إخراج فاغنر من السودان وليبيا يتحول إلى هاجس أميركي
المجموعة تميل إلى استهداف البلدان ذات الموارد الطبيعية التي يمكن استخدامها لتحقيق أهداف موسكو كمناجم الذهب في السودان.
الخرطوم – صقر الجديان
كثفت الولايات المتحدة من ضغوطها على حلفائها في الشرق الأوسط لطرد مجموعة فاغنر الروسية من ليبيا والسودان، حسبما قال مسؤولون إقليميون. وتأتي الجهود الأميركية بالتزامن مع خطوات واسعة النطاق اتخذتها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ضد المجموعة، المرتبطة بالكرملين، من خلال فرض عقوبات جديدة عليها مؤخرا بسبب اتساع دورها في الصراع الأوكراني.
والمجموعة هي مملوكة ليفغيني بريغوزين الحليف الوثيق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ووصفه البنتاغون بأنه بديل لوزارة الدفاع الروسية. وينفي الكرملين أي صلة بالمجموعة.
وأفاد أكثر من عشرة مسؤولين ليبيين وسودانيين ومصريين، طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم لأنهم غير مخولين بمناقشة القضية مع وسائل الإعلام، بأن إدارة بايدن تعمل منذ عدة أشهر مع مصر والإمارات للضغط على القادة العسكريين في السودان وليبيا لإنهاء علاقاتهم مع المجموعة. وقال مسؤول حكومي مصري كبير مطّلع على المحادثات إن المسؤولين الأميركيين مهووسون بفاغنر التي أصبحت على رأس كل اجتماع.
ولا تعلن المجموعة عن عملياتها، لكن وجودها معروف من التقارير على الأرض وغيرها من الأدلة. وكانت مرتبطة في الأصل بالرئيس السابق عمر البشير في السودان، وتعمل الآن مع القادة العسكريين الذين يشغلون المناصب. كما ترتبط بالقائد العسكري في شرق ليبيا خليفة حفتر في ليبيا.
وليام بيرنز: تأثير فاغنر في أفريقيا غير صحي للغاية ونحن نعمل بجد لمواجهته
ونشرت فاغنر الآلاف من عناصرها في دول أفريقية وشرق أوسطية بما في ذلك مالي وليبيا والسودان وجمهورية أفريقيا الوسطى وسوريا. ويقول محللون إن هدفها في أفريقيا يكمن في دعم المصالح الروسية وسط الاهتمام العالمي المتزايد بالقارة الغنية بالموارد.
واتهم خبراء حقوقيون يعملون مع الولايات المتحدة في الحادي والثلاثين من يناير المجموعة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في مالي، حيث تقاتل إلى جانب القوات الحكومية.
وقالت كاترينا دوكس الخبيرة في شؤون “فاغنر” في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية ومقره واشنطن “تميل المجموعة إلى استهداف البلدان ذات الموارد الطبيعية التي يمكن استخدامها لتحقيق أهداف موسكو، كمناجم الذهب في السودان، على سبيل المثال، حيث يمكن بيع الذهب الناتج بطرق تتجنب العقوبات الغربية”.
وكان دور المجموعة في ليبيا والسودان محورا رئيسيا في المحادثات الأخيرة بين مدير وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز ومسؤولين في مصر وليبيا في يناير الماضي.
وقال مسؤولون مصريون إن وزير الخارجية أنطوني بلينكن ناقش أيضا المسألة مع الرئيس عبدالفتاح السيسي في رحلة إلى القاهرة أواخر يناير. واعترف بيرنز بعد أسابيع من الزيارات في خطاب ألقاه الخميس في جامعة جورج تاون في واشنطن أنه كان قلقا بشأن تأثير فاغنر المتزايد في أفريقيا بعد سفره مؤخرا إلى القارة. وقال إن “هذا تطور غير صحي للغاية ونحن نعمل بجد لمواجهته”.
ودعا بيرنز وبلينكن السلطة المصرية إلى المساعدة في إقناع الجنرالات الحاكمين في السودان وقائد الجيش الليبي بإنهاء تعاملاتهم مع فاغنر، حسبما أكّد مسؤول مصري مطلع على المحادثات.
وتخضع المجموعة ومؤسسها لعقوبات أميركية منذ 2017، وأعلنت إدارة بايدن في ديسمبر عن قيود تصدير جديدة لتقييد وصولها إلى التكنولوجيا والإمدادات، واصفة إياها بأنها “منظمة إجرامية عابرة للحدود”. وقال مسؤول سوداني كبير إن القادة في السودان تلقوا رسائل أميركية متكررة حول نفوذ فاغنر المتزايد في الأشهر الأخيرة، عبر مصر ودول الخليج.
وأوضح المسؤول أن عباس كامل مدير المخابرات المصرية نقل مخاوف الغرب في محادثاته في الخرطوم الشهر الماضي مع رئيس المجلس السيادي الحاكم في السودان عبدالفتاح البرهان. وقال المسؤول إن كامل حث البرهان على إيجاد طريقة لمعالجة “استخدام فاغنر للسودان كقاعدة” لعمليات في دول مجاورة مثل جمهورية أفريقيا الوسطى.
وبدأت فاغنر العمل في السودان في 2017، حيث قدمت التدريب العسكري للمخابرات والقوات الخاصة، وللمجموعة شبه العسكرية المعروفة باسم قوات الدعم السريع، وفقا لمسؤولين سودانيين ووثائق اطلعت عليها وكالة أسوشيتيد برس.
