حصاد الانقلاب في عام يمد لسانه لأكذوبة «تصحيح المسار»
الخرطوم – صقر الجديان
يوافق اليوم الثلاثاء، الخامس والعشرين من أكتوبر 2022، ذكرى الانقلاب العسكري الذي نفذه قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان قبل عام، على السلطة الشرعية في البلاد.
وكان قد مضى عامان على فترة انتقالية جمعت المجلس العسكري الانتقالي والقوى المدنية (قوى إعلان الحرية والتغيير) بحسب الوثيقة الدستورية التي تم توقيعها في أغسطس 2019، بعد قرابة الـ4 أشهر من إطاحة الرئيس المخلوع، عمر البشير.
بعد عام من انقلاب البرهان لا يبدو أنه جنى شيئاً لنفسه أو بلاده، ولم ينفذ شيئاً من الوعود التي أطلقها في بيانات أيام الانقلاب المتتالية، وإنما جر على البلاد المزيد من الأزمات والخراب.. فما هي حصيلة 12 شهراً تحت ظلال الانقلاب؟.
اغتيال شباب الثورة
“حماية الأمن وحماية البلاد من المهدد الحقيقي والخطر الذي يبدد أمل الأمة وأحلام الشباب، وكنا قد بدأنا نخطو نحو دولة الحرية والسلام والعدالة”
كانت هذه إحدى المسوغات التي برر بها البرهان انقلابه في بيانه الأول؛ وخلال عام من الانقلاب، لم يغتال فقط أحلام الشباب التي قال إنه قام بـ”إجراءاته التصحيحية” للحفاظ عليها، بل وصل عدد من تم اغتيالهم برصاص قواته النظامية 119 شهيد وشهيدة بينهم 19 طفلا.
ووفق تقرير لمنظمة حاضرين (منظمة تطوعية) بلغ عدد الإصابات البليغة 1074، بينها إصابات طالت 187 طفلاً.
وقطع التقرير الذي حمل اسم “الطرف الخفي”، بوجود 3 حالات اغتصاب موثقة، فيما كانت هناك العديد من حالات التحرش اللفظي والجنسي التي لم يتم الإبلاغ عنها، في محاولة لمنع مشاركة النساء في المواكب الرافضة للانقلاب العسكري والتي بدأت منذ فجر الانقلاب ولم تتوقف طوال عام.
واغتال البرهان أحلام العديد من الشباب في عيش حياة طبيعية، فقد أصيب 9 من المتظاهرين بشلل دائم، فيما فقد 19 ثائراً، بينهم 3 أطفال، إحدى عينيهم، وتم بتر أطراف 14 ثائراً آخرين.
ووفق مصادر طبية، يعاني الكثير من المصابين من أعراض الصدمة والاكتئاب، ويحتاجون لإعادة التأهيل النفسي، في ظل معاناة الكوادر الطبية من الملاحقة والمستشفيات من الاستهداف.
عودة الإبادة
شكا البرهان في بيانه الانقلابي مما سماه بـ”الاصطفاف الجهوي والعنصري”، مشيرا إلى أنه يهدد الفترة الانتقالية، إلا أنه وبعد إخراجه للحرية والتغيير من الحكومة، انفجرت الأوضاع في عدد من الولايات.
وشبه بعض الناجين من أحداث كريندق ما حدث لهم بحروب الإبادة الجماعية التي شهدتها دارفور ومناطق أخرى في عهد المخلوع البشير، حيث سقط مئات القتلى وطال الهجوم المرافق الطبية.
وقال أحد الناجين لـ«التغيير» في حديث سابق، إن الجيش انسحب وترك المواطنين العزل في المعسكر الذي يقع غرب دارفور، في مواجهة الأسلحة النارية لقوات مسلحة (وصفوها بالجنجويد) قوامها 80 تاتشر وعدد غير محدود من المواتر.
وتكرّرت أحداث سقوط مئات المواطنين العزل قتلى؛ في أحداث قبلية بدارفور وكردفان ومؤخرا في النيل الأزرق، دون أن تتمكن القوات النظامية من احتوائها أو حتى اسعاف الناجين منها.
غطاء «الفلول»
أكد الاستقبال الحافل الذي حظي به رئيس وزراء النظام المباد محمد طاهر إيلا، أن الانقلاب العسكري وفر غطاءً للفلول للعودة إلى المشهد السياسي، وعليه لم تثر إعلانات حشود استقبال مدير جهاز أمن البشير صلاح قوش الاستغراب.
ويواجه ايلا أمر قبض في مواجهته منذ العام 2019، إلا أنه وصل إلى البلاد علنا دون أن تتحرك الأجهزة الشرطية والعدلية لتنفيذ أمر القبض عليه، فيما أحجمت النيابة العامة عن الرد على «التغيير» عندما توجهت إليها بالسؤال حول هذه القضية.
ووفق مصادر عدلية مطلعة تحدثت لـ«التغيير» تم فك تجميد أكثر من مائة حساب بنكي لرموز النظام البائد أوقفتهم سابقا لجنة تفكيك تمكين نظام الثلاثين من يونيو 1989م ومحاربة الفساد واسترداد الأموال العامة، وتم الأمر بعد إقالة عضوة المجلس السيادي رجاء نيكولا التي كانت قد تراجعت عن قرار فك تجميد 150 حساباً بعد إصداره.
واعتبر المحلل السياسي عثمان برسي انقلاب 25 أكتوبر مكملا للانقلاب الأصلي الذي حدث في 11 ابريل 2019، مشيراً إلى أن معظم القوانين الاقتصادية والسياسية التي أفرزتها الوثيقة الدستورية بين شركاء الحكم أصبحت «كسراب بقيعة».
وقال برسي لـ«التغيير»، إن الانقلاب حطمها لصالح المرحلة السياسية الجديدة التي ستسيطر عليها قوى سياسية كانت محرومة من ممارسة العمل السياسي بسبب المناخ الثوري، يقع في قمة هرمها «المؤتمر الوطني».
إعادة «تمكين»
ورصدت «التغيير» إعادة «تمكين» أعضاء النظام البائد في الوظائف القيادية في الوزارات وفي الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون.
كما تمت إقالة رئيس جهاز المخابرات الفريق أول جمال عبد المجيد وتعيين الفريق أحمد إبراهيم مفضل، المعروف بانتمائه للنظام السابق الذي كان قد شغل فيه منصب والي جنوب كردفان.
وشهد الجيش في عام الانقلاب إقالة رئيس الاستخبارات العسكرية، إلى جانب 5 جنرالات برتبة فريق في أغسطس الماضي، ضم كشف الإقالات 3 نواب لرئيس هيئة الأركان إلى جانب كل من قائد القوات الجوية عصام الدين كوكو، وقائد القوات البرية عصام كرار.
وقالت مصادر لـ«التغيير» إن الضباط في الرتب التي تمت إحالتها للمعاش معروف عنهم عداوتهم لقوات الدعم السريع، فيما نفى الخبير بمركز الدراسات والبحوث بالخرطوم، لواء د. أمين إسماعيل مجذوب أن تكون الاحالات تحمل أي صبغة سياسية.
«كل الإحالات التي تمت في القوات النظامية هي إدارية روتينية لا علاقة لها باي عمل سياسي».
وقال لـ«التغيير» إن الإحالة للمعاش تحدث بسبب عدم وجود شواغر في الرتب، وأن الإجراء راتب يتم في إطار النظم واللوائح العسكرية التي تحدد فترة زمنية للرتب أو اكتمال الهرم. مضيفاً: «هذا أمر عادي يتقبله الجميع بروح طيبة».
تجويع وإفقار
«سنعمل حتى الانتخابات على تحسين معاش الناس وتوفير الأمن والطمأنينة لهم»، هذه الكلمات مقتبسة من البيان الانقلابي للبرهان، إلا أن أولى الإجراءات التي واجهها الشعب السوداني بعد الانقلاب توقف الخبز المدعوم تماماً.
وكانت حكومة الفترة الانتقالية توفر خبزا مدعوما يصل لنسبة 65% فيما كان هناك خبز تجاري بنسبة 35%.
واختفى مفهوم الأمن وسط المواطنين خاصة في العاصمة التي انتشرت فيها عصابات النهب المسلحة المعروفة باسم (9 طويلة)، والتي روعت المواطنين حتى في وضح النهار.
إلى جانب معاناة المواطنين في الولايات من الصراعات القبلية والقتل المتواصل الذي بلغ من الوحشية أن يحرق الناس أحياء في إقليم النيل الأزرق.
وتم رصد هجرات مكثفة للسودانيين إلى الخارج خاصة مصر وتركيا، فرارا من الأوضاع الاقتصادية والأمنية التي تردت إلى حد استحالت معه الحياة الكريمة.
أما السواد الأعظم من الشعب فيواجه أخطار الجوع والمجاعة وسط تحذيرات أممية من فجوة في الغذاء سيعاني منها آلاف السودانيين.
انفجار الأسعار
زادت أسعار البنزين والجازولين بنسبة 85% بعد الانقلاب، الأمر الذي عمل على رفع جميغ أسعار السلع والخدمات الضرورية، ووفق خبراء اقتصاديين فإن تكاليف النقل تسهم بحوالي 65% في نسب التضخم.
وقطع عضو اللجنة الاقتصادية بالحرية والتغيير، الصديق الصادق المهدي بأن زيادة أسعار المحروقات العالمية ليس لها وزن كبير في الزيادة، مشيرا إلى أن سعر لتر البنزين في دولة مصر أقل بنسبة 50% من السودان.
«في مصر هناك عامل واحد لزيادة البنزين بينما في السودان هناك عوامل كثيرة سببها الانقلاب العسكري».
من جهة أخرى، تواجه العملة المحلية انخفاضا غير مسبوق، وأصبحت البنوك الرسمية تركض خلف السوق الموازي في محاولة لضبط قيمة الجنيه.
ومن جهة أخرى، عاد الارتفاع في الصرف على الأجهزة السيادية والأمنية والدعم السريع مقابل تخفيض الصرف على التعليم.
توقف الدعم الخارجي
تسبب الانقلاب العسكري في قطع الطريق على جميع المساعدات المالية العالمية التي تم تقديمها للسودان بعد فك عزلته الدولية ورفع اسمه من قائمة الدول الراعية للارهاب.
وأعلى قيمة مالية خسرتها البلاد 14.1 مليار دولار عبارة عن اعفاء نادي باريس لقيمة 67% من دين السودان الخارجي.
وبعد يومين من الانقلاب توقفت مساعدات بقيمة 150 مليون دولار كان صندوق النقد الدولي قد وافق على منحها للسودان تحت بند الانفاق الاجتماعي.
وكان توزيعها على النحو التالي: 56 مليون اسمدة، (فقدانها افشل الموسم الزراعي الشتوي)، و33 مليون للأدوية المنقذة للحياة و14 وقاية محاصيل و25 اسبيرات صيانة الكهرباء و22 مليون تمويل برنامج سلعتي.
توقفت أيضا مؤسسة التنمية الدولية التابعة للبنك الدولي عن مد الخرطوم بمبلغ 2 مليار دولار كانت مخصصة لدعم 9 قطاعات أهمها الصحة والطاقة.
ومن جهته لم يتردد صندوق النقد الدولي في إيقاف مبلغ مليار دولار كانت موزعة في شكل دفعات بدأت في مارس من العام 2021 ومن المقرر أن تتواصل حتى يونيو من العام 2024.
وانضمت وكالة التنمية الأمريكية إلى الجهات المعاقبة للانقلاب العسكري بإيقاف مساعدات بقيمة 700 مليون دولار.
وتوقف برنامج ثمرات الذي كان الهدف منه التخفيف الدولي على الأسر الفقيرة ضمن خطط الإصلاح الاقتصادية، والذي كان يدعمه البنك الدولي بمبلغ 500 مليون دولار، بالإضافة إلى مبلغ 223 مليون دولار من المانحين.
