انبهار رؤساء التحرير بالنجوم
في بداية عملي الصحفي تعرفت على الأخ عبد الباقي خالد عبيد، الذي تزاملت معه في إحدى الصحف الاجتماعية، وكان وقتها يحرر ملفًا فنيًا يتابعه كل عشاق الفن أيام توهج الحوت وانطلاقة فرفور وسطوع نجومية نادر خضر، وعبد الباقي بطيبته وبساطته وقلبه الأبيض الخالي من الغل والحقد وكل الشوائب والترسبات السوداء، كان محبوباً لكل الزملاء تحديداً أصحاب الإصدارة الاجتماعية الذين يقدرون إسهامه الكبير في توزيع الصحيفة وانتشارها.
أجرى عبد الباقي حوارًا مع الفنان المعروف كمال ترباس، وترباس لا يتحدث إلا بما يثير الجدل والغبار ويخلق التوتر والدهشة في آن، واحد فللرجل مقدرة فائقة في تجميع التضاد.. هاجم ترباس زميله الفنان المعروف محمود علي الحاج، وتجاوز في هجومه كل الخطوط الحمراء، وتم نشر الحوار الضجة ليأتي ترباس إلى الصحيفة مغاضبًا معلنًا عدم علاقته بما تم نشره.. لقد تبرأ الرجل من الحوار وقال بالحرف الواحد “كل ما جاء على لساني كذب لم أقله”.
علم عبد الباقي بزيارة ترباس للصحيفة وتبرؤه من الحوار فجاء بالدليل الذي يؤكد صدقه، ومن حسن حظه أن اصطحب معه إحدى الزميلات التي كانت شاهدة على حديث ترباس، حيث أكدت أن عبد الباقي كان رحيماً بترباس وهو يتجاهل الكثير من العبارات الخشنة التي ذكرها في حق من هاجمه، ومع ذلك وقفت الصحيفة مع ترباس وقدمت له اعتذارًا بالصفحة الأولى ما أغضب الاستاذ عبد الباقي الذي تقدم باستقالته، وهو قرار مبدئي ومنطقي وطبيعي كان سيتخذه أي شخص في مكانه.
لقد ضحت الصحيفة بمن أسهم في نجاحها وانتشارها لأجل خاطر من كانت تظنه نجمًا جماهيريًا يمكن أن تخسر الكثير إذا حاربته، وتلك عقدة النجومية التي يعاني منها الكثير من ملاك الصحف ورؤساء التحرير، فكم من صحفي مجتهد ونابه تعرض منتوجه للقرصنة لأجل سواد عيون نجم، وكم من صحفي مميز تمت إزاحته وفاءًا وعرفانًا وتزلفًا لنجم يبدو كالعقاب الهرم لم يتبق من هيبته إلا العيون والصوت المشروخ.
بالمقابل هنالك رؤساء تحرير ملء السمع والبصر يمكن أن نقول أنهم رؤساء تحرير حقيقيين أصحاب مبادئ وأخلاق، يقفون مع زملائهم ويثقون فيهم ولا يقبلون المساس بهيبتهم ومكانتهم وما ينشرون، وقد عملت من قبل بصحيفة “ألوان” مع الأستاذ حسين خوجلي وأذكر قبل مباراة الهلال وهلال الأبيض في نهائي كأس السودان التي احتضنها ملعب الجزيرة بودمدني، كتبت خبرًا عن محاولات ظلامية قام بها مولانا أحمد هارون راعي هلال الأبيض وقتها ووالي شمال كردفان لأجل أن يفوز فريقه باللقب، والحق أن الخبر كان مثيرًا وفيه من الإتهامات المباشرة ما يجعل الكثير من الصحف تتحاشى نشره.
كتبت الخبر وتوقعت بنسبة كبيرة ألا يتم نشره رغم أنه خبر حقيقي كنت أملك من الأدلة والأسانيد ما يؤكد صدقيته، لأتفاجأ به في اليوم التالي خبرٱ رئيسياً بالصفحة الأولى وبالمانشيت العريض.. حسين خوجلي متعه الله بالصحة والعافية تواصل معي وأشاد بالخبر. وقال إن هارون إذا قام بفتح بلاغ فالقضية هنا لم تعد قضيتك بل قضية الصحيفة.. وفرق وفرق كبير بين رئيس تحرير حقيقي وآخر صنعته الصُدف.
وغدًا بإذن الله نواصل..