تهدد الزراعة والصناعة السودانية.. تفادي خسائر “الانقلاب” بزيادة تعرفة الكهرباء
الخرطوم – صقر الجديان
تقاوم وزارة المالية في السودان رفضا شعبيا واسعا لزيادة أسعار الكهرباء التي نفذتها منذ الأول من يناير، ويغلق مزارعون غاضبون طريقا حيويا يربط السودان ومصر شمالي البلاد احتجاجا على التعرفة الجديدة التي تهدد بإنهيار المشاريع الزراعية.
ونفذت الحكومة التي تديرها وزارة المالية في القطاع الاقتصادي بعد الإجراءات التي اتخذها قائد الجيش في 25 أكتوبر بالإطاحة بالحكومة المدنية زيادة وصلت إلى 600%. وبرر وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم زيادة أسعار الكهرباء بعدم تأثيرها على الفقراء موضحا أن شبكة الإمداد لا تغطي 60% من مساحة البلاد.
تأثر العمال
لكن الزيادات التي طالت الكهرباء بشكل جنوني كما يصفه عمال ورش الحدادة ورجال الأعمال في المصانع ومكاتب الخدمات التجارية في العاصمة السودانية في طريقها لرفع أسعار المعيشة والخدمات.
ويؤكد أحمد وهو عامل ورشة صغيرة في سوق شعبي جنوبي العاصمة أنه اشترى 1700 كيلو وات بقيمة 51 ألف جنيه بينما كان يشتريه سابقا بسعر 11 ألف جنيه.
وأضاف: “سأضطر لزيادة أسعار الأعمال التي انفذها حتى أغطي نفقات الكهرباء إذا كنت أبيع مقعدا من الحديد بسعر 10 آلاف جنيه سيباع بسعر 15 ألف جنيه ما يعادل (30دولارا أمريكيا) نظرا لزيادة الكهرباء وزيادة المواد التي تتأثر بهذا القرار ايضا”.
وتسعى وزارة المالية إلى تغطية عجز بلغ نسبة 40% في موازنة العام 2022 من خلال زيادة تعرفة الكهرباء بنسبة 600% للمرة الثانية على التوالي في العامين الأخيرين.
وكانت وزارة المالية ألقت بالمسؤولية على وزارة الطاقة في إجراء تعديلات على أسعار الكهرباء مطلع العام الحالي في محاولة للرد على الانتقادات المتصاعدة بشأن التعرفة الجديدة لكن “الطاقة” هي الأخرى نفت مسؤوليتها عن الإجراءات الجديدة لأسعار الكهرباء.
إعدام الصناعة
ويبين مسؤول العلاقات الخارجية باتحاد أصحاب العمل “المحلول” أسامة الطيب – مجموعة نقابات لرجال الأعمال والمصانع والشركات – في حديث نقله موقع (عاين)، أن زيادة الكهرباء ستنعكس بقوة على المصانع المحلية خاصة وأن اغلبها تنتج الأغذية. وقال إن العديد من المصانع والشركات رفعت أسعار البيع بالتزامن مع زيادة أسعار الكهرباء.
اتحاد اصحاب العمل: السودان خسر أربعة مليار دولار هذا العام كانت عبارة تعهدات مالية من دول وصناديق اقتصادية دولية أوقفتها بعد انقلاب 25 أكتوبر
ويقول الطيب إن : “زيادات الكهرباء صدرت من جهات مجهولة داخل السلطة الحاكمة بعد انقلاب 25 أكتوبر وهي غير قانونية لأنها لم تمرر عبر المؤسسات الانتقالية المحلولة إضافة إلى ذلك فإن الموازنة المالية لم تصدر ولم تجاز”.
ويضيف الطيب : “لجأت السلطة الحاكمة إلى زيادة الكهرباء لأن السودان خسر أربعة مليار دولار هذا العام كانت عبارة تعهدات مالية من دول وصناديق اقتصادية دولية أوقفتها بعد انقلاب 25 أكتوبر”.
وينوه الطيب إلى ان السلطة الحاكمة وضعت قدرا كبيرا من تغطية العجز في موازنة هذا العام والذي يبلغ ملياري دولار على تعرفة الكهرباء لتمويل النفقات السيادية على حساب تدمير الصناعة المحلية”.
ومع ارتفاع الكهرباء منذ مطلع العام الحالي رفعت مصانع محلية أسعار منتجاتها بنسبة 30% إلى 50% لبعض المنتجات كما أبلغت مراكز التوزيع أنها بصدد تنفيذ زيادات جديدة الشهر القادم مع توقعات بتمرير موازنة تحتوي على ضرائب عالية على القطاع الصناعي والخدمي والزراعي.
ارتفاع الأغذية
وأبلغ مسؤول نافذة توزيع بمصنع محلي لصناعة زيوت الطعام بالعاصمة السودانية (عاين) أن قنينة تحتوي على لترين من زيت الطعام كان يباع بسعر 4.3 آلاف جنيه زاد سعره إلى 5 آلاف جنيه لملاحقة الآثار المترتبة على زيادة الكهرباء.
