السودان.. عقبات كبيرة تهدد موسم القمح بمشروع الجزيرة
مدني – صقر الجديان
يواجه مشروع الجزيرة في وسط السودان، عقبات كبيرة تعترض موسم القمح هذا العام، دفعت المزارعين الذين وصفوه بالأسوأ إلى اطلاق نداء استغاثة للحكومة المركزية من أجل تدارك الموسم.
ظلت قضية العطش بمشروع الجزيرة- وسط السودان- تطل برأسها مع بداية كل موسم، ولكن هذا العام وصف بالأسوأ لأن العطش يهدد موسم محصول القمح لدرجة أن العديد من المزارعين أطلقوا نداء استغاثة لحل مشكلة العطش والسماد.
وتعاني معظم الأقسام من الجفاف لوجود الحشائش والطمي في القنوات مما حال دون وصول المياه إلى «الحواشات»، وأيضاً يشتكي المزارعون من مشكلة السماد والتقاوى، حيث ألزمهم البنك الزراعي بشراء اليوريا بـ«الكاش» خلافاً لما كان يحدث في السابق، وسط انتقادات للخطوة.
تفاقم المشكلة دفع بمزارعي قسمي التحاميد والهدى للإعلان عن تنظيم عن وقفة احتجاجية أمام مقر وزارة المالية الاتحادية ومقابلة وزير المالية ورئيس مجلس الوزراء بخصوص توفير سماد اليوريا للمزارعين بالتمويل ومعالجة مشكلة الري لمساحة تبلغ ما بين «400- 600» ألف فدان قمح بحسب رغبة المزارعين، يتوقع ان يصل انتاجها لمليون طن، وتشكل النسبة الأكبر لإنتاج القمح بالسودان الذي يستهلك «2» مليون طن سنوياً الأمر الذي يعني تقليص الاستيراد إلى النصف- بحسب المهتمين- الذين أشاروا إلى أن مشاكل الموسم الشتوي ستنعكس سلباً على الموازنة ومعيشة المواطنين.
مصادرات «إزالة التمكين»
وأكد رئيس تجمع المزارعين بالجزيرة طارق أحمد الحاج لـ«التغيير»، أن الموسم الزراعي تأثر سلباً بالأوضاع السياسية في البلاد وغياب الجهاز التنفيذي، بجانب الرفع الكامل للدعم عن المحروقات.
وقال: «وزارة المالية كانت سابقاً ملتزمة مع البنك الزراعي بتوفير الأسمدة في الزمان والمكان المحدد والآن حدث العكس تماماً السماد وصل متأخراً جداً وبالكاش طبعاً، وهذا وضع صعب جداً على المزارعين».
وأضاف: «أيضا هنالك مشكلة آليات النظافة.. لك أن تتخيل 1700 ترعة بها 17 كراكة فقط لتنظيف الحشائش وفتح الترع علماً بأن الموسم الماضي كانت هنالك 40 كراكة والآن كل قسم به 2 كراكة فقط حيث تم مصادرة عدد من الكراكات بواسطة لجنة إزالة التمكين بعد إيقاف عدد من الشركات».
ووصف الوضع في المشروع بأنه كارثي، فمعظم الأقسام تعاني من العطش لدرجة أن قسماً كاملاً في التحاميد «14 ألف فدان» لم تصله المياه والترع خاوية حتى لو هطلت أمطار فلن تحل المشكلة.
سابقة خطيرة
ووصف رئيس تجمع المزارعين بالجزيرة، الموسم الحالي بأنه استثنائي وأن العروة الحالية أصعب عروة تمر على المشروع، بسبب المشكلات التي تواجه الموسم من تحديات الري وعدم تطهير قنوات والتمويل، واعتبر أن هذا يوضح عدم اهتمام الدولة بالزراعة، وأشار إلى ان وزارة المالية لم توفر المبالغ المرصودة للتمويل، وأن البنك الزراعي موارده شحيحة، وحتى الآن لم تحدد السعر التركيزي، «وهذه سابقة لم تحدث من قبل».
وأضاف: «كان يجب تحديده من وقت مبكر حتى يستطيع المزارعون تحديد التكلفة».
