السودان.. هل ينجح حميدتي في إدارة الأزمة الاقتصادية؟
الخرطوم – صقر الجديان
سويعات قليلة فصلت بين قرار إعادة تشكيل الآلية العليا لإدارة الأزمة الاقتصادية في السودان برئاسة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وعقدها أول اجتماع بالتشكيلة الجديدة.
وشكّل انعقاد الاجتماع الأول للآلية برئاسة حميدتي مفاجأة للمشهد السوداني، ارتكازا على التداعيات التي صاحبت الاستقالة التي تقدم بها من الآلية في مارس/آذار الماضي.
ولكن لم تنقضِ ليلة الخميس الماضي إلا وحميدتي مترأسا الاجتماع الأول للآلية العليا لإدارة الأزمة الاقتصادية في السودان، التي تضم في جُعبتها المكونات الثلاثة المتمثلة في المجلس السيادي ومجلس الوزراء وتحالف قوى إعلان الحرية والتغيير، الحاضنة السياسية للثورة السودانية.
وتُعنى الآلية العليا لإدارة الأزمة الاقتصادية بتنفيذ حزمة إجراءات عاجلة تعمل على توفير السلع الإستراتيجية، ومراجعة سياسات الواردات والصادرات، وتوفير الإسناد العاجل لحصاد محصولات الموسم الزراعي الشتوي، والتحضير للموسم الزراعي الصيفي.
وقال عبد الله حمدوك نائب رئيس الآلية رئيس وزراء الحكومة الانتقالية إن الاجتماع الأول للآلية كان فرصة لمناقشة الأزمة الاقتصادية -باستفاضة- وقضايا المواطنين المعيشية.
وشدد حمدوك على قدرة الآلية على تجاوز الأزمة الاقتصادية، وتحقيق طموحات “ثورة ديسمبر المجيدة”، بدعم وإسناد الشعب السوداني، رغم الظروف التي يمر بها العالم والسودان بتفشي جائحة كورونا، والتركة الثقيلة من الأزمات التي ورثتها حكومته الانتقالية من النظام السابق.
أما حميدتي رئيس الآلية العليا لإدارة الأزمة الاقتصادية في السودان، النائب الأول لرئيس مجلس السيادة، فدعا الشعب السوداني إلى وحدة الصف، ونبذ الجهوية والعنصرية من أجل تجاوز التحديات والصعوبات الاقتصادية والظروف المعيشية التي تواجه المواطنين.
وشدد حميدتي على أهمية بذل المزيد من الجهود، والاستفادة من موارد البلاد، واستغلالها لخدمة المواطنين بدل الاعتماد على الآخرين، مناشدا تجار العملة والذهب ومهربي السلع الضرورية إيقاف التهريب والتحلي بالمسؤولية والروح الوطنية.
أداء قسم واجتماع مثمر
بعد مرور 48 ساعة، عادت الآلية العليا لإدارة الأزمة الاقتصادية إلى قاعة الصداقة بالخرطوم لعقد اجتماعها الثاني، بعد أن أدت القسم على العمل بروح الفريق الواحد، وحصدت صورة حميدتي وحمدوك وهما متجاوران في تأدية القسم تعليقات الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي.
ويبدو أن القراءات ذاتها المأخوذة من صورة حميدتي وحمدوك، انعكست على الروح التي سادت الاجتماع الثاني للآلية العليا لإدارة الأزمة الاقتصادية، حيث بدا المتحدث باسم الآلية السفير عمر مانيس متفائلا وهو يعلن للصحفيين رصد الآلية مؤشرات نجاحها عقب انعقاد اجتماعها الأول.
مانيس قال إن تراجع الدولار أمام الجنيه السوداني يعد واحدا من مؤشرات نجاح عمل الآلية، حيث انخفض الدولار فجأة أمام الجنيه في السوق الموازي (الأسود) من 136 جنيها إلى ما دون 120 جنيها حتى أمس السبت.
