السودان يبدأ بتفكيك شبكات النفوذ التركي على أراضيه
الخرطوم – صقر الجديان
عادت قضية رجل الأعمال التركي، أوكتاي شعبان حسني، المقرب من الرئيس رجب طيب أردوغان، إلى الأضواء، بعد أن بدأت لجان محاربة الفساد وإزالة التمكين من زيادة نشاطها لتفكيك الشبكات المالية والاقتصادية للحركة الإسلامية وعلاقاتها المتشعبة مع تركيا وقطر وما تمثله من تهديد على السلطة الانتقالية.
وكشفت وسائل إعلام سودانية ، أن النيابة المختصة تتجه إلى استدعاء أوكتاي للتحقيق معه في مخالفات جديدة، بعد أن أخضعته لتحقيقات سابقة في يناير الماضي، وأفرجت عنه بضمانة مكّنته من الهروب إلى تركيا.
وقالت مصادر سودانية بحسب -صحيفة العرب- إن الحكومة يجب أن تثبت حدوث تغيير في توجهاتها حيال إزالة التمكين بعد تصاعد الانتقادات التي تتهمها بالتراخي في التعامل مع هذا الملف، والبطء في محاربة الفساد، ما يفضي للتوسع في مواجهة ترفع رصيد الحكومة بالشارع.
وتابعت المصادر ذاتها أن نجاح الحكومة في توظيف قضية أوكتاي سياسيا، يوحي بأن علاقة الخرطوم مع أنقرة سوف تشهد تغيرات ملموسة، وكذلك الحال بالنسبة إلى الدوحة، خاصة بعد توجيه وزير الإعلام السوداني فيصل محمد صالح انتقادات لقناة الجزيرة القطرية، بسبب عدم موضوعيّتها في تناول قضية فايروس كورونا في السودان، وإثارة البلبلة.
وبدأت جهات سودانية فتح العديد من ملفات الفساد التي تورّط فيها نظام الرئيس السابق عمر حسن البشير، تحت ضغوط قوى سودانية رأت أن هناك تراخيا في ذلك، فهمته الأحزاب السياسية واللوبي الاقتصادي التابع للبشير، على أنه إشارة إلى عدم المحاسبة.
وجاءت علاقة البشير مع تركيا لتمكّنها من السيطرة على كثير من مفاتيح الاقتصاد في البلاد، في مقدمة الملفات التي يتم تناولها حاليا، وهو ما يفتح بعض القضايا المسكوت عنها، حيث تورطت شخصيات رسمية في الحصول على عمولات والدخول في شراكات سرية.
وأشار متابعون إلى أن إعادة تناول ملف رجل الأعمال أوكتاي، بعد محاولات مضنية لإغلاقه، تكشف عن وجود حرب خفية بين جناحين في السلطة، أحدهما يريد تجاهله خوفا من أن يجرّ معه سلسلة طويلة من الملفات الشبيهة، وآخر يصمم على تناوله لأنه يمثل هدفا رئيسيا للثورة السودانية وعزل البشير، ويعزز مصداقية الحكومة في الشارع.
واتهم رئيس منظمة “زيرو فساد” نادر العبيد، في فبراير الماضي، جهات أمنية بالتدخل في قضية إطلاق سراح أوكتاي، مع أنه جرى تقديم المستندات التي تدين الرجل بالفساد.
وألقت السلطات السودانية في يناير الماضي القبض على رجل الأعمال التركي، أوكتاي شعبان حسني الذي يحمل الجنسية السودانية، والمقرب من أردوغان، بواسطة جهاز الإنتربول الدولي، بعد اتهامه بالثراء الحرام والمشبوه.
وتمكّن الرجل في صفقة واحدة، بحسب صحيفة “حرييت” التركية، من الاستيلاء على 70 مليون دولار، حيث قامت شركة يملكها بتنفيذ قرض ممنوح من البنك الإسلامي للتنمية قيمته 120 مليون دولار، لكنه قام بشراء أجهزة رخيصة.
وقال عضو قوى الحرية والتغيير، نورالدين صلاح الدين، إن استدعاء رجل الأعمال التركي لا ينفصل عن محاولة لجنة إزالة التمكين في مجال اتخاذ المزيد من الإجراءات التي تستهدف استعادة الثقة تجاه أدوارها، عقب الهجوم الذي واجهته الأيام الماضية وكان من الممكن أن يؤدي إلى استقالة جميع أعضائها.
وأضاف صلاح الدين أن اللجنة تقوم بمراجعة كافة ملفات المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والأفراد الذين لديهم ارتباطات بالنظام السابق، وثبت حصولهم على امتيازات دون وجه حق لاتخاذ حزمة جديدة من الإجراءات سيجري الإعلان عنها قريبا.
وشدّد على وجود حرص للالتزام بكافة إجراءات النزاهة والموضوعية ارتباطا بالصفة القانونية التي تمتلكها، وأنها تبني عملها على ثبوت التهم بحق المتورّطين فيها وليس مجرد الاشتباه، ولعل ذلك ما يجعل تحركاتها بطيئة في العديد من الملفات.
وكان أوكتاي استغل علاقته الوطيدة بحزب العدالة والتنمية الحاكم آنذاك لنسج شراكة اقتصادية مع عدد من قادة نظام البشير، واستحوذ على عقد لتوريد ملابس للجيش.
وحصلت شركته على حق تسويق 60 في المئة من القطن السوداني، وتسلّم مبالغ ضخمة لإنشاء “جسر الدباسين” وفشل في إنشائه وهرب بالأموال التي حصل عليها دون ضمانات رسمية.
وأشار الباحث التركي محمد عبيدالله إلى أن “هناك العديد من العوامل التي يوظفها نظام أردوغان في تنفيذ مشاريعه التوسعية في المنطقة، منها العنصر الأيديولوجي الذي يظهر في أشكال متعددة، منها المدارس التي تفتحها جمعية معارف”
وذكر عبدالله أن البعد الاقتصادي الذي يتمثل في الشركات ورجال الأعمال المحسوبين على أردوغان مباشرة يلعب دورا مهما في تعزيز العلاقات مع بعض الدول.
واعتبر أن “هؤلاء من أهم مموّلي طموحاته التوسعية في المنطقة، ويستغلون علاقات تركيا السياسية مع بعض الحكومات، وينفذون أجندة اقتصادية كجزء من مشروعات حزب العدالة التوسعية”.
وتحاول أنقرة منذ الإطاحة بالبشير الحفاظ على شعرة معاوية مع السلطة الانتقالية في السودان، كي تستمر المشروعات التي عقدتها مع النظام السابق، مستفيدة من تردّد الحكومة وزيادة الارتباك في الأوضاع العامة.