أخبار السياسة المحليةالسياسة

الحرب في السودان أطلقها الإخوان ويستثمرها المتطرفون

تنظيما داعش والقاعدة وضعا خططا بهدف السيطرة على مساحات سودانية شاسعة

الخرطوم – صقر الجديان 

تثير الفوضى التي يشهدها السودان تكهنات باستغلال التنظيمات المتطرفة، وخاصة تنظيم القاعدة، للأوضاع المنهارة واحتدام الصراع المسلح لترسيخ نفوذها في البلاد، وتعزز انتهازية الإخوان الذين ينظر إليهم كمتهمين رئيسيين في اندلاع الحرب هذه المخاوف.

فتح هروب قيادات إسلامية تنتمي إلى نظام الرئيس السوداني السابق عمر البشير، من سجن كوبر الباب أمام تساؤلات كبيرة حول دورها في تغذية الصراع الراهن بين قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وبدا هؤلاء كأنهم الطرف الثالث الذي يمكن أن يطلق غول التطرف في البلاد.

وربط مراقبون بين الكلمة المسجلة التي أذاعها القيادي في حزب المؤتمر الوطني المنحل أحمد هارون، بعد فراره من سجن كوبر وعدد من القيادات الأخرى، وبين دور مناصري البشير في المعارك الراهنة، فهم الطرف الذي يمكن أن يحقق مكاسب بعد أن تعرض لإقصاء حاد من قبل القوى المدنية كما يعتقدون.

تنظيما داعش والقاعدة وضعا خططا بهدف السيطرة على مساحات سودانية شاسعة

ويريد أنصار الحركة الإسلامية قلب الطاولة ومحاولة تعديل موازين القوى لصالحهم عبر تقسيم الشارع السوداني وتكريس الفتنة داخل المؤسسة العسكرية، بشقيها الجيش والدعم السريع، لأن هذا هو السبيل الوحيد أمامهم لاستعادة نشاطهم على المسرحين الأمني والسياسي في السودان.

ويعتمد الإسلاميون على وجود تيار إسلامي كبير تشكل منذ عهد البشير، ويمكن أن يتخلى المنتمون إليه عن كمونهم ويلعبوا دورا مؤثرا في تأجيج الصراع عبر ارتكاب جرائم ينسبونها إلى هذا الطرف أو ذاك.

وقد حوّل القتال المفتوح بين جناحين عسكريين شاركا معا في السلطة بالسودان هذا البلد المهم إستراتيجيا إلى مطمع لجماعات متطرفة متمركزة فيه وداخل عدد من الدول المجاورة له. ويبدو السودان في هذا السياق حالة غير استثنائية، فالصراع هو استنساخ لصراعات أخرى تكررت في دول مختلفة، وسوف يحوّل استمراره الدولة إلى ساحة لإنتاج خلايا إرهابية قد تتعرض لما يشبه الغزو الإرهابي.

استعدادات داعش والقاعدة

وضع تنظيما داعش والقاعدة في مناطق نفوذهما بأفريقيا شرقًا وغربًا وجنوبًا خططا لاستغلال الموقف ليسبق أحدهما الآخر مع استمرار دوامة الاقتتال بين قوات الجيش والدعم السريع، بهدف السيطرة على مساحات سودانية شاسعة ربما يتركها المتصارعون خلفهم فارغة.

وإذا تدهور الوضع أكثر واستمر الصراع المسلح لفترة أطول فإن فرص تنظيم القاعدة أكبر مقارنة بفرص داعش، بالنظر إلى تاريخ حضور الأول ونشاط في السودان خلال حقبة التسعينات عندما اتخذ زعيم التنظيم الراحل أسامة بن لادن، من السودان مقرا له حتى ضغطت الولايات المتحدة لطرده منه، ما ساعده على تكوين شبكة علاقات قوية مع سياسيين وعسكريين نافذين في البلاد، ولا تزال بقاياه حاضرة في علاقات خفية بين القاعدة وعناصر عسكرية محسوبة على نظام الرئيس السابق عمر البشير، ومنخرطة في الجيش، وتعمل على زيادة أمد التصعيد. كما أن الطرف الرئيسي في الأحداث المستعد لتقديم حوافز لفصائل مقاتلة أجنبية، وهو جماعة الإخوان، سيفضل التعاون مع تنظيم القاعدة عن أيّ كيان آخر.

جاء الاستثناء السوداني من المعضلة التي واجهتها بعض الدول العربية أثناء موجة “الربيع العربي” والثورات السابقة من وجود الحركة الإسلامية بالفعل في السلطة آنذاك، حيث بدا وجودها متسقا مع المدى الذي ذهبت إليه الثورة في دولٍ أخري، وعندما تأكد تهميش الإسلاميين في السلطة فكر السودان في إجراء ربيع خاص به من خلال التجهيز لانقلاب عسكري جديدة يمكّن الجماعة من القفز على السلطة، أو في أسوأ الأحوال تحويل البلاد إلى أرض محروقة، تمهد الطريق لنفوذ العناصر المتطرفة المتحالفة مع الإخوان والتي تلتقي أجندتها معها في محكات مصيرية ومسلحة.

إذا تدهور الوضع أكثر واستمر الصراع المسلح لفترة أطول فإن فرص تنظيم القاعدة أكبر مقارنة بفرص داعش

ويزيد من تعقيد الحالة السودانية التداخل والتضاد بين قوة من المفترض أن يُوجه إليها الدعم الإقليمي والعربي، وهي الجيش، مقابل اعتبار أيّ كيان مسلح آخر ميليشيا متمردة يلزم تقويضها وتفكيكها.

وأفادت مؤشرات عديدة منذ انطلاق شرارة القتال في الخامس عشر من أبريل الماضي، أن من دبّر أسباب الحرب ضباط كبار ينتمون إلى جماعة الإخوان نشطون داخل مؤسسة الجيش، بهدف الحيلولة دون محاسبتهم على جرائمهم وإجهاض الاتفاق الإطاري المُفضي في النهاية إلى تسليم الجيش للسلطة إلى حكومة مدنية.

وتكبل المعادلة المعكوسة داخل السودان الجهود العربية الرامية إلى فرملة خطط تريد خلق أوضاع فوضوية في السودان تعتمد على بقايا النظام البائد والإخوان داخل الجيش ومؤسسات عدة، ويقطع ذلك الطريق أمام التحول الديمقراطي وتسليم السلطة لحكومة مدنية.

وهناك اصطفاف قام به كل رموز نظام البشير وأنصاره وقادة وعناصر جماعة الإخوان مع الجيش في هذه الحرب لأجل هزيمة قوات الدعم السريع التي تحولت إلى شوكة في حلوقهم عقب تحالفها مع القوى المدنية وإصرار قائدها على ابتعاد الجيش عن السلطة وتسليمها إلى حكومة مدنية.

وإذا أرادت بعض القوى الإقليمية تطبيق عقيدتها القائمة على التعامل مع أيّ كيان مسلح مواز كميلشيا منبوذة، فإنها تصطدم بإشكالية كشفها خطاب قوات الدعم السريع التي تقدم نفسها كمنقذ للبلاد وطرف داعم للديمقراطية والحكم المدني ومحاربة فلول البشير، وخلايا الضباط الإسلاميين المتطرفين الساعين لاستمرار هيمنتهم على السلطة من وراء الستار.

إذا تدهور الوضع أكثر واستمر الصراع المسلح لفترة أطول فإن فرص تنظيم القاعدة أكبر مقارنة بفرص داعش

ويراهن داعش كي يتمكن من استثمار الفوضى والفراغ بمساحات واسعة من السودان نتيجة الاقتتال الجاري على نفوذه وتمدده عبر أفرعه القوية في غرب أفريقيا في نيجيريا والصحراء الكبرى وعلى فرعه في الساحل.

ومن المستبعد أن يفوت داعش والقاعدة فرصة ثمينة كهذه للتدخل في صراع من المفترض أن يحقق لهما مكاسب طائلة، خاصة وأن الاشتباكات الدامية بين أطراف المكون العسكري تنتشر في جميع أنحاء البلاد ووصلت إلى مناطق في شمال دارفور وغرباه وجنوبها.

وما نجح فيه تنظيم القاعدة خلال سنوات ماضية هو تجنيد مقاتلين سودانيين محترفين في مختلف فروعه الدولية، وهم من شاركوا في القبض على مفاصل التنظيم والتحكم في أجنحته المختلفة وهيكله القيادي. ويحاول تنظيم القاعدة الآن من خلال مقاتليه الدوليين اقتحام الفوضى واستغلال الأوضاع المنهارة واحتدام الصراع المسلح لتحقيق ما فشل قادة التنظيم مرارًا فيه، وهو تأسيس كيان قاعدي طويل الأمد في السودان.

ويخدم تنظيم القاعدة معادلات السودان المعكوسة، المتمثلة في وجود ضباط كبار من الإخوان على رأس الجيش، على استعداد لفعل أيّ شيء يمكّنهم من الاستمرار في الحكم، مقابل ما انطبع من صورة سلبية لدى العديد من الأطراف حيال قوات الدعم السريع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى