السودان.. غياب قيادة موحدة للجماهير هل يؤخر تحقيق الهدف؟ (تحليل)
- مراقبون يرون أن حراك الشارع افتقد الفعل السياسي والقيادة السياسية، وذلك أخّر انتصار الحراك الثوري مع عدم توحد القوى المناهضة لسيطرة العسكر
الخرطوم – صقر الجديان
– مراقبون يرون أن حراك الشارع افتقد الفعل السياسي والقيادة السياسية، وذلك أخّر انتصار الحراك الثوري مع عدم توحد القوى المناهضة لسيطرة العسكر
– قيادي بالحرية والتغيير:وحدة قوى الثورة “ضرورة قصوى لتحقيق كامل الأهداف والشعارات وإسقاط الانقلابين وتحقيق العدالة ومحاكمة قتلة الشهداء”
– ناشط: “القضية ليست بوحدة قوى الثورة لأن حراك الشارع هو الذي سيصل بالثورة لنهايتها، وحينها سيفرز قيادة تتسلم السلطة أو تفاوض العسكر على التسليم”
تصاعد الجدل في السودان حول جدوى الاحتجاجات التي تشهدها البلاد في ظل غياب فعل سياسي يوازي حراك الشارع، عقب مظاهرات حاشدة شهدتها حوالي 20 مدينة في مظاهرات الماضي.
جاء ذلك على خلفية احتجاجات مستمرة لم تثن رئيس مجلس السيادة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان عن التراجع عن مساره الذي تبناه منذ 25 أكتوبر/ تشرين الأول عقب الإطاحة بالحكومة المدنية برئاسة عبد الله حمدوك وفض الشراكة مع القوى المشاركة في السلطة.
وخرجت جموع حاشدة في السودان بمناسبة ذكرى 6 أبريل/نيسان للمطالبة بحكم مدني الأربعاء الماضي، سقط خلالها قتيل وأصيب حوالي 78 ليرتفع عدد قتلى الاحتجاجات منذ 25 أكتوبر إلى 94 قتيلا ومئات المصابين، بحسب لجنة أطباء السودان المركزية (غير حكومية).
وتصاعد الحراك بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة مع تعدد الأزمات “اقتصاديا وأمنيا” التي تشهدها البلاد، وكذلك عدم حدوث أي تقدم في مبادرة حل الأزمة السياسية بين المدنيين والعسكر.
إلا أن الكثير من المراقبين يرون أن حراك الشارع طوال الفترة الماضية افتقد الفعل والقيادة السياسيين، وذلك أخّر من انتصار الحراك الثوري مع عدم توحد القوى المعارضة المناهضة لسيطرة العسكر على السلطة.
ويشهد السودان منذ 25 أكتوبر الماضي، احتجاجات ترفض إجراءات استثنائية اتخذها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، أبرزها فرض حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين.
ومقابل اتهامات له بتنفيذ انقلاب عسكري، قال البرهان إنه اتخذ هذه الإجراءات لـ”تصحيح مسار المرحلة الانتقالية”، وتعهد بتسليم السلطة إما عبر انتخابات أو توافق وطني.
** التقاط القفاز
وشهدت الفترة الأخيرة انسداد بالأفق بشأن حل الأزمة السياسية التي صارت معادلتها بين طرفين “السلطة الحاكمة الحالية المتمثلة في الجيش السوداني” و”الشارع” الذي يتحرك بازدياد مضطرد وتصعيد للمطالبة بالحكم المدني مع غياب لقيادة سياسية للحراك واعتمادها على تحشيد الجماهير من قبل “لجان المقاومة” و تجمع المهنيين والكتل المكونة له.
وحذر رئيس بعثة الأمم المتحدة فولكر بيرتس، الإثنين الماضي، من مصير البلاد، قائلا: “إذا لم يتم تصحيح المسار الحالي، ستتجه البلاد نحو وضع اقتصادي وأمني ومعاناة إنسانية حادة”.
وبادرت قوى إعلان الحرية والتغيير “الائتلاف الحاكم سابقا” إلى الدعوة لوحدة قوى الثورة لـ”إسقاط الانقلاب” بعد يوم من مظاهرات 6 أبريل.
ودعت في بيان الخميس: “كل القوى الثورية لتشكيل جبهة تنسيقية مدنية موحدة تتكون من أربع دوائر رئيسية، الحرية والتغيير والقوى السياسية المناهضة للانقلاب (أبرزها الحزب الشيوعي)، ولجان المقاومة (ناشطون يقودون حراك الشارع) وتجمع المهنيين السودانيين (نقابي مستقل) والمجتمع المدني.
وذكرت أن هذه الدوائر الرئيسية الأربعة تنشىء مركزا تنسيقيا موحدا يعمل في ثلاث جبهات “اتفاق سياسي” و”تنسيق ميداني” و”تنسيق إعلامي”.
وكشفت الحرية والتغيير أنها عقدت اجتماعات خلال الأيام الماضية مع معظم الكتل والقوى الثورية الفاعلة، مؤكدة على تكثيف الجهود والاتصالات للتنسيق لعقد اجتماع عاجل يجمع ممثلي الأطراف المعنية بوحدة قوى الثورة.
