العلاقات السودانية التشادية: توترات تغذيها الارتباطات القبلية وغياب الثقة
الخرطوم – صقر الجديان
مع تجدد الاشتباكات والتوترات في دولة تشاد بين الجيش ومجموعات متمردة، وتحديداً في شمال البلاد، تجد العلاقات السودانية التشادية نفسها أمام اختبار جديد، قد ينهي ما بناه الطرفان من تقدم بينهما في السنوات السابقة. وتلقي الأحداث في تشاد بظلالها على العلاقات بين الدولتين نظراً لعوامل عدة، على رأسها التداخلات القبلية وغياب الثقة.
وطبقاً لتقارير إعلامية من منطقة تيبيستي المتاخمة لليبيا والنيجر بشمال تشاد، فإن متمردين من جماعة “مجلس القيادة العسكرية لإنقاذ الجمهورية” المعارض، قد هاجموا الجيش التشادي، السبت الماضي، وقتلوا 10 من عناصره وأسروا 8 آخرين. وهي الحصيلة التي أكدتها الجماعة التي كانت رفضت توقيع اتفاق سلام مع الحكومة، في بيان، لكنها قالت إن الجيش التشادي هو من هاجم قواتها في تيبيستي.
من جهته، قال المتحدث باسم الحكومة التشادية عبد الرحمن كلام الله، لوكالة “فرانس برس” يوم الأحد الماضي، إنه على الرغم من دخول نحو 20 عربة تابعة للجماعة المتمردة البلاد الأسبوع الماضي، إلا أنه لم يسجل حصول أي “مناوشات” مع القوات الحكومية. وقال “كنا نراقب هذه الأرتال بالطائرات وقد غادرت الأراضي التشادية قبل أيام”، واصفاً بيان الجماعة بأنه “أخبار كاذبة”.
للسودان وتشاد تاريخ طويل من العلاقات المضطربة
وتأتي هذه التطورات في سياق نشاط عسكري تحاول المجموعة المتمردة استئنافه، كرد فعل عملي يعبّر عن رفضها لاتفاق السلام الموقع في الدوحة بين الحكومة وجماعات أخرى متمردة، في الثامن من شهر أغسطس/آب الحالي.
إلى هنا، يبدو الأمر في ظاهره شأناً داخلياً تشادياً، لكن أصواتاً هناك ترى أن السودان ليس بعيداً عن ذلك الصراع في ظلّ الارتباطات العرقية والقبلية بين المتمردين في تشاد ومجموعات أخرى مسلحة داخل السودان.
كما يسود اعتقاد على نطاق واسع داخل تشاد، بأن ما يجري في شمال البلاد، ما هو إلا محاولة لتعطيل اتفاق الدوحة وتخريبه، وأن قوى إقليمية تقف وراء التوترات التي تتجاوز تشاد وتمتد على نطاق 4 دول هي السودان وتشاد وليبيا والنيجر.
ولا تبتعد فصول ما يحدث في تشاد، بحسب محللين، عن التنافس المحموم على النفوذ في غرب أفريقيا بين روسيا وفرنسا، وهو التنافس عينه على الموارد كالذهب وغيره.
توتر العلاقات السودانية التشادية
وسبق أن شهدت العلاقات السودانية التشادية توتراً في الخامس من الشهر الحالي، حينما أغارت مجموعة قبلية تشادية على منطقة “بير سربا” بولاية غرب دارفور، وقتلت 18 من الأهالي وسرقت المئات من الإبل، وهي الحادثة التي أثارت استياءً واسعاً داخل السودان.
وللسودان وتشاد تاريخ طويل من العلاقات المضطربة وتبادل دعم الجماعات المعارضة في كل بلد. لكن في العام 2010، توصّل البلدان إلى اتفاق صمد طويلاً، قضى بتكوين قوة مشتركة بموجب بروتوكول أمني عسكري، تضم آلاف الجنود من الطرفين والمئات من قوات الشرطة.
وعملت تلك القوات التي يتم تبادل قيادتها كل 6 أشهر، على حفظ الأمن على الحدود البالغ طولها 1350 كيلومتراً، ومراقبتها لمنع تسلل الجماعات المسلحة أو وصول السلاح إليها، فضلاً عن مكافحة عمليات تهريب المخدرات والاتجار بالبشر على الحدود. وقد نجحت تلك القوات نسبياً طوال السنوات الماضية في مهمتها، لكن مع تكرر الأحداث الأمنية في الفترة الأخيرة، بدأت تعلو مطالب لتغيير تركيبتها، ولا سيما من قبل جهات داخل السودان.
وفي ظل الضبابية التي تخيمّ على العلاقات السودانية التشادية هذه الأيام، تسعى الدبلوماسية في كلا البلدين لاحتواء تداعيات أي مشكلات. وفي أكثر من مناسبة، يذهب مبعوثون سودانيون إلى العاصمة أنجمينا. وبالعكس، يحضر مبعوثون تشاديون إلى الخرطوم، وآخرهم المبعوث أبكر آدم مناني الذي وصل إلى العاصمة السودانية نهاية الأسبوع الماضي، حاملاً رسالة من الرئيس التشادي محمد ديبي، لرئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، وقد سلمها له في القصر الرئاسي.
