مقالات الرأي

خطاب العرش، خطاب مضمخ برسائل ملك كبارة، يمزج بين قوة الاستشراف و عمق البصيرة

 

دعوة أخوة وحسن جيرة جديدة وجهها الملك محمد السادس إلى الجارة الشرقية الجزائر، مؤكدا أن الشعب الجزائري شعب شقيق ولا يمكن أبدا السماح بالإساءة إليه، وهي دعوة مباشرة لمد يد الأخوة إلى هذا الشعب وعدم الإساءة إليه بأي شكل من الأشكال، على اعتبار أن ما يقرب الشعبين أكبر بكثير مما يفرقهما، ﺇذ أنها مرتبطان في المصير و الدين و اللغة و التاريخ المشترك والرحم.

ﺇن المملكة المغربية، ملكا و حكومة و شعبا، يصرون، وهذا ما تثبته الوقائع و الأحداث و الخطابات، على نهج سياسة اليد الممدودة للنظام الجزائري و هذا لعمري نهج عاقل و متبصر و رد صريح على كل المتعصبين النشاز الذين يغردون خارج السرب ويريدون إشعال نار الفتنة و تأجيجها بين الشعبين الأصيلين العريقين.

ﺇن خطاب العرش الأخير أظهرالملكية المغربية في عمقها التاريخي ومكانتها الدينية، ولا يمكن للملك، خديم الشعب المغربي الأول كما يسمي نفسه في جل خطاباته السامية، إلا أن يكون في مستوى التاريخ ورمزيته ومستوى مكانته على كافة المستويات الدولية و القارية و الاقليمية و الوطنية، و هذا ما عهد على المملكة الشريفة في مختلف المحافل وفي مبادراتها ذات الطابع الانساني على وجه الخصوص.

ﺇن الخطاب الملكي الأخير كرس خطابا لرجل عاقل و موجها مرة أخرى لرجال عقلاء من الأشقاء الجيران، فالملك سبق له في خطابات سابقة أن دعا لفتح الحدود ومناقشة جميع المواضيع العالقة بين البلدين بدون خطوط حمراء و بدون ارتكان ﺇلى عقلية ماض و أحداث خلت لن تصب في مصلحة الشعبين، لا من قريب و لا من بعيد، بل ستوسع الهوة و تذكي من الصراع بشكل يزيد من التقهقر و ضياع الفرص و تشتت الجهود و ﺇهدار الميزانيات فيما لا يجدي و لا ينفع.

ﺇن الملك محمد السادس لطالما تمسك بسياسة اليد الممدودة، رغم أن النظام الجزائري يتبع سياسة صد الأبواب التي وصلت إلى حدود سحب السفير من العاصمة الرباط، في محاولة منها للتسويق داخليا لوجود خطر داهم و محدق من الجارة المغرب و هي الحالة هذه، لا تسعى في الحقيقة ﺇلا ﺇلى تورية الحراك الاجتماعي الجزائري الشعبي والتنصل من مطالبه المعيشية و الاجتماعية الملحة و القاهرة، و مع ذلك فالملك أصر يوم أمس في خطابه ﺇلا أن يؤكد من جديد بأن “الجزائريين سيجدون المغرب بجانبهم في جميع الظروف والأحوال”، وأن”الادعاءات التي تتهم المغاربة بكونهم يسبون الجزائرلا تروم بحسبه ﺇلا إشعال نار الفتنة بين الشعبين الشقيقين”، و بهذا صرح بأنه لن يسمح لأحد بالإساءة إلى الأشقاء الجزائريين، لأن المغرب حريص على الخروج من هذا الوضع وعلى علاقات طبيعية مع جيرانه، يسودها التواصل الفعال و التعاون المثمر و العلا قات الأخوية المتعددة الأبعاد، حتى تكون في مستوى الكفاح المشترك الذي جمع الشعبين الشقيقين عبر سنوات طويلة.
ﺇنه من غير المنطقي أن تبقى الحدود مع الجزائر مغلقة، بسبب دعاوى ترتكن و ترتكز على الماضي و تتأسس عليه، و على أحداث، الخوض فيها، سيكون بمثابة الرسم على الماء، أحداث ستجعل الرائي المتفحص أمام خيط دخان يتلاشى كالسراب، فهل من عاقل يعي أن الوقت وقت تكتلات و تجمعات واتحادات و مناطق حرة، لا وقت مؤاخذات و مؤامرات وانفصالات و مناطق معزولة…؟، هل من عاقل يعي أن الدول تدار برؤى استشرافية و تقدمية و ليس برؤى ماضوية و عدمية ؟، هل من عاقل يعي أن في العداء مقتل للذات و حظوة للافرنج البعداء؟

رضا الحالم التيجاني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى