نيويورك تايمز: فرماجو يقود الصومال إلى الهاوية
مقديشو – صقر الجديان
لم يكن العالم يتوقع أن يقلب محمد عبدالله فرماجو، الذي تشبع بالديمقراطية خلال إقامته في أمريكا، تجربة بلاده الوليدة رأسا على عقب.
وخلال السنوات التي أمضاها بصفته مسؤولا في وزارة النقل في شمال نيويورك، حصل اللاجئ الصومالي آنذاك، محمد عبدالله فرماجو، الذي أصبح مواطنا أمريكيا، على شهادة الماجستير في الدراسات الأمريكية، وتشبع بالقيم الديمقراطية التي كان يأمل في تصديرها إلى وطنه يوما ما.
وفي 2017، أصبح الحلم حقيقة لفرماجو، عندما عاد إلى الصومال وانتخب رئيسًا في انتصار مفاجئ أنعش أمالا كبيرة في أنه يمكن أن يصلح – وحتى يحول – بلده الذي أرهقته الحرب، إلى دولة مستقرة، وفق صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية.
لكن تبددت تلك التطلعات بمجرد رفض فرماجو عقد انتخابات رئاسية بعد انتهاء فترة ولايته في فبراير/شباط الماضي، ثم قراره غير الديمقراطي بتمديد حكمه عامين؛ وهي خطوة اعتبرها معظم الصوماليين اغتصابا للسلطة، حسب المصدر ذاته.
وذكرت الصحيفة الأمريكية أن النزاع السياسي المحتد في الصومال تحول إلى أعمال عنف، الأحد، عندما اندلعت سلسلة من المعارك المسلحة بين الفصائل العسكرية المتناحرة في العاصمة مقديشو، ما أثار مخاوف من انزلاق الصومال إلى موجة عنف واحتراب جديدة، بعد سنوات من التقدم المتواضع والتدريجي.
والآن تبددت مؤهلات فرماجو الديمقراطية، بل أنه يعيش مواجهة مفتوحة مع حليفه السابق؛ الولايات المتحدة، التي لا يزال يمتلك منزلًا فيها، على حد قول الصحيفة.
وهدد وزير الخارجية أنتوني بلينكن علنا بمعاقبة فرماجو ومسؤولين صوماليين آخرين، في حال التقاعس عن إجراء الانتخابات على الفور.
وقال عبد الرشيد حاشي، وهو وزير سابق في حكومة فرماجو: “تتركز قوة الرئيس العقلية بالكامل على صعوده، وكيف يمكنه السيطرة على المشهد”، مضيفا: “سمحت له سياسة حافة الهاوية بأن يفلت كثيرا. ولكن الآن وصلت كل هذه التحركات التكتيكية إلى ذروتها بالفشل الذريع الذي نحن فيه”.
وذكرت “نيويورك تايمز” أن فرماجو، وهو اسم مشتق من الكلمة الإيطالية الخاصة بالجبن ويزعم أنها طعام والده المفضل، كان في يوم من الأيام يحمل آمال جميع الصوماليين.
وفي 2017، كانت جميع أنحاء مقديشو تحتفل بالفوز غير المتوقع للرئيس الجديد الذي سرعان ما حشد الدعم عبر الطيف السياسي والعشائري من الصوماليين الذين أيدوا وعوده بحملة مناهضة للكسب غير المشروع.
ونقلت الصحيفة الأمريكية عن العقيد أحمد عبد الله شيخ، الذي كان وقتها قائد القوات الخاصة الصومالية التي تدعمها القوات الأمريكية، وتنشط في قتال حركة الشباب، قوله: “الأشهر الأولى كانت رائعة. اعتقدت أنني التقيت بطلي”.
ووفق “نيويورك تايمز”، فإن المسؤولين الأمريكيين أعجبوا بفرماجو أيضًا، وبالرغم من أن ما لا يقل عن 5 من حاملي جوازات السفر الأمريكية ترشحوا للرئاسة الصومالية في 2017، كان يُنظر للرئيس على نطاق واسع باعتباره أقل فسادا وأكثر توجها نحو الإصلاح، وأقل خضوعا للمصالح الأجنبية مقارنة بالمرشحين الـ24 الآخرين.
وبعد فترة قصيرة على فوزه بالانتخابات، قال فرماجو لأنصاره: “هذه هي بداية وحدة الأمة الصومالية”.
وقالت الصحيفة الأمريكية إن “الآمال الكبيرة التي علقها عليه كثير من الصوماليين عام 2017، جاءت جزئيًا من صورته العامة كشخص تكنوقراطي هادئ جدير بالاحترام. لكن سرعان ما بدأت خيبة الأمل”.
