البرهان رحّب بها.. “نداء أهل السودان” مبادرة جديدة لإنهاء الأزمة السياسية
تهدف المبادرة لخلق أكبر كتلة داعمة للحوار والوفاق الوطني ليكون رأيها هو الغالب ويمثل الحاضنة الاجتماعية التي تدعم الوفاق والحوار، كما ترمي لترجمة هذا الوفاق عمليا بإنجاز "اتفاق حد أدنى" حول إدارة المرحلة الانتقالية.
الخرطوم – صقر الجديان
وجدت مبادرة “نداء أهل السودان للوفاق الوطني” مباركة صريحة من رئيس مجلس السيادة القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان الذي قال “نحن نؤيد كل مسعى يريد صاحبه أن يجمع أهل السودان وسيجد منا الدعم والسند لحين الخروج بالبلاد لبر الأمان”، مؤكدا أن السلطة الحاكمة لن تستطيع فعل شيء بمفردهما.
وتحدّث البرهان أمس السبت أمام حشد من المصلين بمنطقة ود أبو صالح شرق الخرطوم، قائلا “قبلنا بمبادرة رجل الدين المعروف الخليفة الشيخ الطيب الشيخ الجد ود بدر”، للخروج من الأزمة الحالية كونه من الشخصيات صاحبة الثقة والاحترام.
من هو الطيب الجد؟
وتمثل مبادرة الطيب الجد واحدة من أحدث التحركات الرامية لإنهاء الأوضاع المعقدة في السودان، والتي تفاقمت بعد إجراءات قائد الجيش في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حين أطاح بالحكومة المدنية وقرر تجميد بنود الوثيقة الدستورية ذات الصلة بالشراكة مع ائتلاف الحرية والتغيير الذي كان حاكما.
ووفق السيرة الذاتية لصاحب المبادرة، فهو الشيخ الطيب الجد ود بدر. درس الشريعة في كلية غردون عام 1955 وتخرج في 1959، وعيّن في العام ذاته بالسلك القضائي ثم تدرج حتى صار قاضيا بالمحكمة العليا. وفي أثناء ذلك انتدب للعمل في دولة قطر 5 سنوات منذ 1992، وبعد عودته واصل عمله قاضيا في المحكمة العليا إلى سن التقاعد.
وفي العام 1998 صدر قرار بتكوين مجمع الفقه الإسلامي، وتم تعيينه عضوا مسؤولا عن دائرة الفتوى الشرعية. وحين توفي الخليفة عثمان عمر بدر في أغسطس/آب 2002، آلت الخلافة إلى أبناء الشيخ الطيب بدر، وأجمعت أسرة ود بدر على اختيار الطيب الجد خليفة للشيخ محمد بدر.
وأظهر الطيب الجد موقفا مناهضا للتطبيع مع إسرائيل بعد لقاء رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان برئيس وزراء إسرائيل السابق بنيامين نتنياهو في كمبالا مطلع عام 2020، وتعهد بمقاومة الخطوة.
كما كان من المعارضين بقوة لتغيير المناهج الدراسية خلال الفترة الأولى للحكم الانتقالي. غير أن الانتقادات ظلت تلاحقه لصمته حيال موجة العنف الشديدة ضد المحتجين السلميين طوال الأشهر الماضية.
الحرية والتغيير تتحفظ
بدأت تحركات الطيب الجد الموسوم بالاعتدال والحكمة، منذ مارس/آذار الماضي مطلقا -مع عدد من شيوخ الطرق الصوفية- مبادرة “نداء أهل السودان”، التي حظيت بترحيب عدد من القوى الاجتماعية والسياسية والشبابية باستثناء أحزاب “الحرية والتغيير- المجلس المركزي”.
وترتكز مبادرة الطيب الجد على الدعوة لمائدة مستديرة خلال أغسطس/آب المقبل، يجتمع فيها ممثلون عن كل أهل السودان بدون عزل لأي طرف وبعيدا عن أي تدخل أجنبي، ليتم التوافق على رؤية لإدارة ما تبقى من الفترة الانتقالية عبر حكومة كفاءات وطنية مستقلة غير حزبية تركز على الأمور المعيشية والأمن وبسط القانون والعدالة وصولا لانتخابات يختار فيها الشعب قيادته.
كما تظهر المبادرة تأييدها للقوات المسلحة في دفاعها عن البلاد، وتقول إن الحفاظ عليها قوية مدعومة من شعبها لا ينبغي أن يكون محل خلاف أو مزايدات.
ووفق مصدر موثوق في تحالف الحرية والتغيير فإن الائتلاف لم يتلقَ دعوة حتى الآن لهذا الاجتماع، لكنه رجح عدم المشاركة به في حال وصلت الدعوة، مع إمكانية الجلوس مع أصحاب المبادرة وإيصال رؤية التنظيم الرافضة للحوار المدني- المدني باعتبار أن الأزمة في الأساس بين العسكر والمدنيين، وهو ما يستوجب العمل على حلّها مع الأطراف الأساسية بعيدا عن تشعيب القضايا.
وقال المصدر للجزيرة نت، إن مبادرة الطيب الجد ضمت إليها كل الأحزاب التي شاركت نظام البشير، “ولم يقدّر أصحابها -أي المبادرة- أن قطاعات واسعة من السودانيين لفظت تلك الفئة وأطاحت بها ولا ترغب في رؤية قادتها يلوحون بمفاتيح حل لا يملكون منه شيئا”. وفق تعبيره.
ينتقد البعض الطيب الجد ود بدر لعدم تدخله لوقف العنف ضد المظاهرات المطالبة بحكم مدني في السودان (الأناضول)
تحديد هدف الحوار
وفي الرابع من يوليو/تموز الحالي، أعلن البرهان انسحاب القوات المسلحة من المفاوضات السياسية لإتاحة الفرصة أمام المكونات المدنية للاتفاق على حكومة جديدة واستكمال تكوين هياكل الفترة الانتقالية.
لكن هذه الخطوة وجدت معارضة من قوى أخرى تقول بضرورة الجلوس مع المكون العسكري لبحث كيفية إنهاء “الانقلاب” والتوافق على مهام المؤسسات العسكرية خلال الوقت المتبقي من الفترة الانتقالية.
ويقول القيادي في الحرية والتغيير نور الدين صلاح الدين إن ائتلافهم لا يرفض المبادرات لكن ينبغي أن يتم تحديد هدف للحوار. مضيفا “هدفنا إنهاء الانقلاب وهو ما لن يتحقق في ظل حوار مع أحزاب سياسية تؤيد العسكر”.
وأضاف صلاح الدين للجزيرة نت “إذا أردنا البحث عن حل سياسي يجب مخاطبة الفاعلين والضغط على السلطة الانقلابية لترحل، بعدها يمكن معالجة كل التباينات بين القوى السياسية حول الحكم ومهام الفترة الانتقالية وغيرها من المسائل”.
خلق أكبر كتلة داعمة للحوار
ويوضح عضو مبادرة “نداء أهل السودان” هشام الشواني، أن المبادرة الجديدة تجمع أطيافا سودانية متنوعة بينها الطرق الصوفية والأحزاب السياسية والإدارات الأهلية وقطاعات حديثة بينها المهنيون والمثقفون، بعد استشعار الجميع للمخاطر والمهددات التي تحدق بالبلاد.
ويعتقد الشواني في حديث للجزيرة نت، باستحالة تحقيق إجماع على المبادرة بنسبة 100%، بما يعني -وفق قوله- أن تحفظات ائتلاف الحرية والتغيير تبقى مفهومة في هذا السياق.
لكنه يوضح أن المبادرة تهدف لخلق أكبر كتلة داعمة للحوار والوفاق الوطني ليكون رأيها هو الغالب ويمثل الحاضنة أو القاعدة الاجتماعية التي تدعم شكلا من أشكال السياسية قائما على الوفاق والحوار، كما ترمي لترجمة هذا الوفاق عمليا بإنجاز “اتفاق حد أدنى” حول إدارة المرحلة الانتقالية، وتكوين حكومة مستقلة غير حزبية تمثل السودانيين ولا تنحاز لأي طرف، وتهيئ الأجواء للانتخابات.
ويرى الشواني أن قيمة المبادرة تنبع من أنها “تقدم الفكرة الصحيحة في التوقيت الصحيح” باعتبار أن الوفاق الوطني ظل مطلوبا وتتعاظم الدعوات إليه منذ التغيير الذي حدث في أبريل/نيسان 2019 حين أطيح بنظام البشير. لكن اتجاهات متطرفة وإقصائية -كما يقول- شعرت بأنها الوحيدة القادرة على إخراج السودان من مأزقه لتكون النتيجة مزيدا من الاحتقان في البلاد.
وتعمل المبادرة من خلال 14 دائرة جرى تقسيمها للاتصال بكافة قطاعات المجتمع، وتتولى حاليا اتصالات مع أوسع قاعدة ليكونوا جزءا من مائدة الحوار المرتقبة، ويتم بعدها تحديد المشاركين. وبحسب الشواني، لم يتم تحديد موعد قاطع لعقد المائدة المستديرة، لكنه توقع أن تبدأ خلال النصف الأول من أغسطس/آب المقبل.
إقرأ المزيد