الفاشر والمخيمان.. مأساة سودانية تتجدد بالقتل والنزوح (إطار)
- الجيش ولجان شعبية إغاثية أعلنت أن هجمات "الدعم السريع" أدت إلى مقتل وإصابة مئات المدنيين ونزوح آلاف من مخيمي زمزم وأبو شوك إلى داخل مدينة الفاشر المحاصرة
الفاشر – صقر الجديان
تحت وطأة حصار من قوات “الدعم السريع”، تتفاقم الأزمة اللاإنسانية بمدينة الفاشر السودانية ومخيمات النازحين فيها، وخصوصا مخيمي زمزم وأبو شوك.
وتتعدد أوجه المأساة من شح الغذاء وانتشار سوء التغذية ونقص المياه وغياب العلاج، بجانب قصف متواصل للمدينة، بما فيها المخيمين الكبيرين، حيث يوجد أكثر من مليون نازح.
ورغم التحذيرات الدولية، ازدادت الأوضاع سوءا منذ أن بدأت “قوات الدعم السريع” في 11 أبريل/ نيسان الجاري محاولات لاجتياح مخيم زمزم، قبل أن تعلن مساء الأحد سيطرتها عليه، مقابل صمت رسمي.
** مئات القتلى
والأحد، اندلعت اشتباكات في أطراف وداخل مخيم زمزم، لليوم الثالث تواليا، بين الجيش والقوات المساندة له من حركات دارفور المسلحة في مواجهة “الدعم السريع”.
وأعلنت تنسيقية لجان مقاومة الفاشر (شعبية)، الأحد، مقتل وإصابة أكثر من 320 شخصا، ونزح آلاف جراء هجمات “الدعم السريع” على الفاشر ومخيمي زمزم وأبو شوك.
وفي اليوم نفسه، قالت حركة تحرير السودان/ فصيل مناوي، والتي تقاتل إلى جانب الجيش، إن 450 مدنيا قتلوا جراء هجوم “الدعم السريع” على الفاشر .
وأدان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش، الأحد، مقتل مدنيين في الهجوم على الفاشر ومخيمي زمزم وأبو شوك.
وقال غوتيرش عبر بيان: “يجب وقف الهجمات على المدنيين، وحماية موظفي الإغاثة الإنسانية والطواقم الطبية بالسودان”.
وأضاف أن “الفاشر تحت الحصار منذ أكثر من عام، مما يحرم مئات الآلاف من المساعدات الإنسانية”، وشدد على أنه “يجب السماح للمدنيين الراغبين في مغادرة الفاشر بالرحيل بصورة آمنة”.
كما أدانت دول بينها السعودية ومصر والإمارات والولايات المتحدة، في بيانات الأحد، الهجوم على مخيمي زمزم وأبو شوك، ودعت إلى حماية المدنيين.
** تحت الحصار
وقال حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، عبر منصة “إكس” الأحد: “إلى شباب دارفور الأبطال. ظللت أناشد العالم وأوجه نداءاتي إلى الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، وسأتوقف عن مناشدتهم بعد الذي حدث”، في إشارة إلى هجوم “الدعم السريع” على مخيم زمزم.
مناوي أضاف: “الآن أوجه ندائي لكم.. حان الوقت للتحرك فورا لنفك الحصار عن مدينة الفاشر ومدينة أم كدادة”.
ومنذ 10 مايو/ أيار 2024، تشهد الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (غرب) اشتباكات بين الجيش و”الدعم السريع”، رغم تحذيرات دولية من المعارك في المدينة التي تعد مركز العمليات الإنسانية لولايات دارفور الخمس.
وخلال الفترة الماضية، كان الجيش يمد المدينة باحتياجاتها الإنسانية عبر الإسقاط الجوي، كما يسقط أسلحة لقواته المحاصرة في المدينة منذ نحو عام.
وفي 13 يونيو/ حزيران 2024 اعتمد مجلس الأمن الدولي قرارا يطالب قوات “الدعم السريع” بفك حصارها عن الفاشر.
وتصر “الدعم السريع” على السيطرة على الفاشر؛ لأنها بذلك ستكمل سيطرتها على إقليم دارفور بولايته الخمسة.
وإذا حدث ذلك فسيكون من الصعب على الجيش استعادة ولايات دارفور، التي قد تستخدمها “الدعم السريع” “ورقة” في أي مفاوضات مقبلة، وفق مراقبين.
