أخبار السياسة المحلية

القوى المدنية في السودان تقطع شوطا مهما في مسار تشكيل جبهة عريضة

أديس أبابا – صقر الجديان

خطت القوى المدنية في السودان خطوة مهمة في مسار تشكيل جبهة عريضة تضم مختلف الفعاليات النقابية والحقوقية والأهلية لرفع الصوت عاليا لوقف الحرب الجارية منذ أكثر من ستة أشهر، واستعادة المسار الديمقراطي.

وتحظى الجهود الجارية لتشكيل جبهة واسعة بدعم دولي وإقليمي لافت، وهي جهود تندرج ضمن أحد المسارات التي تم تفعيلها من أجل إنهاء الصراع وتحقيق التسوية السياسية.

واختتمت اللجنة الخاصة بالتحضير لإعلان وحدة القوى المدنية أشغالها الخميس في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا بالاتفاق على تشكيل الهيئة القيادية برئاسة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك لمتابعة التحضير لعقد مؤتمر تأسيسي في غضون شهرين.

وتزامن الاتفاق مع استئناف المفاوضات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مدينة جدة برعاية الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية.

وبدأت اجتماعات اللجنة التحضرية الاثنين الماضي وسط حرص أبدته مختلف القوى المشاركة لتقديم التنازلات اللازمة لوحدة القوى المدنية.

منح 70 في المئة من الهيئة القيادية للقوى غير الحزبية من لجان المقاومة والنقابات ومنظمات المجتمع المدني

وستتولى الهيئة القيادية التي تم الإعلان عنها، والتي تضم ستين عضوا، المهام الرقابية والإشرافية ومتابعة التحضير للمؤتمر التأسيسي للجبهة.

وأكد حمدوك في تصريح صحفي دعمه لتوصيات الاجتماع التحضيري وبيانه الختامي كخطوة أولى واستعداده لرئاسة الهيئة القيادية التحضيرية وصولاً إلى المؤتمر التأسيسي.

وأضاف رئيس الوزراء السابق أن “الاجتماع التحضيري كان خطوة أولى وبداية لعملية نأمل أن تنسق وتوحد الموقف المدني الديمقراطي المناهض للحرب”، داعيا القوى المدنية الديمقراطية التي تسعى لوقف الحرب لتوحيد جهود الوصول إلى وحدة مدنية عريضة لوقف الحرب ومعالجة آثارها الإنسانية وتحقيق السلام الشامل.

ولعب حمدوك دورا رئيسيا في الجهود الجارية منذ سبتمبر الماضي لتشكيل جبهة مدنية واسعة، وقد حرص على التواصل مع مختلف القوى السياسية والنقابية واللجان الأهلية، فضلا عن الحركات المسلحة، مستفيدا في ذلك من العلاقات الجيدة التي تربطه بهم، فضلا عن الثقة التي يحظى بها من قبل المجتمع الدولي.

ورحبت دول الترويكا (النرويج والمملكة المتحدة والولايات المتحدة) في بيان الخميس بالاتفاقات التي تم التوصل إليها في أديس أبابا، باعتبارها “خطوة مهمة باتجاه تشكيل جبهة مدنية مؤيدة للديمقراطية تتسم بالشمول، وتمثل القوى المختلفة”.

وقال البيان الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية نيابة عن الدول الثلاث إن الاجتماعات التي عقدت في إثيوبيا تعبر عن “التزام الشعب السوداني ببناء مستقبل ديمقراطي”، وحضت على البحث عن “نقاط التقاء وتشكيل إجماع وطني”.

وأوضحت دول الترويكا أنه “في خضم الصراع النشط، تمكنت مجموعة متنوعة من القوى المدنية السودانية، سواء من داخل السودان أو خارجه، بمن فيها ممثلون عن مجموعات ومناطق تعاني التهميش على مدى تاريخها ولجان المقاومة والنقابات العمالية والروابط المهنية وجماعات المجتمع المدني والأحزاب السياسية والمبادرات الجديدة والشخصيات الوطنية المستقلة، من الالتقاء معاً في هذا الاجتماع الأوّلي المهم”.

وأشار بيان الترويكا إلى أن هذا الاجتماع “جاء مشجعا لجهود دول الترويكا” لأنه تمخض عن “التزام جماعي بعقد اجتماع أكبر” سيشهد “تمثيلا أكثر تنوعا لجميع القوى والأحزاب والمجتمعات” في غضون الأشهر المقبلة.

وحض البيان القوى المدنية في السودان على “التماس نقاط التلاقي، وتشكيل جبهة مدنية قوية موالية للديمقراطية يمكنها بدء عملية معالجة المشكلات الانتقالية وقضايا الحكم، والتوصل إلى إجماع وطني للضغط على الأطراف المتحاربة لوقف القتال وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها”.

وشدد البيان على أن تشكيل حكومة مدنية انتقالية بعد الصراع يمثل “أمرا بالغ الأهمية” من أجل “استئناف تقدم السودان على طريق الديمقراطية”، مشيرا إلى أن هذا يتطلب “مشاركة موسعة” من السودانيين من جميع الانتماءات ومن جميع أجزاء البلاد.

