بينها “اكسر الحنك”.. “ظاهرة غريبة” تنتشر بين شباب السودان
الخرطوم – صقر الجديان
انتشرت خلال العقدين الماضيين العديد من المفردات الجديدة في لغة التواصل اليومي بين الشباب السودانيين، مما أثار تساؤلات مهمة حول مدى تأثير اللغة الشبابية الجديدة على العامية السودانية العريقة.
وعلى الرغم من أن العامية السودانية ظلت منذ أكثر من 1500 عام تشكل لغة التواصل المشتركة بين جميع السودانيين بمختلف لهجاتهم وأصولهم العرقية، إلا أن نحو 80 بالمئة من الشباب يستخدمون حاليا مفردات بعيدة تماما عن العامية المعروفة للدرجة التي لا يستطيع الكثير من المنتمين لأجيال الستينيات والسبعينيات فهمها.
وفي حين لا تبتعد تلك المفردات عن الكلمات العربية الأصيلة، إلا أن فهمها يصبح صعبا جدا عند تركيبها في جملة مفيدة يفهمها الشباب وحدهم، فمثلا عندما يريد أحدهم أن يستأذن الآخر بالذهاب يقول له “أنا مشتت” وهي تعادل في العامية السودانية “أنا ماشي”؛ أو أراد أن يطلب منه تجاهل الأمر يقول له “اكسر الحنك” وهي تعادل في العامية “خليك من الكلام ده”…وهكذا.
وتقر أستاذة اللغويات في جامعة الخرطوم عبير محمد علي بشير بانتشار هذه المفردات الجديدة بشكل متسارع لكنها تقول لموقع “سكاي نيوز عربية” إن اللغات واللهجات غالبا ما تتأثر بالمتغيرات والتطورات الحياتية غير أنها تحافظ على قوالبها الأصلية.
وتشير علي إلى أن لكل جيل طريقة تواصله لكن تلك الطريقة تتغير بمجرد دخول ذلك الجيل في الفئة العمرية المتقدمة حيث يعود للتخاطب مع الآخرين باللغة او اللهجة الأصلية وهو ما يفسر سبب محافظة العامية السودانية على مفرداتها العريقة لمئات السنين.
وتؤكد علي أن من الأسباب المهمة لاستمرارية العامية السودانية ان الكثير من جذورها تعود إلى لغات أصيلة كالنوبية والبيجاوية.
وإضافة إلى مفردات التواصل الجديدة، يستخدم العديد من الشباب ما يعرف محليا بلغة “الراندوك” وهي تتكون من كلمات مقلوبة تماما فمثلا عندما يريد أحدهم أن يقول لك يا صاحبي فيناديك بدلا عن ذلك ينادي يا “بصحي” …وهكذا.
وأصبحت هذه اللغة كسابقتها أيضا تحتل مساحة واسعة في مجال التواصل الشبابي حتى انعكست في مجال الموسيقى والغناء.
وفي هذا السياق؛ يوضح مغني الراب الشاب مصطفي عبد السلام؛ الذي يستخدم الكثير من عبارات الراندوك في غنائه؛ أن الشباب يلجاون للتعامل بلغة الرندوك كأسلوب للتشفير أو الترميز بينهم باعتبارهم فئة لديها اهتمامات خاصة مختلفة عن الفئات العمرية الأخرى.
ويقول مصطفى لموقع “سكاي نيوز عربية” إن مفردات الشباب الجديدة هي تعبير للرفض والتمرد على القيود المجتمعية التي تتمثل في اللغة الرصينة والمنمقة.
وتشير إجلال آدم الناشطة في القضايا المجتمعية إلى ان تعامل الشباب بالمفردات الجديدة هو تعبير عن حاجتهم إلى الخصوصية سواء كان داخل المنزل أو خارجه.
وتقول آدم لموقع “سكاي نيوز عربية” إن من الضروري أن يتعامل المجتمع مع هذه الظواهر الجديدة كجزء من الاحتياجات العمرية والتطورات الحياتية المتسارعة التي تجعل الشباب يبتكرون ما يمكن أن يحقق خصوصيتهم في التواصل فيما بينهم.
ويلخص الأمين أبو منقة مدير معهد الدراسات الإفريقية والآسيوية بجامعة الخرطوم سابقاً وأستاذ اللسانيات واللغات التطورات الجديدة في لغة التواصل الشبابي بالقول بإن من الطبيعي أن تنشأ في أي مجتمع لغات جديدة متفرعة من لغة قائمة سلفا.
ويوضح أبو منقة لموقع “سكاي نيوز عربية” أن في الغالب تتفرع لهجات من تلك اللغات وبالتالي تتحدث بها فئات تعيش في بيئات لغوية واجتماعية متباعدة.
ويشير أبو منقة إلى أن كل لهجة تتأثر بالبيئة اللغوية الاجتماعية التي توجد فيها ومن ثم تأخذ الفاظا جديدة من اللغات الاخرى؛ وبمرور الزمن ينعدم التفاهم المتبادل مع اللغات الأم حتى تصبح اللغة أو اللهجة الناشئة لغة جديدة قائمة بذاتها؛ لكنها قد تكون عرضة للاندثار أو التلاشي كما حدث لبعض اللغات السودانية القديمة.