استعادة “ود مدني”.. هل تسهل مهمة الجيش السوداني بالخرطوم؟ (تحليل)
الخبير الاستراتيجي أسامة محمد أحمد للأناضول: السيطرة على ود مدني ستسهم في تسهيل عمليات الجيش العسكرية في الخرطوم نظرا لقرب المسافة بين المدينتين
مدني – صقر الجديان
يحمل دخول الجيش السوداني، السبت، مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة (وسط) بعد نحو عام من فقدانها لصالح قوات “الدعم السريع”، مكاسب عسكرية عديدة، وفق مراقبين.
إذ تتعزز بهذه الخطوة قبضة الجيش على مدينة استراتيجية تُعتبر حلقة وصل بين مختلف مناطق البلاد، فضلا عن أن تواجده بها قد يسهل من مهمته في إحكام قبضته على العاصمة الخرطوم، التي تحاذيها من الجنوب، وطرد “الدعم السريع” منها.
وفي وقت سابق السبت، أعلن الجيش، في بيان، دخول ود مدني، ومواصلة قواته العمل على “تطهير جيوب المتمردين” داخل المدينة، مشيدا بتقدم القوات المسلحة والقوات المساندة لها في مختلف المحاور.
وفي أول تعليق له على استعادة ود مدني، تعهد رئيس مجلس السيادة بالسودان عبد الفتاح البرهان، أن يسترد الجيش “كل شبر” في البلاد سيطرت عليه قوات الدعم السريع.
في المقابل، قال قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) في أول تعليق له على سيطرة الجيش السوداني على ود مدني: “الحرب كر وفر، والحرب جولات. اليوم خسرنا جولة، لكننا لم نخسر المعركة”.
وفي تسجيل صوتي، أكد حميدتي تصميمه على مواصلة القتال، قائلا: “نحن نقاتلهم (الجيش) منذ 21 شهرًا، وسنقاتلهم لـ21 عاما”.
** مكاسب عسكرية
ومعلقا على هذه التطورات العسكرية، قال الخبير الاستراتيجي السوداني اللواء المتقاعد أسامة محمد أحمد، في حديث للأناضول: “دخول الجيش لود مدني، جاء نتيجة خطط عسكرية محكمة وُضعت منذ وقت مبكر، ونُفذت عبر 4 محاور عسكرية”.
وأوضح اللواء المتقاعد أحمد، أن دخول ود مدني لم يكن عملية عسكرية منعزلة جرت اليوم فقط، وإنما ساهم فيها العمليات العسكرية الأخيرة للجيش، التي تمكن عبرها من تحرير مدن بمحيطها في ولاية سنار (جنوب الجزيرة) وغيرها.
وأضاف: “جميع هذه المعارك تصب في صالح تحرير ولاية الجزيرة”.
واعتبر الخبير الاستراتيجي أن استعادة السيطرة على ود مدني تحمل مكاسب عسكرية عديدة للجيش.
وفي هذا الصدد، أشار إلى أن هذا الانتصار العسكري للجيش سيؤدي إلى انهيار معنويات قوات الدعم السريع، وستتبع فلولها التي فرت شمالا وغربا.
كما رأى الخبير الاستراتيجي أن السيطرة على ود مدني ستسهم في تسهيل العمليات العسكرية بالخرطوم، نظرا لقرب المسافة بين المدينتين.
وأوضح أن تمركز الطيران المروحي في ود مدني سيتيح إسنادا سريعا للقوات البرية في معارك الخرطوم.
وأردف: “بذلك يمكن للجيش استكمال مراحل التحرير عبر استثمار هذا الانتصار في عملياته القادمة”.
وتتكون الخرطوم باعتبارها عاصمة السودان من 3 مدن هي الخرطوم (جنوب شرق) وبحري (شمال شرق) وأم درمان (غرب) وترتبط فيما بينها بجسور على نهري النيل الأزرق والنيل الأبيض.
وحاليا، يسيطر الجيش السوداني على معظم أجزاء أم درمان، باستثناء مناطق محدودة جنوب وغرب المدينة لا تزال تحت قبضة قوات “الدعم السريع”.