وجدد البيان على أن دول الترويكا “تدين استمرار العنف والخسائر المأساوية في الأرواح في جميع أنحاء السودان”، مؤكداً أن السودان “سيظل في حاجة إلى الدعم والاهتمام الدوليين”.

وتم الاتفاق في الاجتماعات التي جرت في أديس أبابا على منح 70 في المئة من الهيئة القيادية للقوى غير الحزبية من لجان المقاومة والنقابات والأجسام المهنية وتنظيمات ومبادرات المجتمع المدني والتنظيمات النسوية، بينما تم منح التنظيمات والتحالفات السياسية وحركات الكفاح المسلح 30 في المئة.

كما اتفق المشاركون على تشكيل مكتب تنفيذي تنسيقي مكون من ثلاثين عضوا، يمثلون ذات نسب الفئات المكونة للهيئة القيادية لـ”قدم”.

وقال البيان الختامي إن مهام المكتب التنفيذي تتمثل في القيام بالأعباء العاجلة والتحضير للمؤتمر التأسيسي لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية بما في ذلك تكوين لجنة تحضيرية وسكرتارية فنية للمؤتمر المقرر انعقاده خلال ثمانية أسابيع.

وأضاف البيان أن المؤتمر التأسيسي المنبثق عن الهيئة القيادية المؤقتة سيكون المشاركون فيه قرابة 1000 مشارك مع تخصيص نسبة 30 في المئة كحد أدنى للنساء.

وأشاد البيان بفئة المهنيين والنقابات التي شكلت النساء نسبة 45 في المئة من ممثليها في الهيئة القيادية التحضيرية.

وأشار إلى توافق المشاركين للإيفاء بالمهام الضاغطة بسبب الحرب وإفرازاتها وعلى رأسها الإغاثة الانسانية العاجلة لضحايا الحرب، تاركين الباب مشرعاً لمشاركة كل من يرغب من قوى ثورة ديسمبر ودعاة السلام المناهضين للحرب في التحضير للمؤتمر المزمع القيام به.

كما تقرر تنظيم ورش عمل تخصصية لتقديم توصيات مفصلة في قضايا تطوير الموقف التفاوضي للقوى المدنية والإصلاح الأمني والعسكري والعدالة الانتقالية وإعادة البناء المؤسسي لأجهزة الدولة (الخدمة المدنية والأجهزة العدلية)، إلى جانب السلام ومحاربة خطاب الكراهية وصياغة الدستور الدائم والبرنامج الاقتصادي لإعادة البناء والإعمار وقضايا الولايات والحكم المحلي.

وقرر الاجتماع التحضيري في المحور السياسي تحويل ورقة “الموجهات العامة للعملية التفاوضية لوقف الحرب وإعادة تأسيس الدولة السودانية” للهيئة القيادية المؤقتة لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” لاعتمادها كمسودّة موقف تفاوضي للقوى الديمقراطية المدنية.

حمدوك يؤكد دعمه لتوصيات الاجتماع التحضيري وبيانه الختامي كخطوة أولى واستعداده لرئاسة الهيئة القيادية التحضيرية وصولاً إلى المؤتمر التأسيسي

كما أجاز ورقة “أسس ومبادئ إنهاء الحرب وتأسيس الدولة السودانية” وأهم نصوصها أن التصورات للحلول السياسية يجب أن تحافظ على وحدة السودان وسيادته على كامل أراضيه وتضمن قيام دولة مدنية ديمقراطية مستقلة ذات سيادة.

ويأمل السودانيون في أن تتمكن الجبهة المدنية من التأثير على مجريات الأوضاع في السودان والضغط على طرفي الصراع من أجل وقف الحرب، التي راح ضحيتها الآلاف من المدنيين فيما هاجر الملايين من الناس.

ويقول مراقبون إن خطوة القوى المدنية بإعادة ترتيب صفوفها مهمة جدا في سياق جهود لإنهاء الحرب، معتبرين أنها ليست بمنفصلة عن منبر جدة بل هي تصب في سياق التهيئة لوضع حد للنزاع وتهيئة القوى المدنية لاستلام زمام الأمور.

ويستدرك المراقبون بالقول إن ذلك لا يخلو من تحديات جسام، من بينها وجود أطراف في الداخل تعمل على الحيلولة دون تشكيل جبهة مدنية قوية، وهي لا تتوانى عن زرع بذور الشك والانقسام بين الأطراف المعنية، ولا ينحصر الأمر فقط في الإسلاميين بل وأيضا يمسّ بعض الحركات المسلحة والأحزاب السياسية.

ويلفت المراقبون إلى أن التحدي الأكبر يبقى في موقف القيادة الحالية للجيش التي لا تزال تصر على سياسة الهروب إلى الأمام، رغم أن الواقع الميداني كما السياسي لا يصب في صالحها.

وعاد الجيش إلى منبر جدة، لكنه لا يزال يتبنى نفس الخطاب التصعيدي الأمر الذي يثير قلقا بشأن مسعاه لإدامة الصراع، لاسيما وأن الأمور تنسحب إلى غير ما تشتهي قيادته وفلول النظام السابق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى