الخرطوم – صقر الجديان
لم يكتف رئيس السلطة الانقلابية، الفريق عبد الفتاح البرهان بإعادة منسوبي نظام الإنقاذ البائد إلى الواجهة والمناصب بعد انقلابه على السلطة الشرعية في 25 أكتوبر؛ بل ذهب لأبعد من ذلك بإعادة كامل صورة الدولة الأمنية القمعية التي عانى منها الشعب السوداني طوال عهد المخلوع عمر البشير.
وأعاد البرهان بموجب أمر طوارئ حمل الرقم (3)، كافة سلطات وصلاحيات جهاز المخابرات التي سحبتها الوثيقة الدستورية (اعتقال الأشخاص، التفتيش، الرقابة على الممتلكات والمنشآت، الحجز على الأموال…)، وذهب لأبعد من ذلك بمنح القوات النظامية حصانات كاملة تحميها من اتخاذ أي إجراءات في مواجهتها وهي تنفذ ما يعرف بقانون الطوارئ.
بلا نهاية
القرارات التي أصدرها البرهان قرن استمرارها باستمرار قانون الطوارئ والذي لا يعلم أحد إلى متى يستمر العمل به، في ممارسة شبيهة بما نفذه النظام البائد جرائم الإبادة الجماعية في دارفور تحت ستار قوانين الطوارئ، الأمر الذي جعل رئيس هيئة محامي دارفور، صالح محمود، يتوقع أن تكون نهايته شبيهة بنهاية سلفه البشير مطلوباً لدى المحكمة الجنائية الدولية.
وأكد محمود أن عدم تحديد فترة معينة للعمل بالطوارئ يرهن واقع البلاد للقمع الشامل والتضييق بدون سقف زمني أو مبررات واضحة.
وقال صالح لـ(التغيير) إن قانون الطوارئ “استثنائي” ولا يفرض إلا في حالات محددة (حروب، أوبئة، كوارث طبيعية). مؤكداً عدم دستوريته لكونه يقيد الحريات الأساسية الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية.
رئيس هيئة محامي دارفور: البرهان سينتهي مثل البشير مطلوبا لدى المحكمة الجنائية الدولية
ويؤكد القمع المفرط الذي مارسته الأجهزة الأمنية للموكب السلمية، من قتل مباشر وضرب واعتقالات واغتصابات، عدم مراعاة السلطة الانقلابية لمبادئ حقوق الإنسان، مع الانتباه إلى أن كل هذه التجاوزات حدثت قبل إطلاق يد جهاز الأمن وتسوير فعائل القوات النظامية بالحصانات.
ويشير إطلاق يد البطش؛ إلى عدم وضع أي اعتبارات لصورة النظام عالميا، وفق ما ذكر كبير مستشاري المجلس الأطلسي، كاميرون هدسون في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، مشيراً إلى أنه يفعل ما يعتقد أنه يمكنه الإفلات منه.
تناقض أم شرعنة؟
بعد أن راج خبر إطلاق يد الأجهزة الأمنية (الذي أكدته مصادر رفيعة للتغيير)؛ تفاجأت الأوساط السياسية بخبر الاستعداد للانتخابات الأمر الذي لا يتسق مع وجود قانون الطوارئ وفق رئيس هيئة محامي دارفور الذي أكد أن الأحزاب السياسية لن تتمكن من ممارسة كافة أنشطتها السياسية الضرورية لدخولها الانتخابات من جهة، وعدم التمكن من بسط الأمن وإجراء الإحصاء السكاني والسماح للنازحين واللاجئين بالمشاركة من جهة أخرى.
“ستكون مجرد شرعنة للانقلاب بإجراء انتخابات صورية يحرم من المشاركة فيها الملايين”.
واتفق مع القانوني صالح محمود الأمين العام لحزب الأمة، الواثق برير الذي يرى في قرارات السيادي تناقضاً واضحاً بمناقشة شأن الانتخابات بيد وإطلاق البطش وتكميم الأفواه والاعتقال غير المقنن بيد أخرى.
وقال البرير لـ(التغيير) هذا القانون يضيف مزيد من التعقيدات الموجودة على المسرح السياسي معربا عن أمنياته بانتهاء حالة الطوارئ.
الواثق برير: السلطة الانقلابية متناقضة
قمع المقاومة السلمية
لا يخفى على أحد أنّ قرارات القائد العام للجيش تهدف لمضاعفة محاصرة المقاومة السلمية التي تعرض بعض منسوبيها لاعتقالات قبيل مليونية 25 ديسمبر، وتمت مواجهتها بقمع مفرط في محيط القصر الرئاسي، في الوقت الذي منع المتظاهرين السلميين من عبور الجسور لوسط الخرطوم عبر إغلاقها بمجموعة من حاويات البضائع.
ويبدو أن السلطة الانقلابية وفق ما كتب رئيس حزب المؤتمر السوداني، عمر الدقير، على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، لا تملك خياراً لكسر شوكة المقاومة السلمية غير تكريس النهج الاستبدادي وإحاطة نفسها بترسانة القوانين القمعية وفيالق الأجهزة الأمنية لتحريم ومنع الحراك السياسي المعارض وانتهاك الحريات والحقوق الأساسية.
واتفق مع الدقير القانوني صالح محمود حول مسألة غياب الرقابة القضائية التي يجب أن يكون الناس سواسية أمامها، ووصف محمود الحصانات بـ(المعيبة) مشيراً إلى أن منع الناس من التظاهر السلمي فيه تجاوز لمبادئ دستورية.
واستنكر محمود اعتبار السلطة الانقلابية للمواكب السلمية عدواً للسيادة الوطنية؛ مشيراً إلى إمكانية تطبيق الإجراءات الاستثنائية في الأجزاء المحتلة من البلاد مثل حلايب التي انتهكت فيها دولاً أخرى سيادة البلاد بعلم حكومتها.
وحذر رئيس هيئة محامي دارفور من التجاوزات والانتهاكات الخطيرة التي ستحدث نتيجة هذه القوانين بقوله: “نتوقع حدوث انتهاكات واسعة ومنظمة” مطالباً بإدراج مثل هذه التجاوزات تحت قائمة الجرائم ضد الإنسانية.
غياب هيئة العمليات
إحدى ثمرات ثورة ديسمبر كانت تقليص سلطات جهاز “أمن البشير” سيء الصيت، الذي تورط في كثير من الجرائم ضد الإنسانية كان من ضمنها طريقة القتل الوحشية التي تعرض لها الأستاذ أحمد الخير.
التقليص شمل تسريح (14) ألف عنصر من هيئة العمليات الأمر الذي جعل أحد ضباط جهاز الأمن المتقاعدين يقلل من قيمة القرار السيادي بإعادة كثير من السلطات للجهاز بحسبان أن: “القوة الموجودة الآن لا تستطيع تنفيذ دور الجهاز مثل السابق”.
وكشف الضابط الذي طالب بحجب اسمه لـ(التغيير) عن حل الأجسام المتخصصة في فض التظاهرات، مشيراً إلى رفض عدد كبير منهم الانضمام للجيش والدعم السريع والتحاق قرابة نصف القوة بدولتي قطر والإمارات.
وقال الضابط، إن مقرات هيئات العمليات الموزعة في أحياء (الرياض، كافوري، سوبا، كرري) واستراحات الضباط تحولت لملكيات تابعة لقوات الدعم السريع، مستبعداً في الوقت نفسه إمكانية استعادتها منهم.
وبعد أن قلل الضابط المتقاعد من قيمة القرار؛ عاد وأشار إلى خطورة تكمن في القوانين والضوابط التي تحكم سلطات الجهاز، مشيراً إلى أنها في السابق تخضع لمسائلة النائب العام ولعدد من الضوابط الصارمة.
وختم الضابط المتقاعد حديثه مع التغيير بتفجيره لسؤال حذر: هل يترك باب الضوابط مغلقا تحت ذريعة قانون الطوارئ؟
كاميرون هدسون: هذا النظام ليس منزعجا من الإدانة الدولية
ومع الإشارة لغياب الجهة الفاعلة في البطش في عهد البشير داخل جهاز المخابرات الحالي “هيئة العمليات”، إلا أن منح السلطات الانقلابية هذه السلطات للأمن والقوات النظامية ترسل نذر شرر مستطير من البطش والتنكيل ينتظر ثوار أكتوبر.
بيد أن الثابت في تاريخ ثورة ديسمبر المستمرة طوال 36 شهراً أن الثوار عازمون على العبور بالدولة السودانية إلى شاطئ المدنية الكاملة وإزاحة العسكر من المشهد السياسي (الثورة ثورة شعب والسلطة سلطة شعب والعسكر للثكنات والجنجويد ينحل).
وقال رئيس حزب المؤتمر السوداني، عمر الدقير: (كل طبائع الاستبداد لن توهن عزيمة الثوار ولن تزيدهم إلّا عنفواناً في حراكهم السلمي الباسل نحو الوطن الذي يشتهون).
فهل يتفق الثوار مع الدقير في المحافظة الكاملة على السلمية في مواجهة نذر البطش المستطير الذي ينتظرهم بعد قرارات البرهان؟