ويقود قوات الدعم السريع، التي انبثقت من ميليشيات الجنجويد، الجنرال القوي محمد حمدان دقلو، الذي تربطه علاقات وثيقة بالإمارات والسعودية. ويرسل دقلو قوات للقتال إلى جانب التحالف الذي تقوده السعودية في الحرب الأهلية اليمنية المستمرة منذ فترة طويلة. وقال مسؤولون إن مرتزقة فاغنر لا يلعبون دورا قتاليا في السودان. لكن المجموعة تقدم تدريبات عسكرية واستخباراتية، بالإضافة إلى مراقبة المواقع وحماية كبار المسؤولين.
ويبدو أن القادة العسكريين السودانيين منحوا فاغنر السيطرة على مناجم الذهب في المقابل. وتظهر الوثائق أن المجموعة قد حصلت على حقوق التعدين من خلال شركات واجهة لها علاقات مع الجيش السوداني القوي وقوات الدعم السريع. وذكر مسؤولون أن أنشطتها تتركز في المناطق الغنية بالذهب التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع في دارفور والنيل الأزرق ومحافظات أخرى.
وفرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على شركتين لعملهما كواجهة لأنشطة تعدين، وهما مروي غولد ومالكتها إم إنفست وبحسب وزارة الخزانة، يمتلك بريغوزين كلاهما أو يتحكم فيهما. ولا تزال مروي غولد تعمل في جميع أنحاء السودان على الرغم من العقوبات.
وساعد المرتزقة الروس القوات شبه العسكرية على تعزيز نفوذها في المناطق النائية بالبلاد والعاصمة الخرطوم، حيث تساعد في إدارة صفحات التواصل الاجتماعي المؤيدة لقوات الدعم السريع. ويقع المعسكر الرئيسي لمرتزقة فاغنر في قرية أم دافوك المتنازع عليها على الحدود بين جمهورية أفريقيا الوسطى والسودان، وفقا لنقابة محامي دارفور، وهي مجموعة قانونية تركز على حقوق الإنسان.
مرتزقة فاغنر لا يلعبون دورا قتاليا في السودان لكن المجموعة تقدم تدريبات عسكرية بالإضافة إلى مراقبة المواقع وحماية كبار المسؤولين
وقال غبريل حسبو المحامي وعضو الجمعية “يستطيع أحد الاقتراب من مناطقهم”. وعلى المستوى الليبي أجرى بيرنز محادثات في ليبيا مع عبدالحميد الدبيبة رئيس إحدى الحكومتين المتنافستين في ليبيا. كما التقى مدير وكالة المخابرات المركزية مع حفتر في شرق ليبيا، وفقا لمسؤولين في قوات المشير.
وقال مسؤول اطلع على الاجتماع في مجمع الرجمة العسكري، مقر قيادة حفتر خارج بنغازي مباشرة، إن فاغنر كانت القضية الرئيسية التي جرى النقاش بشأنها.
وقال خبراء من الأمم المتحدة إن مرتزقة فاغنر ينتشرون في ليبيا منذ العام 2018 لمساعدة قوات الجيش في قتالها ضد المتشددين الإسلاميين في شرق ليبيا. وشاركت المجموعة أيضا في هجومه الفاشل على طرابلس في أبريل 2019.
وقدرت القيادة الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) وجود حوالي ألفي مرتزق من فاغنر في ليبيا بين يوليو وسبتمبر 2020 قبل وقف إطلاق النار. وجُهّزت المرتزقة بعربات مدرعة وأنظمة دفاع جوي وطائرات مقاتلة ومعدات أخرى زودتهم بها روسيا، حسب تقييم أفريكوم.
وقال مسؤولون ليبيون إنه منذ وقف إطلاق النار في 2020، تركزت أنشطة فاغنر حول المنشآت النفطية في وسط ليبيا، وواصلت تقديم التدريب العسكري لقوات الجيش. وليس من الواضح عدد مرتزقة فاغنر الذين مازالوا في ليبيا. وأوضح مسؤول ليبي آخر أن المسؤولين الأميركيين طالبوا بسحب المرتزقة من المنشآت النفطية.
ولم يقدم حفتر أي التزامات، لكنه طلب تأكيدات بأن تركيا والميليشيات الليبية التي تدعمها في غرب ليبيا لن تشن هجوما على قواته في مدينة سرت الساحلية ومناطق أخرى في وسط ليبيا. وطالبت مصر، التي تربطها علاقات وثيقة بحفتر، بعدم تمركز فاغنر بالقرب من حدودها. وقال مراقبون إنه لا يوجد دليل حتى الآن على أن ضغوط إدارة بايدن أسفرت عن نتائج في السودان أو ليبيا.
وقالت كاترينا إن “الولايات المتحدة وحلفاءها يجب أن يقاوموا الترويج للروايات القائلة إن روسيا شريرة وأن ما نقدمه جيد” وأن يركزوا بدلا من ذلك على تقديم بدائل أفضل لفاغنر. وأضافت “تبقى فاغنر في نهاية المطاف شركة تجارية. إذا كان بإمكانك خفض الربح ويمكنك تقليل حالة تطلب استخدام فاغنر، فهذا ما سيجعلها أقل جاذبية”.
إقرأ المزيد