أخبار السياسة المحلية

جيوش السودان صداع في رأس مجلس السيادة والقوى المدنية

الجيوش المنتشرة في بقاع مختلفة من السودان قابلة لأن تتحول إلى قنبلة تنفجر في أي لحظة في ظل حالة الجمود الحالية التي تخدم قادتها.

الخرطوم – صقر الجديان

تحول اتفاق جوبا للسلام الموقع بين الجبهة الثورية التي تضم ثماني حركات وتنظيمات سياسية والسلطة الانتقالية في السودان إلى شوكة معرقلة للتحول المدني الديمقراطي في البلاد، بعد أن سمح للحركات بالدخول في إطار العملية السياسية ودعم انتقالها من وضعية الميليشيات إلى دمجها في القوات النظامية ليصبح الجيش السوداني مجموعة من الجيوش المتنافرة.

وبات للسودان جيوش تنتشر في بقاع مختلفة وقابلة لأن تتحول إلى قنبلة تنفجر في أي لحظة وسط مشكلات طرأت على تمويلها وانسداد سياسي يقوض مساعي تنفيذ ملف الترتيبات الأمنية الذي يقضي بدمجها في جيش وطني واحد.

ودعا ممثل الأمين العام للأمم المتحدة رئيس البعثة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية بالسودان «يوناميتس» فولكر بيرتس إلى تنفيذ اتفاق السلام بالكامل، بما في ذلك الانتهاء من ملف الترتيبات الأمنية والنشر السريع للقوة المشتركة لحفظ الأمن.

وقادت اتفاقية جوبا إلى وضعية معيبة لجيوش الحركات التي دخلت الأقاليم السودانية المختلفة بما فيها الخرطوم وتتواجد فيها الآن وتشكل بمثابة ظهير عسكري لقادة الحركات الممثلة في مجلس السيادة وتتواجد في مستويات متباينة للسلطة.

 

نبيل عبدالله: مكونات القوة من جانب القوات الحكومية تشكلت وهي جاهزة منذ أمد بعيد

وهناك قناعة سياسية بأن حالة الجمود الحالية تخدم قادتها الذين يدركون بأن دمجها في قوات الجيش يُفقدها أحد أبرز مظاهر قوتها ولن يكون لديها أذرع قوية تحافظ بها على مكتسباتها مع تراجع شعبيتها في الهامش والمركز بصورة كبيرة.

ووقع على اتفاق جوبا للسلام عدد من الحركات التي لديها جيوش في الهامش وهي «العدل والمساواة» و»حركة تحرير السودان – جناح مني أركو مناوي»، و»حركة تحرير السودان المجلس الانتقالي» وهي حركات من إقليم دارفور، إلى جانب «الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال – جناح مالك عقار»، إلى جانب فصائل سياسية أخرى ممثلة عن الوسط والشمال والشرق، بينما تخلفت عن الاتفاق حركتا عبدالواحد محمد نور والحركة الشعبية جناح عبدالعزيز الحلو.

وبات الاتفاق يشكل صداعاً في رأس بعض قادة المؤسسة العسكرية الذين يخشون من انفراط عقد البلاد التي تعاني أوضاعاً اقتصادية صعبة مع عدم قدرة الحكومة على الوفاء بتعهداتها المالية التي جاءت في الاتفاق وقضت بتوفير التمويل اللازم لتجهيز دمج الميليشيات في القوات المشتركة وتحفيزها على الدمج والتسريح.

وتشكل في الوقت ذاته أزمة بالنسبة إلى القوى المدنية التي وجدت نفسها أمام أمر واقع تتواجد فيه الحركات التي تملك السلاح على رأس السلطة، وبدلاً من كونها تواجه جيشا واحدا عليها إزاحة مجموعة من الجيوش.

وقال عضو هيئة محاميي دارفور نصرالدين يوسف إن الحركات المسلحة تستخدم جيوشها كورقة ضغط تضمن بها الاستمرار في السلطة، وتُشهرها في وجه القوى المدنية التي تطالب بإنهاء الانقلاب الذي كانت جزءاً منه والتأكيد على أن موازين القوى العسكرية على الأرض ما زالت في صالحها في وجه متظاهرين عزل.

وأضاف في تصريح لـ»العرب» أن أحد أسباب تمسك الحركات بجيوشها يرجع إلى أنها تعاني ضعفاً داخليًا ولم تعد لديها الشعبية التي اكتسبتها بمقاومتها سلطة النظام السابق، وأضحت تصرفاتها تنبع من رغبتها في المساومة على مقاعد السلطة والمزايا الاقتصادية الأخرى، وبحاجة إلى سند عسكري يدعمها.

◙ اتفاق يشكل صداعا للجيش مع عدم قدرة الحكومة على الوفاء بتعهداتها في توفير التمويل لدمج الميليشيات

ويجعل عدم القبول الجماهيري لاتفاقية جوبا على الأرض وتنفيذ ملف توزيع السلطة دون غيره من الملفات التي قادتها إلى مأزق، فهم غير قادرين على التواصل الجماهير في دارفور، والبعض منهم لا يستطيع أن تطأ قدماه الإقليم منذ التوقيع عليه، كما أن حاكم الإقليم مني أركو مناوي والذي جرى تعيينه من رحم الاتفاق لم يستطع وقف الانفلات الأمني والقبلي أو يحقق مكتسبات جديدة لأبناء الإقليم.