يرى هذا الموظف مشترطا عدم ذكر اسمه أن : “تعرفة المصانع تجارية وتشتري واحد كيلو وات بقيمة ثمانية جنيهات ويحتاج المصنع إلى 500 ألف جنيه شهريا لتغطية نفقات الكهرباء”.
وتابع: “الاستثمارات المحلية العاملة في الصناعة مهددة بالإغلاق مع منافسة عالية لسلع مستوردة تتدفق يوميا عبر الحدود إلى البلاد وهي أقل سعرا من المنتج المحلي”.
الزراعة تتأثر
ومنذ ثلاثة أيام يغلق مزارعون طريقا يربط بين السودان ومصر في مدينة الدبة شمالي البلاد احتجاجا على أسعار الكهرباء التي رفعت تكلفة ري الفدان من خمسة آلاف جنيه إلى 24 ألف جنيها.
مزارع: زراعة القمح التي تغطي 30% من الاستهلاك المحلي ستنهار بسبب زيادات الكهرباء
وذكر معاوية حسن أحد قادة احتجاجات المزارعين شمالي البلاد في حديث لـ(عاين)، أن الوضع المقابل لزيادة الكهرباء التوقف عن الزراعة في الولاية الشمالية لأنها تنعكس بشكل كبير على نظام ري المساحات الزراعية وترفع تكلفة العمليات الزراعية الكلية في الموسم إلى 200 ألف جنيه لفواتير الكهرباء فقط.
وأضاف: “تساهم زراعة القمح بـ 30% من الاستهلاك المحلي في البلاد وإذا اضطر المزارعون إلى هجرة الزراعة فإن البديل هو ارتفاع الاستهلاك المستورد وتحول ملايين السكان إلى فقدان سبل كسب العيش والنزوح إلى المدن”.
ارتفاع التضخم
وجراء الزيادات في أسعار الكهرباء في السودان فإن التوقعات الاقتصادية تشير الى ارتفاع نسبة التضخم إلى فوق الـ 400% متراجعا عن مكاسبه التي حققها الشهور الماضية بالانخفاض إلى 380%.
كما أن الزيادات بحسب المحللين الاقتصاديين تساهم في هجرة الصناعات الصغيرة وتجفيف الأعمال في قطاع الخدمات التي يعتمد عليها ملايين الأشخاص في كسب المال.
محلل اقتصادي: الحكومة لجأت لزيادة اسعار الكهرباء لتغطية نفقاتها بعد الانقلاب
ويقول المحلل الاقتصادي أحمد عبد الرحمن لـ(عاين)، أن زيادة الكهرباء إجراءات أحادية اتخذتها وزارة المالية لإنقاذ البنود المالية وتمويل النفقات الحكومية اليومية خاصة مع تزايد وطأة الاحتجاجات الشعبية والاعتمادات الامنية لمقابلتها.
وذكر عبد الرحمن أن مجلس السيادة الانتقالي دخل على خط الأزمة بعد إغلاق المزارعين الطريق الرابط بين السودان ومصر شمال البلاد لكنه لن يستطيع إجبار وزارة المالية على مراجعة أسعار الكهرباء لأن الزيادات بنيت لتمويل النفقات اليومية للحكومة مع شلل يحاصر البلاد في ظل قطيعة دولية وتوقف الدعم الخارجي.
لايزال الدعم ساريا
ويوضح مسؤول حكومي بوزارة الطاقة في تصريح لـ(عاين)، ان السودان ينتج واحد كيلو وات بسعر 95 جنيها ويباع للمستهلك بقيمة 1.5 جنيه ورغم الزيادات التي طبقت خمسة أضعاف في العام 2021 وستة أضعاف في العام 2022 إلا أن الكيلو وات لا يزال يباع بسعر 6 جنيهات ما يعني أن الحكومة السودانية تتحمل 89 جنيها لدعم الطاقة وضمان استمرار الإمداد.
وتابع المسؤول الذي اشترط حجب اسمه لأنه غير مخول بالحديث إلى وسائل الإعلام : “رغم الزيادات التي طبقت هذا العام إلا أن ازمة قطاع الكهرباء لا تزال قائمة و استمرار برمجة القطوعات دليل على ذلك لأن الحكومة تستورد وقود الفيرنس والديزل بـ 10 مليون دولار شهريا لتشغيل محطات الكهرباء في البلاد”.
وتنتج محطات التوليد الحراري “وقود الديزل والفيرنس” والتوليد المائي “السدود المائية” 2.800 ألف ميغاواط/ساعة بينما يحتاج الاستهلاك العام 3.500ألف اي أن متوسط العجز ألف ميغاواط/ساعة.
ويؤدي العجز في الطاقة إلى برمجة قطوعات يومية في القطاعات السكنية والصناعية والزراعية تستمر لأربعة ساعات في الفترات الصباحية وثلاثة ساعات في المساء بينما تتسع نطاق ساعات العجز في الصيف وتستمر القطوعات اليومية نحو عشرة ساعات.