وفي بحري، يُحكم الجيش قبضته على شمال المدينة، باستثناء مصفاة الجيلي التي تسيطر عليها قوات “الدعم السريع”، بالإضافة إلى أجزاء من شمال وشرق المدينة.
وفي الخرطوم، يسيطر الجيش يسيطر الجيش على منطقة المقرن، إضافة إلى مقار عسكرية مهمة مثل القيادة العامة ومقر سلاح المدرعات، والأحياء المحيطة بها مثل اللاماب، الشجرة، وجزء من منطقة جبرة.
أما قوات “الدعم السريع”، فتسيطر على وسط الخرطوم، بما في ذلك القصر الرئاسي، وأحياء في جنوب وشرق المدينة.
** موقع استراتيجي
أيضا تكمن أهمية السيطرة على ود مدني في موقعها الاستراتيجي حيث تتوسط البلاد، ما يجعلها حلقة وصل حيوية بين مختلف ولايات البلاد، وفق مراقبين.
إذ تربط هذه المدينة بين ولايات سنار والنيل الأزرق جنوبا، والقضارف وكسلا وبورتسودان شرقا، والنيل الأبيض وكردفان ودارفور غربًا، بالإضافة إلى نهر النيل والشمالية والخرطوم شمالا.
كما تُعتبر ود مدني مركزا اقتصاديا مهما بفضل احتضانها لمشروع الجزيرة، أكبر مشروع زراعي في إفريقيا، والذي يمتد على مساحة 2.2 مليون فدان.
** تغير بمعادلة السيطرة
وبعد سيطرة الجيش السوداني على مدينة ود مدني والمدن والقرى المحيطة بها، بسط نفوذه على معظم أجزاء شرق وجنوب وغرب ولاية الجزيرة، وفق مراسل الأناضول.
في المقابل، تراجعت قوات “الدعم السريع” إلى مناطق محدودة، أبرزها مدن الحصاحيصا، الكاملين، وجياد، إضافة إلى بعض البلدات في وسط وشمالي الجزيرة.
** تهاني بالنصر واحتفالات
يأتي فيما صدرت تهاني بالنصر من مسؤولين سودانيين، وسجلت أجواء احتفالية بمناطق في البلاد.
حيث هنأ عضو مجلس السيادة عبدالله يحيى، الشعب بالنصر في ود مدني، واصفا تحريرها بأنه “ضربة البداية”، وفق ما نقلت وكالة الأنباء السودانية.
وأضاف: “هذه بداية لانتصارات قادمة وسحق لأعداء الشعب من المليشيا (الدعم السريع) ومرتزقتها. والكل يستعد الآن لتحرير بقية مدن السودان”.
من جانبها، هنأت وزارة الخارجية السودانية الجيش والشعب باستعادة ود مدني، ووصفت في بيانها معركة استعادتها بأنها “ملحمة ملهمة في الوحدة الوطنية وتلاحم الجيش والشعب”.
في الإطار ذاته، شهدت عدة مدن مسيرات فرحا واحتفالا باستعادة الجيش السيطرة على ود مدني، وفق مراسل الأناضول.
إذ شارك الآلاف في احتفالات بالمدن الكبرى، منها سنجة، الأبيض (جنوب)، شندي، مروي، أبو حمد، عطبرة، دنقلا، حلفا (شمال)، بورتسودان، كسلا، القضارف، والفاو (شرق).
كما وثق ناشطون عبر فيديوهات احتفالات لسودانيين في الخارج، خاصة في السعودية ومصر.
ومنذ منتصف أبريل/ نيسان 2023، يخوض الجيش السوداني بقيادة البرهان، وقوات “الدعم السريع” بقيادة “حميدتي”، حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل وما يزيد على 14 مليون نازح ولاجئ، وفق تقديرات الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما يؤكد بحث لجامعات أمريكية أن إجمالي القتلى يصل إلى نحو 130 ألف شخص قتلوا بشكل مباشر وغير مباشر.
وتتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء الحرب بما يجنب السودان كارثة إنسانية بدأت تدفع ملايين إلى المجاعة والموت جراء نقص الغذاء بسبب القتال الذي امتد إلى 13 ولاية من أصل 18.