تسعى الدبلوماسية في كلا البلدين لاحتواء تداعيات أي مشكلات
ولم يتسرب من مضمون هذه الرسالة لوسائل الإعلام، سوى بعض العبارات التي تؤكد على أهمية العلاقات بين البلدين، وضرورة التنسيق وما إلى ذلك، في حين تظلّ هذه العلاقات تحت الاختبار، ومحكومة بالتقاطعات والظروف الإقليمية والدولية.
تأثير التطورات في تشاد على السودان
في السياق، رأى الخبير الاستراتيجي السوداني، أمين مجذوب، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “التطورات العسكرية في شمال تشاد والمستمرة منذ شهرين، تنطلق من محاور أمنية متعددة، وتأخذ بُعداً قبلياً. كما لها بُعد اقتصادي، فالمنطقة مكان النزاع، ظهر فيها الذهب ودخلت إليها مجموعات سودانية وليبية وموريتانية من أجل التنقيب”.
ولفت مجذوب إلى “تأثيرات العامل الدولي في تلك المنطقة، ولا سيما في إطار التنافس الروسي الفرنسي على الدول الأفريقية والموارد فيها، إذ تسعى روسيا لإبعاد فرنسا عن تلك المناطق، كما حدث في مالي أخيراً”. واعتبر أن “ما يجري ينعكس على السودان، وتحديداً على إقليم دارفور المتاخم للمنطقة، مشيراً أولاً للتأثيرات الأمنية، وهو ما ظهر في مناطق جبل مون وكرنيك والجنينة أخيراً، فضلاً عن التأثيرات الاجتماعية من خلال التداخل القبلي عبر قبائل الزغاوة والرزيقات والمساليت، المنتشرة في كلا البلدين ومعها قبيلة التبو في شمال تشاد الممتدة بين الأخيرة وليبيا والسودان. كما أن هناك آثارا اقتصادية مع دخول لاجئين تشاديين إلى دارفور في ظل موارد شحيحة في الإقليم”.
القوات السودانية التشادية المشكّلة منذ عام 2010، ليست لها القدرة الكافية على ضبط المليشيات
وقال مجذوب، إن “المطلوب من الحكومة السودانية الدخول كوسيط في تشاد، قبل أن تنتقل الأحداث كلياً إلى الحدود، خصوصاً أن تشاد تسعى لتصدير أزماتها الداخلية، من أجل الاستفادة من منطقتها الشمالية وإحداث استقرار يوفر لها 50 مليون دولار أسبوعياً من الذهب الموجود في المنطقة. وهذا أكثر ما تحتاجه في ظل أزماتها الاقتصادية”.
من جهته، قال الخبير العسكري عمر أرباب، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن “ما يحدث في تشاد من دون شك سيلقي بظلاله على السودان؛ سواء من خلال عمليات نزوح السكان أو تدفق السلاح الذي سينتج عنه اضطرابات أمنية”.
وأشار أرباب إلى “عدم توفر معلومات لديه حول دعم قبائل ومليشيات سودانية للمجموعات التشادية”، لكنه أكد أن “النزعات القبلية لدى المليشيات عالية، لأن تكوينها في الأصل يقوم على أسس قبلية، فهي ليست كالجيش النظامي، وتمكن ملاحظة ذلك في خلال نبرة الغضب التي تملكت نائب رئيس مجلس السيادة، محمد حمدان دقلو، حينما تم اغتيال عدد من أبناء قبيلته على أيدي تشاديين قبل فترة”.
وأشار أرباب إلى أن “القوات السودانية التشادية المشكّلة منذ عام 2010، ليست لها القدرة الكافية على ضبط هذه المليشيات، ولا السيطرة على تحركاتها، وهذه الاضطرابات كلها ناتجة عن غياب الدولة ما سمح بتمدد المليشيات”.
بدوره، وصف الصحافي المختص بالعلاقات السودانية التشادية، علاء الدين بابكر، في حديث مع “العربي الجديد”، “المرحلة الحالية من العلاقات بين الخرطوم وأنجمينا، بأنها مرحلة الشكوك بامتياز، خصوصاً من جانب تشاد التي تشعر الآن برغبة سودانية في تغيير النظام في أنجمينا، وتدرك تماماً الحقيقة التاريخية، بأن كل الأنظمة التشادية لم تسقط إلا بعد دعم السودان وانطلاق حركة التغيير من داخل أراضيه”.
وأوضح بابكر أن “الشكوك التشادية تعززت عقب انضمام مجموعات قبلية متداخلة في كلا البلدين، لقوات الدعم السريع، إذ رأت أطراف في أنجمينا أن ذلك الانضمام هو بمثابة تجهيز لهذه المجموعات وتدريبها لتقوم بمهمة إسقاط نظام ديبي الابن”. وشدد على “أهمية تقديم كل التطمينات اللازمة للجانب التشادي في هذا الإطار، وتخفيف حدة التوتر بين القبائل. وفي المقابل، على تشاد تقديم تطمينات للسودان بعدم التدخل في شؤونه الداخلية”.
إقرأ المزيد