2 مليار دولار، مبلغ توقف هو الآخر من بنك الاستيراد والتصدير الأمريكي ومؤسسة التمويل الدولية كان مخصصا للاستثمار.
فيما توقفت البواخر الأمريكية من الرسو في ميناء بورتسودان والتي كانت تقل منحة القمح المقدرة بـ1.2 مليون طن، تم بالفعل استلام 250 ألف طنا منها.
جيب المواطن
اعتمد الانقلاب في موازنته بصورة حرفية على “جيوب المواطنين” فأرهق الناس بالجبايات والضرائب الباهظة ما أثر على فرص الاستثمار ودنيا المال والاعمال، وأصبح الكساد واقعا مزريا يعاني منه المواطنون والمستثمرون على حد سواء!
تراجعت حصائل الصادر وسجلت 43 مليون فقط في يناير وتراجع مستوى التحصيل الضريبي وتعطلت التجارة الخارجية.
وبلغ عجز الموازنة في العام الحالي 363 مليار جنيه، وارتفعت الاستدانة إلى 332 مليار جنيه.
اشتراطات دولية
اقتنع قادة الانقلاب بأن فك حظر الدعم الدولي لن يأتي إلا بتشكيل حكومة مدنية. وبعد عودته من المشاركة في اجتماعات صندوق النقد الدولي قال وزير مالية الانقلاب، جبريل إبراهيم، إن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي اشترطا لفك تجميد الدعم المالي “تشكيل حكومة مدنية في البلاد”.
واعترف إبراهيم في مؤتمر صحفي بأن ما يتعرض له الاقتصاد السوداني من تداعيات قاسية سببها وقف الدعم الدولي ردا على انقلاب البرهان في 25 أكتوبر للعام 2021.
وتمت مواجهة الانقلاب بقرارات إقليمية ودولية تمثلت في تجميد عضوية السودان في دول الاتحاد الافريقي، وعلى المستوى العالمي بدت ارهاصات عودة العزلة العالمية بتوقف كافة أشكال الدعم، مع رسائل تحذيرية متكررة تشدد على ضرورة العودة للحكم المدني.
وكشف وزير مالية الانقلاب عن منحه لوعود للمجتمع الدولي باقتراب الأطراف من ابرام تسوية سياسية تتم قبل نهاية العام، ناقلا عن مساعدة وزير الخارجية الامريكية، مولي في قولها إن توقعاتهم كانت أن تكتمل التسوية قبل 25 أكتوبر الحالي.
تشكيل الحكومة
وعد البرهان الشعب السوداني بإكمال كافة مؤسسات الحكم التي لم تكتمل في الفترة الانتقالية خلال شهر من انقلابه، وأشار في بيانه أنه سيشكل المجلس التشريعي ومفوضية الانتخابات ومفوضية صناعة الدستور ومجلس القضاء العالي ومجلس النيابة بالإضافة إلى المحكمة الدستورية.
خلال عام كامل لم يتمكن البرهان من تشكيل حكومة الكفاءات الوطنية التي تحدث عنها، أما المجلس التشريعي والمحكمة الدستورية وغيرها كانت مجرد وعود لم تر النور.
إرهاصات انقلاب جديد
التسوية السياسية التي أشار إليها وزير المالية يسعى الانقلابيون إلى ضم قوى سياسية لم تأت في “تكتيك” التسوية الأولى وفق ما أشار المحلل السياسي عثمان برسي؛ مشيرا إلى قوى الميثاق الوطني.
وقطع برسي بتغيير في مواقف قوى الحرية والتغيير في اضطرارها لقبول اتفاق جوبا ضمن التسوية، بعد أن رفضت الجلوس معهم ووصفتهم بالانقلابيين.
وتوقع المحلل السياسي أن يؤدي فشل التسوية “الثانية” إلى قيام انقلاب باطش ومسنود من قوى دولية وإقليمية ودعم بعض القوى السياسية الداخلية.
إقرأ المزيد