب).
وتتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء الحرب بما يجنب السودان كارثة إنسانية بدأت تدفع ملايين إلى المجاعة والموت جراء نقص الغذاء بسبب القتال الذي امتد إلى 13 ولاية من أصل 18.