وأضافت: “يقيننا الكامل أن واجب الساعة والشرط الحاسم وكلمة السر لهزيمةِ الانقلاب هي وحدة قوى الثورة والتغيير في جبهةٍ مقاومة شعبية عريضة بقيادةٍ موحدة”.
إلا أنه لم يصدر بعد أي تعليق بشأن اقتراح “الجبهة الموحدة” الذي طرحته الحرية والتغيير، من القوى التي تقود الحراك “تجمع المهنيين” و”لجان المقاومة” والحزب البارز في الحراك (الشيوعي)، التي تتحدث عن “ميثاق وطني” لتحويل الفعل الثوري إلى سياسي.
وتطرح لجان المقاومة مقترح الميثاق الوطني تحت شعار “ميثاق تأسيس سلطة الشعب” ولم يصدر بعد في شكله النهائي، بمشاركة لجان المقاومة في كل أنحاء السودان وجميع الأجسام والكيانات المناهضة لقرارات 25 أكتوبر بغية تأسيس سلطة مدنية ديمقراطية.
وفي أكثر من مناسبة دعا البرهان القوى السياسية إلى التوافق الوطني للخروج بالبلاد من أزماتها، وقال في فبراير/شباط الماضي، إن “القوات المسلحة لن تسلم البلاد ومقدراتها إلا لحكومة تأتي في ظل توافق وطني أو انتخابات شفافة”، داعيا القوى السياسية إلى “التوافق الوطني للعبور بالبلاد إلى بر الأمان”.
** حراك الشارع سيصل لنهايته
الناشط في لجان المقاومة محمد عبد اللطيف، يرى أن “شرط الوحدة ليس ضروريا لهزيمة الانقلاب، وهو شرط دفع به العسكر في أكثر من مناسبة بأنهم سيسلمون السلطة للمدنيين في حالة حدوث توافق بين القوى السياسية”.
وأضاف في حديثه للأناضول: “القضية ليست في وحدة قوى الثورة لأن الحراك في الشارع هو الذي سيصل بالثورة لنهايتها، وحينها سيفرز الشارع قيادة جديدة تتسلم السلطة أو تتفاوض مع العسكر على التسليم”.
ويؤكد عبد اللطيف أن الدعوة للوحدة بين قوى الثورة التي ينادي بها من قبل بعض القوى السياسية هي لإحداث تسوية سياسية مع العسكر شبيهة بالوثيقة الدستورية 2019، وهي مرفوضة.
ومنذ 21 أغسطس/ آب 2019، يعيش السودان مرحلة انتقالية تستمر 53 شهرا وتنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، وفق الوثيقة الدستورية المبرمة آنذاك، ويُفترض أن يتقاسم السلطة خلال تلك المرحلة كل من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقعت مع الحكومة اتفاق سلام في 2020.
وأردف عبد اللطيف: “المهم هو وحدة الخطاب من جميع المشاركين في لجان المقاومة وتجمع مهنيين وأحزاب سياسية ضد الانقلاب، والاستمرار في العمل الجماهيري الذى يعطل الحياة، وبالتأكيد سيفضي في النهاية إلى تسليم العسكر السلطة للمدنيين”.
وتكونت “لجان المقاومة” في المدن والقرى عقب اندلاع احتجاجات 19 ديسمبر/ كانون الأول 2018، وكان لها الدور الأكبر في إدارة المظاهرات بالأحياء والمدن حتى عزلت قيادة الجيش الرئيس آنذاك عمر البشير، في 11 أبريل 2019.
** ضرورة قصوى
وبخلاف عبد اللطيف، رأى القيادي بالحرية والتغير محمد عبد الحكم، أن وحدة قوى الثورة “ضرورة قصوى لتحقيق كامل الأهداف والشعارات وإسقاط الانقلابين وتحقيق العدالة ومحاكمة قتلة الشهداء (ضحايا الاحتجاجات)”.
وفي حديثه للأناضول قال إن “أي تأخير إضافي في تحقيق وحدة قوى الثورة هو تشتيت للجهود، ويقدم خدمة مجانية للانقلابين بإطالة أمد الانقلاب الذي زج بقيادات الحرية والتغيير وعشرات العناصر القيادية للجان المقاومة في غياهب السجون”.
وشدد عبد الحكم أن “أي إبطاء في تحقيق وحدة قوى الثورة من شأنه إثارة حنق الكتلة الحرجة التي تزيد الثورة عنفوانا وشدة في المدن والأرياف، ويمدد أجل مناهضة السلطة الانقلابية ويسرع بعودة وتمكين عناصر النظام السابق (البشير) مرة أخرى”.
وأضاف: “نحن في قوى الحرية والتغيير نعتبر تلاقي الفاعلين الأساسيين على الأرض في تنسيق سياسي وميداني سيكون الضربة الفنية القاضية للانقلاب وأذياله من المدنيين، وبوابة رئيسية لاستعادة الانتقال المدني الديمقراطي وصولا لتحقيق العدالة والحرية والسلام”.