مطالبة بتغيير النظام
ورأى طارق ضرورة تغيير نظام التمويل الحالي للمدخلات والسماد واستبداله بتعامل المزارعين المباشر مع الشركات الخاصة بدلاً عن الحكومة ممثلة في البنك الزراعي لأن الدولة فشلت تماماً في المشروع منذ العهد البائد وحتى الآن- حسب تعبيره.
وطالب بضرورة الإسراع في تكوين جسم يمثل المزارعين وبدء الإجراءات فوراً من مسجل التنظيمات لتكوين جسم يمثل المزارعين الذي عليهم أن يلتفوا حول قضاياهم الشائكة حتى لا ينهار المشروع تماماً.
ضربة قاضية
من جانبه، قال سفيان الباشا- أحد قيادات المزارعين بمشروع الجزيرة- قسم الهدى لـ«التغيير»، إن الموسم الزراعي الشتوي بمشروع الجزيرة لم يكن جيداً من بداياته من حيث الإعداد والاستعداد له من قبل الدولة فتأثر الموسم بزيادة أسعار الجازولين ثم تأخر وصول سماد «الداب» من قبل البنك الزراعي، إضافة إلى تدني خدمات الري وضعفه.
وأضاف: «جاءت الطامة الكبرى والضربة المميتة للمزارعين بإعلان البنك الزراعي بيع سماد اليوريا للمزارعين بواقع 31 ألف جنيه خلافاً لما كان متعاملاً به في السنوات الماضية حيث درج البنك على تمويل المزارعين من مدخلات زراعية من تقاوى وسماد داب ويوريا عبر نظام التمويل الآجل ويقوم المزارع بسدادها عند الحصاد إلا أن إعلان البنك الزراعي بيع السماد عن طريق الكاش وليس التمويل يعتبر طعنة قاتلة في خاصرة المزارعين لأنهم لا يستطيعون شراء السماد بالكاش في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة وتدني قيمة المنتجات الزراعية من ذرة وفول وقطن إذا أراد المزارع أن يشتري 2 جوال يوريا لتسميد 1 فدان عليه أن يبع 13 جوال فول».
مطالب
وأوضح الباشا أنهم وعند سؤالهم لإدارة البنك الزراعي عن سبب بيع السماد بالكاش جاء رد البنك أن وزارة المالية لم تصدق للبنك لشراء سماد اليوريا، وكل هذا وغيره دفع بالمزارعين إلى الاحتجاج على هذه السياسه الخاطئة والمدمرة.
وقال: وفقاً للوضع الحالي نحن كمزارعين نطالب وزارة المالية بتوفر التمويل اللازم للبنك الزراعي لسماد اليوريا بالسرعة المطلوبة وبأسعار معقولة عن طريق التمويل الآجل سواء من قبل البنك أو إدارة مشروع الجزيرة بجانب الإعلان عن سعر تشجيعي للقمح يتماشى مع التطورات الاقتصادية والتضخم الذي ضرب السوق بالإضافة لتحسين مستوى الري وتطوير خدماته».
مخالفات الري
من جهته، كشف المزارع حسب الرسول يوسف حمد النيل- مكتب الفراجبن الشمالي الغربي لـ«التغيير»، عن ري مساحات كبيرة خارج الدورة الزراعية من ترعة الخريجين والجيش وجياد وبعلم الإدارة في وقت يعاني فيه المزارعون من العطش.
وقال: «لا مانع من ري هذه المساحات ولكن بعد الاكتفاء الذاتي من الماء للمساحات داخل المشروع.. وكما يقول المثل الزاد كان ما كفى أهل البيت يحرم على الجيران».
وأشار حسب الرسول، إلى إحجام المزارعين عن التوسع في تحضير وزراعة مساحات من القمح خوفاً من الخسائر التي أصبحت تحيط بهم وهم ينظرون إلى ما دفعوه من مال ومجهود يذهب سدىًّ.
بدوره، أكد الطاهر عبد الله- مزارع بقسم التحاميد، أن العطش يضرب المنطقة خاصة تفتيشي مهيلة والنالة، وقال: «بعض المساحات التي زرعت منذ اكثر من عشرين يوماً لم تتحصل على جرعة ماء للشربة الأولى ولم يفتح الله على مسؤولي الري بأي أجابة تطمئنهم بقدوم المياه».
ارتفاع اسعار اليوريا
وذكر المزارع الفاتح الطائف- قسم الماطوري، أنه تفاجأ بالأسعار العالية لليوريا بالبنك الزراعي في المناقل وبـ«الكاش» للمزارعين الذين تم تمويلهم فقط، علماً بأن الكمية للمزارع تسعة جوالات فقط حتى لو كانت المساحة كبيرة علماً بأن سعر الجوال 31 ألف جنيه.
وقال: «في ظل هذا الأمر سنبيع في النهاية الأغنام والأبقار لتسديد تكلفة إنتاج القمح الذي تتحكم في أسعاره وزارة المالية».
سياسة فاشلة
ووصف القيادي بتجمع المزارعين سفيان الباشا، سياسة البنك الزراعي وإدارة مشروع الجزيرة بأنها «فشل» بعد إعلان عدم تمكنهما من الحصول على سماد اليوريا لمحصول القمح بسبب رفض وزارة المالية التصديق للبنك الزراعي بتمويل سماد اليوريا، وأعلن البنك الزراعي عن بيع سماد اليوريا بـ«الكاش» للمزارعين الممولين منه فقط بواقع «31» ألف جنيه للجوال.
وقال: «ما يحدث بسبب خنوع وضعف موقف المزارعين مما جلب عليهم الزل والهوان»، ودعا المزارعين للخروج من البيوت والحواشات والاصطفاف على كلمة واحدة وانتزاع الحقوق.
تكاليف باهظة
وتوقع المزارع العاقب العمدة، فشل الموسم الشتوي لزراعة القمح والمحاصيل الشتوية بمشروع الجزيرة والمناقل، وقال إن الامر يحتاج لمتابعة من قبل المهتمين خاصة الإعلام.. «المشروع في خطر وهنالك استهداف والدليل انعدام المياه بالقنوات في السنين الأخيرة حتى هذا العام».
ودعا العمدة الإعلام لحماية الاقتصاد الوطني بالتركيز على مشروع الجزيرة العملاق وعكس الأضرار والخسائر المادية الكبيرة للرأي العام.
فيما وصف المزارع أحمد جبر الله، الوضع بالخطير والمهدد للموسم الزراعي، وقال: «هنالك مساحات كبيرة لم تنل الري الأولي حتى الآن»- لحظة كتابة التقرير- وتساءل جبر الله: «أين قيادات المزارعين بالجزيرة ووالمناقل.. أين إدارة المشروع ولماذا الصمت على الوضع الحالي؟».
وأضاف: «تكلفة حراثة الفدان أكثر من 3 آلاف جنيه وسعر برميل الجازولين وصل 72 ألف جنيه».
خطوات للحل
إدارة مشروع الجزيرة أكدت لـ«التغيير» عقب جولة ميدانية شملت عدداً من تفاتيش قسمي الشمالي والشمالي الغربي، اتخاذ جملة من التدابير العاجلة تبدأ منتصف الشهر الجاري لتدارك مشاكل الري خاصة في الأقسام الشمالية للمشروع، فيما قاطع عدد من المزارعين بمنطقة كاب الجداد زيارة ممثلي الإدارة وطالبوا بجلب «الكراكات» بدلا عن الزيارة.
وأقرت إدارة المشروع بوجود اختناقات حقيقية بسبب الاطماء ونقص حاد في مناسيب الري، واتخذ الاجتماع قراراً بزيادة مناسيب مياه الري، بجانب تحريك عدد من آليات الحفر لإزالة الاطماء في عدد من المواقع.
وشدّدت الإدارة على ضرورة وقف التعدي على منشآت الري والممارسات الخاطئة والتي تتسبب في تعقيد حل مشاكل الري من النواحي الفنية، وكشفت الإدارة عن خطوات لاستيراد «50» طن من سماد «اليوريا».