انتخاب الكاروري لرئاسة هيئة علماء السودان: خطوة لترسيخ نفوذ الإسلاميين أم بداية لإصلاح المؤسسة الدينية؟
بورتسودان – صقر الجديان
في مشهد يثير الكثير من التساؤلات، انتخبت الجمعية العمومية لهيئة علماء السودان يوم الخميس 21 أغسطس 2025، القيادي الإسلامي البروفيسور إبراهيم محمد محمد الصادق الكاروري رئيساً للهيئة، خلفاً للرئيس السابق.
ويأتي هذا الانتخاب في وقت بالغ الحساسية، حيث يشهد السودان صراعاً سياسياً وميدانياً محتدماً، إلى جانب جدل واسع حول دور الحركة الإسلامية في مؤسسات الدولة والمجتمع.
خلفيات الانتخاب: عودة الإسلاميين إلى واجهة المؤسسات الدينية
الهيئة، التي تأسست لتكون مرجعاً دينياً للمجتمع والدولة، تعرضت خلال السنوات الماضية لانتقادات حادة، إذ اتهمها كثيرون بالتحول إلى ذراع شرعي للأنظمة السياسية، عبر إصدار فتاوى تُبرر سياساتها. ومع انتخاب الكاروري، أحد أبرز رموز الحركة الإسلامية، يرى محللون أن الإسلاميين يحاولون إعادة تثبيت وجودهم داخل المؤسسات الدينية الرسمية بعد التراجع الذي أصابهم عقب الثورة السودانية وما تبعها من تغييرات.
اللافت أن اختيار الكاروري لم يأت بمعزل عن حسابات سياسية؛ فالرجل ظلّ مرتبطاً بالحركة الإسلامية منذ عقود، وشارك في منابر دعوية وسياسية كان لها دور في تشكيل الوعي الديني المرتبط بالسلطة. هذا يعزز فرضية أن الهيئة قد تظل أداة في صراع النفوذ بين القوى المختلفة، بدلاً من أن تكون مظلة جامعة للشعب السوداني.
التحديات: ما بين استعادة الثقة ومخاطر التسييس
أمام الكاروري ورفاقه في قيادة الهيئة مهمة شاقة: استعادة ثقة المجتمع السوداني، وإعادة الاعتبار لمؤسسة عانت من تآكل سمعتها. كثير من السودانيين ينظرون إلى الهيئة باعتبارها جزءاً من الأزمة، وليست طرفاً في الحل، بسبب ارتباطها بمواقف سياسية أثارت الانقسام.
التحدي الآخر يكمن في مستقبل الهيئة: هل ستلتزم بدورها الديني والعلمي بعيداً عن التجاذبات؟ أم أنها ستواصل الانحياز للإسلاميين، خصوصاً في ظل الحرب الجارية التي أدخلت البلاد في حالة من الاستقطاب الحاد؟ مراقبون يرون أن بقاء الهيئة في مربع الانحياز سيزيد من فقدان ثقة الشارع بها، بينما سيُحسب للكاروري إذا استطاع إعادة ضبط البوصلة نحو الإصلاح والتجديد الديني.
قراءة في المشهد المقبل
انتخاب الكاروري لا يمكن فصله عن المشهد السياسي الكلي في السودان. فالحركة الإسلامية تسعى إلى إعادة إنتاج حضورها في الفضاء العام، ليس فقط عبر القوى العسكرية أو السياسية، بل كذلك عبر المؤسسات الدينية التي تمنحها الشرعية والتأثير الشعبي.
وفي المقابل، يرى آخرون أن هذه الخطوة قد تشكّل فرصة للهيئة لاستعادة استقلاليتها، إذا ما استطاع الكاروري اتخاذ مسار إصلاحي يوازن بين المرجعية الدينية ومتطلبات المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد.
الأسابيع القادمة ستكشف ما إذا كان انتخاب الكاروري مجرد إعادة تدوير لوجوه الإسلاميين داخل مؤسسة دينية، أم بداية لتحول يعيد للهيئة مكانتها كمرجعية علمية وروحية بعيداً عن التوظيف السياسي.