كيف تورطت قطر في دعم الإرهاب الإيراني في الشرق الأوسط؟
الدوحة – صقر الجديان
احتدم الجدل الدولي مؤخرًا حول تمويل قطر للحرس الثوري الإيراني وعملياته الإرهابية حول العالم، خصوصًا بعد التصريحات التي أدلى بها مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية حول هذا الخصوص، الأمر الذي فتح الباب أمام إعادة التساؤلات بشأن صلات الدوحة بجماعات الإسلام السياسي ـ سواء السني أو الشيعي، وما ارتكبته من جرائم إرهابية بحق دول الشرق الأوسط في إطار مساعيها لحيازة المزيد من النفوذ الجيوسياسي.
دعم الدوحة للإرهاب
وكشفت وسائل إعلام أميركية الأسبوع الماضي عن بدء تحقيقات داخل الخارجية الأميركية حول تورط قطر في تمويل الحرس الثوري الإيراني المصنف بالأساس على قائمة الإرهاب في الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية، الأمر الذي ألقى بظلاله على العلاقات الأميركية القطرية التي كانت تتمتع بشراكة إستراتيجية في وقت سابق، حسب تصريحات المسؤولين الأميركيين.
تواترت التسريبات حول التحقيقات الأميركية بشأن قطر بعد معلومات استخبارية قدمتها إسرائيل إلى إدارة الرئيس جو بايدن خلال الزيارة الأخيرة للرئيس الإسرائيلي السابق رؤوفين ريفلين إلى أميركا، حسبما أفادت النسخة الفارسية من إذاعة “صوت أميركا”.
وفى خضم التقارير المتعاقبة، جاء البيان الصادر عن الجيش الأميركي الذي أكد على سحب معدات وأسلحة من قطر وترسيتها في الأردن، وجاء في البيان أنّ “الولايات المتحدة أغلقت قواعد في قطر كانت ذات يوم تخزن مستودعات مليئة بالأسلحة، وتمّ نقل الإمدادات المتبقية إلى الأردن، حيث إنّ الولايات المتحدة أغلقت معسكر السيلية الرئيسي، ومعسكر السيلية الجنوبي، ومستودعاً لذخيرة “فالكون””.
من الخفاء إلى العلن
ويطرح ذلك تساؤلاً هامًا، وهو كيف تورطت قطر في دعم إرهاب الحرس الثوري الإيراني؟
وتشير التقارير إلى أن العلاقات القطرية الإيرانية بدأت في الظهور إلى العلن في أعقاب مقاطعة دول الرباعي العربي “السعودية والإمارات ومصر والبحرين” للدوحة، وذلك بعد سنوات طويلة من التعاون السري بين طهران والدوحة.
بعدها، شهدت العلاقات السياسية والتجارية والأمنية بين قطر وإيران قفزة هائلة في منتصف عام 2017؛ نظرًا لاشتراك البلدين حدوديًا، وظهر إلى السطح تعاون الدوحة وطهران في المجال العسكري، مثل إجراء تدريبات مشتركة بالمنطقة.
وفى عام 2019، أعلن قائد القوة البحرية في الحرس الثوري الإيراني الأميرال علي رضا تنكسيري، أنّ الجمهورية الإسلامية وجهت الدعوة إلى قطر لإجراء تدريبات مشتركة في المنطقة.
كما كشفت وكالة “مهر” الإيرانية عن مدى توثيق التعاون بين البلدين عسكريًا، وقال قائد القوة البحرية في الحرس الثوري، إن “طهران تتعاون مع بعض دول المنطقة لتعزيز قدراتها الدفاعية، والجمهورية الإسلامية تعتزم إجراء تدريبات مشتركة مع سلطنة عمان والعراق”، لافتًا إلى الرسالة التي بعث بها النظام الإيراني إلى قطر في هذا الخصوص.