وأشارت “نيويورك تايمز” في تقريرها إلى أن فرماجو لعب سياسات انقسامية بين العشائر، وبدأ في الخلاف علنا مع القادة الإقليميين بالبلاد؛ الأمر الذي أدى إلى تقويض نظام تقاسم السلطة الذي يدعم استقرار الصومال.
ونهاية عام 2018، ألقى فرماجو القبض على أحد خصومه المحتملين، الأمر الذي أثار احتجاجات قتل فيها 15 شخصا على الأقل، وبعد أسابيع طرد مبعوث الأمم المتحدة، متهما إياه بالتدخل في الشأن الصومالي، بحسب “نيويورك تايمز”.
لكن أصبح الرئيس الصومالي يعتمد بشكل كبير على رئيس المخابرات القوي، فهد ياسين، الذي قامت أجهزته الأمنية بسجن وتعذيب صحفيين مستقلين، بحسب جماعات حقوقية والأمم المتحدة ومسؤولين غربيين.
ونقلت الصحيفة الأمريكية عن المسؤولين أن ياسين، الصحفي السابق في قناة الجزيرة، أصبح بمثابة قناة للأموال القطرية التي استخدمت للمساعدة في انتخاب فرماجو، والتي استخدمها الأخير أيضا لترسيخ قاعدته السياسية أثناء وجوده في السلطة، وهو جزء من معركة بالوكالة أوسع نطاقا على النفوذ بين دول الخليج المتنافسة الغنية بالنفط في الدولة ذات الموقع الاستراتيجي.
وقال متحدث باسم الحكومة القطرية، في بيان لـ”نيويورك تايمز”، إن قطر “ترفض كليا المزاعم المتعلقة بتحويل أموال غير معلن عنها وإقامة علاقة ظل”، مضيفا أن قطر “تلعب دورا بناء في الصومال”.
وأصيب بعض الموجودين بالدائرة المقربة من فرماجو، بما في ذلك العقيد الشيخ، بخيبة أمل واستقالوا. وقال الشيخ: “قلت لنفسي: هؤلاء الناس ينذرون بأخبار سيئة”.
وعام 2019، تخلى فرماجو عن جنسيته الأمريكية، ولم يفسر سبب القرار، لكن أشار مسؤولون على دراية بالأمر إلى تحقيقات حول شبهات فساد.
ففي الوقت الذي سلم فيه جواز سفره، كانت تجرى تحقيقات بشأن أمواله من قبل دائرة الإيرادات الداخلية في الولايات المتحدة، بحسب ثلاثة مسؤولين غربيين على دراية بالأمر، تحدثوا شريطة عدم كشف هويتهم لمناقشة المسألة الحساسة مع الصحيفة.
ولم يرد مكتب فرماجو على أسئلة “نيويورك تايمز”.
وخلال مقابلات مع الصحيفة، قال العديد من الساسة الصوماليين إن الفوضى كانت أيضًا خطأ واشنطن، ملقين باللوم على الولايات المتحدة لفشلها في التدخل مع فرماجو عندما أصبحت ميوله الاستبدادية واضحة منذ سنوات.
وردا على الانتقادات، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الصومالية إن الولايات المتحدة “حثت الرئيس مرارا وتكرارا على الانخراط بشكل بناء مع قادة الفيدرالية لدفع المصالحة السياسية والتوصل إلى توافق في الآراء بشأن القضايا الحيوية لاستقرار الصومال”.
وطبقًا للصحيفة، فإن موقف فرماجو المتشدد معروف بين الصوماليين العاديين الذين سئموا التدخل الأجنبي.
ومع ذلك، يعتمد فرماجو أيضا بشكل كبير على القوى الإقليمية الأخرى، وهنا تشير الصحيفة الأمريكية إلى أنه مستمر في تلقي التمويل من قطر والتحالف مع رئيس إريتريا أسياس أفورقي، الذي درب جيشه الآلاف من القوات الصومالية، بحسب ما قاله مسؤولون غربيون وصوماليون.
وعن الأموال القطرية، قال عبد الرزاق محمد وزير الداخلية السابق والنائب المعارض الآن عن: “إنها تأتي نقدا وهي غير محسوبة. إنه سر معروف”، بحسب “نيويورك تايمز”.
وتسبب تمديد فرماجو لولايته التي انتهت قبل شهرين ورفضه إجراء انتخابات، في تفاقم الأزمة بالصومال واتساع نطاق القتال ليشمل مناطق مختلفة من البلاد، وانشقاق وحدات من القوات الموالية للرئيس وانضمامها للمعارضة.
قبل أن يقرر التراجع عن قرار التمديد في خطاب ألقاه للشعب في وقت سابق اليوم، لكن من غير المعروف هدفه من هذه الخطوة ومدى جديته في المضي قدما في إجراء الانتخابات.