كما تعزز سيطرة “الدعم السريع” على شمال دارفور والفاشر من فتح مجال واسع لتحركات قواتها إلى ولايتي نهر النيل والشمالية، بعد أن فقدت الخرطوم وولايتي الجزيرة وسنار.
** آلاف النازحين
ومنذ الجمعة، أدت هجمات “الدعم السريع” إلى مقتل وإصابة مئات ونزوح آلاف من مخيمي زمزم وأبو شوك إلى داخل الفاشر المحاصرة، وفق الجيش ولجان شعبية إغاثية.
وأفاد شهود عيان في الفاشر بأن آلاف النازحين فروا من مخيم زمزم إلى الفاشر؛ جراء استمرار قصف المخيم من جانب “الدعم السريع”.
وأوضحوا أن هؤلاء هم في الأصل نازحين إلى المخيم منذ فترة؛ بسبب الاشتباكات بين الجيش و”الدعم السريع” في مناطق عدة ببولايات دارفور.
ومساء الأحد، قالت قوات “الدعم السريع” إنها سيطرت على مخيم زمزم للنازحين، على بعد 12 كيلومتر جنوب غرب الفاشر.
وبث عناصر من هذه القوات مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي وهم يعلنون عن تواجدهم داخل المخيم.
** زمزم وأبو شوك
ومنذ مطلع ديسمبر/ كانون الماضي، بدأت “الدعم السريع” استهداف مخيم زمزم عبر قصف مدفعي.
وقالت “الدعم السريع” إن قواتها تستهدف المخيم لتمركز قوات مشتركة للحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش داخله واستخدامها النازحين دروعا بشرية.
ومخيم زمزم هو أول موقع تعلن وكالات الأمم المتحدة، في أغسطس/ آب الماضي، حدوث مجاعة فيه، ويقدر عدد النازحين فيه بنحو 500 ألف.
بينما تقول تقارير غير رسمية أخرى إن العدد داخل المخيم يصل إلى مليون نازح؛ جراء موجات نزوح جديدة عقب اندلاع الحرب بين الجيش و”الدعم السريع” في أبريل/ نيسان 2023.
وتأسس مخيم زمزم في 2004، عقب اندلاع الحرب بإقليم دارفور، بعد إعلان حركتي تحرير السودان والعدل والمساواة في 2003 تمردهما على نظام الرئيس السوداني آنذاك عمر البشير، متهمتين إياه بتهميش الإقليم.
وفي فبراير/ شباط الماضي، أعلنت منظمة أطباء بلا حدود تعليق نشاطها في المخيم، وأوقف برنامج الأغذية العالمي توزيع مساعدته داخل المخيم.
كما ظل مخيم أبو شوك هو الآخر هدفا لهجمات “الدعم السريع” خلال الأشهر الماضية، ويقع في الجزء الشمالي للفاشر، ويؤوي نحو مليون نازح من إقليم دارفور، وفق تقدير غير رسمي.
وتحت وطأة القصف المدفعي من قوات “الدعم السريع”، نزح الآلاف من المخيم إلى بلدة طويلة بولاية شمال دارفور.
ويقع المخيم على بعد 4 كيلومترات شمالي الفاشر، وتأسس في أبريل/ نيسان 2014.
ومنذ أبريل/ نيسان 2023، يخوض الجيش و”الدعم السريع” حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 15 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدر بحث لجامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.
وفي الفترة الأخيرة، بدأت تتناقص بوتيرة متسارعة مساحات سيطرة “الدعم السريع” في ولايات السودان لصالح الجيش.
ففي ولاية العاصمة التي تتشكل من 3 مدن، أحكم الجيش قبضته على مدينتي الخرطوم وبحري، فيما يسيطر على معظم أجزاء مدينة أم درمان، باستثناء أجزاء من غربها وجنوبها.
وفي الولايات الـ17 الأخرى، لم تعد “الدعم السريع” تسيطر سوى على أجزاء من ولايتي شمال كردفان وغرب كردفان وجيوب في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.
كما تسيطر “الدعم السريع” على 4 من ولايات إقليم دارفور، بينما يسيطر الجيش على الفاشر، عاصمة شمال دارفور، الولاية الخامسة في الإقليم.