كذلك، شهد مؤتمر قادة القوات البحرية في الشرق الأوسط “ديمدكس 2018″، في الدوحة، مشاركة وفد من القوة البحرية للحرس الثوري الإيراني، برئاسة نائب قائد القوة البحرية في الحرس الثوري، العميد علي رضا تـنكسيري، والذي كشف عن استعداد البلدين لتكثيف التعاون بينهما في ذلك الوقت.
مفاجآت وعلاقات سرية
وينكشف النقاب عن العلاقات السرية بين الدوحة وطهران يومًا بعد يوم، إذ فجر الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، مفاجأة مدوية عندما كشف عن أن “أمير قطر السابق، حمد بن خليفة آل ثاني، دفع 57 مليون دولار، للإفراج عن 57 رجلاً في الحرس الثوري، أسروا على يد جماعة مسلحة في سوريا”.
وكمحاولة لمعاقبة النظام بعد استبعاده من الانتخابات الرئاسية الأخيرة، قال أحمدي نجاد: إن “حافلة للحرس الثوري في سوريا كانت في طريقها إلى ضريح السيدة زينب بجنوب دمشق، إلا أنّ سائق الحافلة قادهم عن قصد للوقوع في كمين لجماعة مسلحة معارضة (لم يحددها)، وأسرت كافة عناصر الحرس”.
وتوسط أمير قطر السابق لدى الجماعات المسلحة لأجل إيران في ذلك الوقت، حيث أشار أحمدي نجاد إلى “إيران والحكومة السورية لم تفلحا في الإفراج عن أسرى الحرس الثوري، مما خلق قلقاً كبيراً داخل المسؤولين الإيرانيين خشية قطع رؤوسهم ونشر مقاطع فيديو لهم”؛ لذلك “تمّ اللجوء إلى قطر للتوسط لتتمكّن قطر بعد فترة من التوسط من الإفراج عنهم”.
حمد يخطب ود إيران
ولا تكشف الواقعة عن العلاقات السرية بين إيران وقطر فقط، بل وتكشف عن العلاقات التي ربطت بين الدوحة والجماعات الإرهابية السنية في سوريا والعراق، إذ يقول أحمد نجاد إنه تلقى اتصالاً من أمير قطر السابق حينذاك، الذي قال له: “لقد وجدت طريقة للاتصال بمحتجزي الرهائن، وقالوا إنّنا نريد مليون دولار للإفراج عن كل شخص، أي 57 مليون دولار، أي الكثير من المال”.
وعندما أرسل الرئيس الإيراني شيكًا بمبلغ 57 مليون دولار مع وزير خارجيته إلى قطر، فوجئ بأن أمير قطر يعيد الشيك إليهم على الفور، وخطب ود إيران منذ ذلك الوقت، قائلا: “لقد فعلت ذلك من أجل إخوتي، دون مقابل، أوصل تحياتي إلى نجاد، وقل له إنّني فعلت ذلك من أجل صداقة الشعبين وإخوتي”.
توترات وعقوبات مرتقبة
ويؤكد محللون سياسيون ومتخصصون أمنيون أن قطر التي عملت على تمويل جماعات الإسلام السياسي في منطقة الشرق الأوسط ـ سواء جماعات سنية أو شيعية ـ ومن بينها حزب الله والحوثيون في اليمن وحماس في غزة والإخوان والجماعات الإرهابية في سوريا والعراق وليبيا، إلا أن الأحداث الأخيرة وتأكيد تمويلها للحرس الثوري سيدفع بالولايات المتحدة إلى النَّيْل من الدوحة نفسها بسبب دعم الإرهاب الإيراني الذي يستهدف المصالح الأميركية، مؤكدين أن المسألة قد تصل إلى توقيع عقوبات بحق قطر.
كما ارتبطت قطر بالتمويل العلني لجماعات مرتبطة بإيران، من بينها حماس في غزة وحزب الله في لبنان والحوثي في اليمن، وهي الجماعات التي تتحرك وفق أجندة إيرانية بحتة وبصورة معلنة، وهو الأمر الذي يدفع أيضًا نحو جدية التحقيقات داخل المؤسسات الأميركية حول النظام القطري ودعمه للإرهاب، خصوصًا إرهاب إيران.