وكشف مانيس عن بعض القرارات التي اتخذتها الآلية، ومن بينها نشر قوات مشتركة لمكافحة التهريب، وإنشاء فريق عمل موحد من كل الأجهزة الأمنية لرصد وملاحقة المتاجرين في العملة وتهريب الذهب، والتوجيه بتوفير كل احتياجات موسم الحصاد.
جدل في منصات التواصل
ظلت منصات التواصل الاجتماعي تتفاعل وتضجّ بنقاشات حادة بشأن تسلم قائد قوات الدعم السريع والنائب الأول لرئيس مجلس السيادة مهام رئاسة الآلية الاقتصادية العليا لإدارة الأزمة الاقتصادية في السودان.
وركزت اتجاهات النقاش في منصات التواصل الاجتماعي على كيفية تولي رئاسة آلية بهذه الأهمية من قبل رجل مثل حميدتي ذي الخلفية العسكرية، في ظل وجود علماء وخبراء اقتصاديين وكفاءات وطنية من التكنوقراط، ويحملون أعلى الدرجات العلمية في الاقتصاد والعلوم السياسية.
أزمة تحتاج إلى واقعية
لكن أستاذ الاقتصاد بجامعة وادي النيل الدكتور محمود عبد السلام قال إن البلاد في ظل أزمتها الاقتصادية الراهنة تحتاج إلى الواقعية أكثر من حاجتها إلى التنظير، وإن حميدتي يمتلك إمكانات مالية كبيرة عبر قوات الدعم السريع، التي قال إنها مدعومة من قبل الاتحاد الأوروبي لدورها البارز في الحد من ظاهرة الاتجار بالبشر.
واستعرض عبد السلام في حديثه للجزيرة نت الميزات التي يتمتع بها قائد الدعم السريع، التي أجملها في الواقعية والشخصية القيادية.
ويؤكد عبد السلام أن قائد قوات الدعم السريع قادر -بما يمتلكه من موارد مالية- على توفير الوقود والمحروقات واحتياجات المواطنين من الدقيق والخبز لمدة ستة أشهر على الأقل، وهي ميزة لا تتوفر عند غيره في الوقت الراهن.
من جهتها، وصفت الخبيرة الاقتصادية سمية سيد في حديثها للجزيرة نت اختيار حميدتي لرئاسة الآلية الاقتصادية بالخطوة الذكية؛ ارتكازا على الموارد المالية لقوات الدعم السريع، والمتمثلة في الذهب، وعلاقات حميدتي الخارجية، خاصة مع الاتحاد الأوروبي.
فرضيات ونجاح
أما المحلل السياسي شوقي عبد العظيم فيقول إن اختيار حميدتي لرئاسة الآلية العليا لإدارة الأزمة الاقتصادية في السودان أملته العديد من الفرضيات التي توفرت بشكل واضح في قائد الدعم السريع.
ويقطع عبد العظيم في حديثه للجزيرة نت بنجاح حميدتي في مهمته لامتلاكه القدرة على التفاهم مع المؤسسات الاقتصادية ذات الطابع الأمني والعسكري، التي قال إنها تجلس على أموال طائلة على شاكلة منظومة الأمن والدفاع والتصنيع الحربي، بالإضافة إلى قوات الدعم السريع نفسها.
وتقول الخبيرة الاقتصادية سمية سيد إن ذلك لا يعدو أن يكون في خانة الحلول المؤقتة، وأن التعويل على حميدتي وحده لا يكفي لإخراج البلاد من عنق زجاجة تردي الاقتصاد.
وتمضي سمية سيد أبعد من ذلك، وتبيِّن أن معالجة مشكلة الاقتصاد تحتاج إلى رؤية واضحة، وبرنامج وطني متفق عليه من القوى السياسية السودانية كافة، بما فيها تحالف قوى الحرية والتغيير مسنودة بمنظمات المجتمع المدني ومكونات الحكومة العسكرية والمدنية.
المصدر : الجزيرة