أخبار السياسة المحلية

أزمة الشرق السوداني.. إغلاق شامل وغياب استراتيجية الحل (تحليل)

الخرطوم – صقر الجديان

– عملية إغلاق شرق السودان عقدت المشهد السياسي والاقتصادي في البلاد، وأربكت حسابات الحكومة المركزية
– يقود زعيم المجلس القبلي محمد الأمين ترك أكبر عملية إغلاق للموانئ والطرق البرية في البلاد
– حَمَّلَ المجلس القبلي، الذي يقود الاحتجاجات شرقي السودان، الحكومة مسؤولية حدوث أي أزمة دواء في البلاد
– الكاتب مقداد خالد: علاج أزمة شرق السودان يتطلب ابتداءً توحيد اللغة الحكومية إزاء توصيف المشكلة ودواعيها وأسبابها

عملية إغلاق شرق السودان عقدت المشهد السياسي والاقتصادي، وأربكت حسابات الحكومة المركزية، جراء الأزمات المترتبة على انقطاع السلع الاستراتيجية كالسكر والقمح والوقود، والأدوية، والتي تصل جميعها من موانئ البحر الأحمر إلى العاصمة الخرطوم، وبقية الولايات الأخرى.

ومنذ 17 سبتمبر/ أيلول الماضي، يغلق “المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة” (قبلي)، كل الموانئ على البحر الأحمر، والطريق الرئيسي بين الخرطوم وبورتسودان، احتجاجا على ما يقول إنه تهميش تنموي تعاني منه المناطق الشرقية.

ويقود زعيم المجلس القبلي محمد الأمين ترك، بدعم كيانات قبلية أخرى عبر التنسيقية العليا لكيانات شرق السودان، أكبر عملية إغلاق للموانئ والطرق البرية في البلاد، تبدأ من منطقة “الخياري” التي تفصل بين ولاية القضارف (شرق)، والجزيرة (وسط)، ومنطقة “أوسيف”، بمحلية حلايب حيث الطريق القاري الرابط بين السودان ومصر.

** حلول عملية

للخروج من الأزمة، قرر مجلس الوزراء السوداني، الثلاثاء، تشكيل لجنة برئاسة عبد الله حمدوك (رئيس الوزراء) للاتصال بـ “المكون العسكري” في مجلس السيادة للتوافق حول “حلول عملية” لقضية شرقي البلاد.

وعقب اجتماع له، قال مجلس الوزراء، في بيان، إنه “تداول حول قضية شرق البلاد وإغلاق الميناء والطريق القومي الرابط بين ولاية البحر الأحمر وبقية الولايات” من جانب مجلس قبلي.

وجدد التأكيد على “عدالة قضية الشرق وأولويتها لارتباطها بالقضايا السياسية والاجتماعية والتنموية لمواطني شرق البلاد”.

لكنه جدد، في الوقت عينه، “التحذير والتنبيه إلى ما يترتب على إغلاق الميناء وإقفال الطرق من آثار وانعكاسات على البلاد”.

** جسر جوي

ووصف وزير المال السوداني جبريل إبراهيم موقف البلاد من السلع الاستراتيجية بالمقلق وغير المريح، جراء إغلاق الموانئ والطريق القومي الرابط بين العاصمة الخرطوم، ومدينة بورتسودان شرقي البلاد.

ورفض إبراهيم، في تصريحات إعلامية نقلتها وسائل محلية، الإفصاح عن احتياطي البلاد من السلع الاستراتيجية تفاديا لإزعاج المواطنين، وتزايد نسبة القلق لديهم.

وكشف الوزير عن إجراءات وتدابير إسعافية عاجلة لنقل الدواء والأسمدة من الميناء جوا عبر الطائرات بسبب إغلاق الطريق القومي.

وأضاف: “هناك سلعا أخرى مثل الوقود والقمح، لا يمكن نقلها بالطائرات لأنها ستكون مكلفة جدا”.

وتابع: “إذا قمنا بنقلها لا يستطيع المواطن شراءها لأن أسعارها ستصل إلى أرقام فلكية، وفي الوقت ذاته نواجه صعوبة شديدة في نقلها عبر البر”.

لكن “المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة” قال في بيان، الثلاثاء، إن إغلاق الموانئ والطريق بين العاصمة الخرطوم ومدينة بورتسودان الاستراتيجية لا يشمل الأدوية ولا منقولات المنظمات العالمية والأممية.

وحَمَّلَ المجلس القبلي، الذي يقود الاحتجاجات شرقي السودان، الحكومة مسؤولية حدوث أي أزمة دواء في البلاد.

** غياب الرؤية

بالنسبة إلى المستشار السياسي لرئيس الوزراء السوداني ياسر عرمان، فإن الحكومة بمكوناتها جميعا لم تتصالح على استراتيجية واحدة لحل أزمة شرق البلاد.

وقال عرمان، في مقابلة مع قناة “الجزيرة”، إن “الشرق والبحر الأحمر يشكلان قضية استراتيجية مهمة للبلاد؛ ما يستوجب إجراء حوار بين الحكومة ومكونات الشرق كافة”.

وأوضح أن “ما يعيق الحوار الآن هو التصعيد المستمر، وعدم وجود قنوات تواصل، إلى جانب أن الحكومة بشقيها المدني والعسكري ليست لديها استراتيجية، وليست هناك رؤية موحدة تمكنها من تقديم وجهة نظر واحدة في ما يتعلق بشرق السودان”.

** أزمة سياسية

وقال القيادي والمستشار القانوني في “المجلس الأعلى لنظارات البجا”، أحمد موسى إن أزمة شرق السودان سياسية، وعلى مجلس الوزراء الاطلاع بدوره وتصميم برنامج عمل لإيجاد حلول نهائية لملف شرق السودان.

وأوضح موسى، في حديث إلى “الأناضول”، أن الحكومة الانتقالية برئاسة حمدوك فشلت في القيام بدورها، وحولت ملف شرق السودان من أزمة سياسية إلى قضية ذات طابع أمني.

وأضاف: “المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة فقد الثقة في الحكومة لعدم اهتمامها بملف أزمة شرق السودان، وما يهمنا الوصول إلى حل نهائي عن طريق المجلس الأعلى للسلام”.

** تسوية مرضية

وقال الكاتب والمحلل السياسي مقداد خالد إن علاج أزمة شرق السودان يتطلب ابتداءً توحيد اللغة الحكومية إزاء توصيف المشكلة ودواعيها وأسبابها، في حال أردنا الوصول إلى النتائج السليمة، إذ تبرز تباينات كبيرة بين العسكر الذين يرون أن المشكلة سياسية، بينما يقول المدنيون إنها مشكلة تنموية”.

وأضاف خالد، في حديثه إلى “الأناضول”، أنه “على الرغم من عدم موضوعية انصياع الدولة للأطروحات القبلية، فإن واقع الحال الماثل يستدعي اتخاذ عدة مسارات للحل تتمثل في التوصل لتسوية مُرضية بين المكونات الأهلية، بمنأى عن الانحياز إلى طرف بعينه”.

وتابع: “مع التأمين على أهمية بعض من مطالب المحتجين ذات الصلة بتطوير الإقليم وتمثيله السياسي، لا بد من التعامل بحسم إزاء أي تعديات على المشروعات القومية (الميناء والطرق المؤدية إليه)”.

ورأى ضرورة “إسراع الحكومة في إقامة مشروعات تنموية وخدمية بالإقليم، ولها القدرة على تحويل الولاء من عشائري لولاء لصالح الدولة”.

** تراكم الأزمة

حادثة إغلاق شرق السودان لم تكن الأولى من نوعها، إذ أغلق المجلس لنظارات البجا، في 5 يوليو/ تموز الماضي الطريق القومي بين الخرطوم وبورتسودان لـ 3 أيام، قبل إرسال الحكومة وفد وزاري في الـ 17 من الشهر ذاته للتفاوض معهم حول مطالبهم، لكن من دون الاستجابة لها، بحسب تصريحات لقيادات المجلس.

وفي 26 سبتمبر/ أيلول الماضي، وصل وفد حكومي برئاسة عضو مجلس السيادة شمس الدين كباشي إلى مدينة بورتسودان (شرق)، “لحل الأزمة”، المتمثلة في إغلاق الطريق القومي، والموانئ والمطارات احتجاجا على التهميش، وللمطالبة بالتنمية.

لكن رئيس المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة محمد الأمين ترك أرسل خطابا إلى رئيس لجنة معالجة قضية شرق السودان، شمس الدين كباشي، تضمنت إلغاء مسار الشرق المضمن في اتفاق جوبا لسلام السودان.

وحسب بيان صادر عن إعلام المجلس الأعلى لنظارات البجا، فإن الرسالة تضمنت أيضا، التمسك بحل حكومة الفترة الانتقالية، وتكوين حكومة كفاءات وطنية، حسب الوثيقة الدستورية.

ويحتج المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة، على “مسار الشرق” ضمن اتفاقية السلام الموقعة في جوبا، في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، بين الخرطوم وحركات مسلحة متمردة، إذ يشتكي من تهميش مناطق الشرق، ويطالب بإلغاء المسار وإقامة مؤتمر قومي لقضايا الشرق، ينتج عنه إقرار مشاريع تنموية فيه.

وركزت وساطة مفاوضات سلام السودان في جوبا على 5 مسارات، هي: إقليم دارفور، وولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، وشرقي السودان، وشمالي السودان، ووسط السودان.

وعوضا عن “مسار الشرق”، المضمن في هذا الاتفاق، يدعو المجلس القبلي إلى عقد مؤتمر قومي لقضايا الشرق، ينتج عنه إقرار مشاريع تنموية فيه.

ويعيش السودان، منذ 21 أغسطس/ آب 2019، فترة انتقالية تستمر 53 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى مدنية والحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى