السودان.. غياب القرارات التنفيذية يهدد الاقتصاد القومي
الخرطوم – صقر الجديان
منذ قرابة شهرين، يعيش السودان حالة من الفراغ التنفيذي عقب القرارات التي أعلنها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، أواخر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وازدادت حدة احتجاجات شعبية، بعد إنشاء مجلس سيادة جديد في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وارتفعت وتيرتها بعد توقيع اتفاق سياسي بين البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك، في 21 من الشهر نفسه.
ويتضمن الاتفاق 14 بندا أبرزها: عودة حمدوك لرئاسة الحكومة، وتشكيل حكومة كفاءات (بلا انتماءات حزبية)، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وتعهد الطرفين بالعمل معًا لاستكمال المسار الديمقراطي.
وطوال هذه الفترة والبلاد تعيش حالة من الفراغ التنفيذي والارتباك في الحراك، والتداول اليومي بالوحدات الحكومية في ظل عدم القدرة على تشكيل حكومة جديدة لتصريف أعمال البلاد.
ووفقا لبنود الاتفاقية، تم تعيين ست وزراء تشمل وزارات المالية، والرعاية الاجتماعية، والنقل، والمعادن، والزراعة، والتنمية العمرانية من 27 وزارة تم إعلانها، فيما ظلت الأخرى شاغرة.
وأبقت إجراءات البرهان على وزراء المالية جبريل إبراهيم، والنقل مرغني موسى، والحكم الاتحادي بثينة دينار، والمعادن محمد بشير أبو نمو، والثروة الحيوانية والسمكية حافظ إبراهيم، والرعاية الاجتماعية أحمد آدم بخيت.
وطفت آثار هذا الفراغ على السطح وانعكست بصورة واضحة في غياب بعض الخدمات المقدمة للقطاع الاقتصادي في ظل غياب واضح للإجراءات والترتيبات المنظمة لعمليات الاستيراد والتصدير.
وأكد السر عبد الله، مدير شركة استيراد للدقيق، الأثر السلبي الكبير للفراغ التنفيذي على مجمل حركة الاقتصاد القومي قائلا “لا يمكن العمل في ظل غياب تنفيذي طويل كالذي يحدث هذه الأيام”.
وأضاف عبد الله في حيث مع الأناضول، أن “عمليات الاستيراد لا تخضع لضوابط طويلة المدى، وتتعرض للتغيير بصورة مستمرة مما يربك من عمليات الاستيراد”.
وكشف عن عدم مقدرته على الاستيراد منذ أكتوبر الماضي، بسبب غياب الرؤية الواضحة وعدم وجود وزير للتجارة، متوقعا أن يتأثر سوق الدقيق بسبب هذا الغياب.
في المقابل، أقر عضو اتحاد أصحاب العمل السابق (أهلي) الصادق حاج علي ، بالآثار السلبية المترتبة على قطاع الأعمال، والنشاط الاقتصادي نتيجة للفراغ في الجهاز التنفيذي حاليا.
وأشار إلى الارتباط الوثيق لمجمل النشاط الاقتصادي (تجاري، صناعي، خدمي، نقل، زراعي) بأجهزة الدولة التنفيذية بما يجعل الفراغ الحالي، المتمثل في عدم تعيين وزراء للوزارات المختلفة وعدم البت في تعيين مديرين للمصالح الحكومية، عبئا إضافيا على السوق المحلية.
وقال حاج علي: “هناك إشكاليات تتطلب تدخل الوزير أحيانا، إضافة إلى عدم القدرة على معالجات الكثير من المشاكل والتحديات الموجودة حاليا في قطاعات كالصادرات، والتي تتطلب تدخلا مباشرا على مستوى الوزراء”.
وأوضح أن “المصدرين تكبدوا خسائر فادحة خلال الشهور السابقة، وسط توقعات بحدوث المزيد من الخسائر لا سيما بعد إعلان بعض شركات الشحن الكبيرة، عدم قدرتها على استئناف عمليات شحن الصادر قبل فبراير (شباط) 2022”.
ويرى المحلل الاقتصادي علي الله عبد الرازق، أن “استمرار الفراغ التنفيذي الموجود الآن سيدفع اقتصاد البلاد إلى مشاكل وانهيار وشيك، وخسارة كافة المكتسبات الاقتصادية من سياسات إصلاح واتفاقيات مع مؤسسات تمويل دولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي”.
واعتبر عبد الرازق ، أن “غياب العمل التنفيذي المحكم مؤسساتيا، مقرونا مع فقدان رؤية اقتصادية وبرامج متكاملة للتعافي الاقتصادي، يضع القطاعات والمؤسسات الاقتصادية على المحك”.
وبيّن أن “الفراغ يؤدي إلى تبني قرارات أحادية مستعجلة وغير مدروسة، تنعكس آثارها على حياة المواطن المرهق (..) الاقتصاد بحاجة ماسة إلى معالجة أمرين، هما السيطرة على منابع التضخم المتنامية، وتحقيق استقرار نسبي في سعر الصرف”.
وسجل معدل التضخم في أكتوبر الماضي 350.84 بالمئة مقارنة بـ 365.82 بالمئة في سبتمبر/ أيلول السابق له.