وأشار يوسف إلى أن التباطؤ الملحوظ في عملية دمج الجيوش يرجع إلى المؤسسة العسكرية التي لديها تباينات داخلية بشأن ضم جيوش الميليشيات من عدمه، وهناك تيار يسعى لتوظيفها لاستمرار وضعية الانقلاب الحالية كذراع سياسية في وجه القوى المدنية، وآخرون يرون دمجها باعتبار أن تركها يشكل خطراً داهمًا على أمن البلاد.

وهاجم حاكم إقليم دارفور القوات النظامية متهما الجيش والدعم السريع بإضافة جنودهم إلى القوة الأمنية المشتركة التي نص على تشكيلها بروتوكول الترتيبات الأمنية من 12 ألف مقاتل مناصفة بين القوات الحكومية وجنود الحركات المسلحة.

لكن المتحدث باسم الجيش السوداني العميد نبيل عبدالله قال إن الحركات هي المسؤولة عن التأخير ومكونات القوة من جانب القوات الحكومية تشكلت وهي جاهزة منذ أمد بعيد وضباطها تولوا بالتنسيق مع لجنة وقف إطلاق النار الدائم تدريب الدفعة الأولى من قوات الحركات المسلحة حتى تم تخريجها خلال الأشهر القليلة الماضية.

وراجت معلومات حول وجود اتفاق غير معلن بين الحركات والسلطة الانتقالية وتحديداً نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وهو أيضا قائد قوات الدعم السريع، تقضي بالسماح بتواجد جيوش الحركات في الخرطوم وعدد من المدن السودانية مقابل السماح لقوات الجنجويد بأن تبقى في أماكن داخل الحواكير في دارفور دون عودة أهلها الأصليين من النازحين إليها.

نصرالدين يوسف: الحركات المسلحة تستخدم جيوشها كورقة ضغط تضمن بها الاستمرار في السلطة

تمويل الحركات المسلحة

وتضمّن بند الترتيبات الأمنية جملة من الأخطاء سمحت بأن تظل وضعية الجيوش كما هي، أبرزها عدم تحديد الأعداد الخاصة بكل حركة مسلحة وعدم تحديد مناطق محددة لتجميع وتدريب تلك القوات، ما أدى إلى صرف مبالغ مالية عبر الكشوفات وليس الأعداد الحقيقية وسعى قادة الحركات للاستفادة من ذلك لضمان استمرار تمويل جيوشها خوفا من انقلابها قبل أن تتوقف عمليات صرف الأموال مع تدهور الوضع الاقتصادي.

وعولت الحركات على وجود رئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم على رأس وزارة المالية لضمان استمرار صرف بنود فتح معسكرات قوات الجيش وتمويل عمليات الدمج والتسريع التي التزمت بها الحكومة مع إقرار الاتفاقية خلال الأشهر الأولى، لكن ذلك لم يستمر طويلاً، ما أوجد مبررات لبقاء جيوش الحركات في المدن.

وأكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم أبوالقاسم إبراهيم آدم أن أزمة الجيوش الحالية يتحمل المجتمع الدولي القدر الأكبر منها، لأن اتفاق جوبا وقع عليه ضامنان دوليان لم يؤديا دورهما التمويلي لنجاح عملية الدمج.

وهناك حاجة إلى ملايين من الدولارات للتحفيز على تسريح الرافضين للدمج بالقوات النظامية ومنحهم مشاريع إعاشة كي لا يتحولوا إلى ميليشيات جديدة، وكذلك توفير ميزانيات لتجهيز وحدات الجيش لضم العناصر الجديدة.

وشدد في تصريح لـ»العرب» على أن شح التمويل الذي تعاني منه جيوش الحركات يشكل المهدد الأول في الفترة الحالية، لأنه في حال بقاء الوضع كما هو طويلاً قد ترتكب حوادث السرقة والسلب والنهب أو يعودون للتمرد من جديد، ويشكل هؤلاء خطراً على قادة الحركات لأنهم سيكونون متهمين بضمان وصولهم إلى السلطة دون تلبية احتياجاتهم، ما يضاعف الضغوط التي يمارسونها على السلطة لتوفير رواتبهم.

وتدرك الحركات الموقعة على اتفاق جوبا أنها في موقف قوة حاليا، لأن إدخال تعديلات على الاتفاقية يتطلب في البداية موافقتها وتجاهل مطالب القوى المدنية مع استمرار الدعم الدولي الذي يلقاه الاتفاق من جهات عديدة.

إقرأ المزيد

آلاف السودانيون يهاجرون لمصر بحثا عن حياة أفضل

ترحيل قادة”الجبهة الشعبية”الى الخرطوم بعد احتجاجات أهلية في القضارف

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى