رمد غامض يفاقم معاناة أهل دارفور جراء الحرب
نيالا – صقر الجديان
أُصيب المئات من المواطنين في عدة مدن بدارفور، أبرزها نيالا والضعين وبرام، بمرض غامض يصيب العيون.
أثارت هذه الظاهرة المخاوف والتساؤلات حول أسبابها وانتشارها في أكثر من مدينة وقرية، وما إذا كانت لها علاقة بمخلفات الحرب أو بأسباب أخرى، خاصة في ظل غياب الرعاية الصحية وأدوات الفحص والتشخيص المتقدمة، وانعدام الأدوية في الإقليم.
وبحسب إفادات مرضى وأسر مصابة وأطباء ما زالوا في هذه المدن والقرى تحدثوا لراديو دبنقا، فإن الأعراض تتمثل في احمرار وتورم في العينين مصحوب بآلام شديدة وصداع وتشويش في النظر وصعوبة في مواجهة الضوء.
وناشد نشطاء وعاملون في القطاع الصحي بهذه المدن والقرى المتأثرة في دارفور منظمة الصحة العالمية والمنظمات العالمية الأخرى والمحلية العاملة في مجال الصحة والبيئة بالتحرك الفوري لتشخيص الظاهرة وتقديم المساعدة.
من جانبه، أفاد الدكتور عبد الوهاب السيسي، استشاري الطب وجراحة العيون، الذي عُرضت عليه إفادات المرضى، أن الحالات هي حساسية مرتبطة بمخلفات البيئة الناجمة عن الحرب.
شهادات من نيالا
في هذا السياق، قال محمود مصطفى، وهو مواطن من مدينة نيالا أُصيبت زوجته وأطفاله بالمرض، لراديو دبنقا إن المرض ظهر خلال الأسبوعين الماضيين، وتبدأ الإصابة بظهور ورم على العينين مصحوب بصداع شديد وحمى.
وفي اليوم التالي، يسيطر المرض على العينين ما يؤدي إلى احمرارهما وانتفاخهما وحجب الرؤية.
وأضاف: “يستمر المرض مع بعض المرضى لمدة ثلاثة أيام، بينما يستمر مع آخرين إلى أربعة أيام”، وأشار إلى أن المريض بعد أن يتعافى يظل مشوشًا في النظر ويواجه صعوبات عند تعرضه للضوء.
وأعرب عن اعتقاده أن أسباب المرض ربما تكون مرتبطة بقنابل الطيران التي تُلقى على المدن والقرى في دارفور أو بمخلفات الدانات والأسلحة الثقيلة التي تم استخدامها خلال الحرب في هذه المدن.
من جانبها، قالت سهام سراج، وهي ربة منزل من مدينة نيالا، لراديو دبنقا، إن جميع الأطفال في أسرتها أُصيبوا مع مجموعة من أطفال الحي بالمرض.
وأوضحت أن المرض سبب معاناة كبيرة للأطفال لأنه دائمًا ما يأتي مصحوبًا بآلام حادة.
شهادات من الضعين وبرام
وفي مدينة الضعين، عاصمة ولاية جنوب دارفور، انتشر المرض أيضًا. وأكدت حنان عمر، ربة منزل أُصيبت مع أسرتها بالرمد، الأعراض نفسها التي أشار إليها المصابون في نيالا وبرام.
وقالت لراديو دبنقا: “لم نجد علاجًا له في الضعين، لكنه استمر معنا لمدة خمسة أيام ثم اختفى”.
وفي مدينة برام بولاية جنوب دارفور، قال عثمان أبو عصاية إن مرض الرمد انتشر أيضًا بصورة كبيرة هذه الأيام في سوق برام وعدد من الأحياء وفي مناجم الذهب.
وأوضح لراديو دبنقا من برام أن الإصابات شملت كل الفئات العمرية لكنها أكثر شيوعًا بين الكبار.
ما قاله الأطباء
من جهته، قال الدكتور إدريس جلاب، الطبيب بمستشفى برام التعليمي، لراديو دبنقا إن المستشفى يستقبل خلال هذه الأيام عددًا من حالات الإصابة بمرض الرمد، حيث تتمثل الأعراض في احمرار في العيون وحكة وسيلان الدموع.
وأشار إلى أن الحالات تتراوح ما بين خمس إلى ست حالات يوميًا، وأضاف: “لاحظنا أن الحالة لها انتشار واسع، لذلك نناشد المنظمات العاملة في المجال الصحي بأن تتقصى لمعرفة طبيعة هذا المرض”.
وأوضح أنهم يتعاملون مع المرض بعلاج أعراضه عبر القطرات أو المضادات الحيوية، لكنه شدد على أن الحالة تحتاج إلى تحقيق وتحليلات أعمق.
في هذا السياق، قال مصدر طبي بمدينة نيالا إن الاجتماع الأخير للقطاع الصحي بالولاية، الذي عُقد خلال الأيام الماضية، ناقش انتشار مرض الرمد بالولاية، لكنه أشار إلى أنه لم يتم التحقق من ماهية المرض.
رأي اختصاصيي وخبراء أمراض العيون
في الأثناء، أكد الدكتور عبد الوهاب السيسي، استشاري الطب وجراحة العيون، أن الأعراض التي يعاني منها المواطنون جراء إصابتهم بهذا المرض لها علاقة بالأضرار التي لحقت بالبيئة جراء الحرب، والذخائر التي تحمل موادًا سامة.
وقال: “هذا النوع من الرمد قد تكون له علاقة بمخلفات الحرب، وقد تؤثر هذه الذخائر على أجزاء أخرى من الجسم مثل الصدر والرئتين، كحدوث احتقان في الشعب الهوائية بسبب استنشاق الهواء الملوث بمخلفات الحرب”.
وأضاف السيسي، الذي أجرى أكثر من 300 عملية جراحية للعيون في المخيمات العلاجية بمدن ولايات دارفور الخمس، لراديو دبنقا أن مرض الرمد نوعان: “النوع الأول هو الرمد الربيعي أو الحساسية المزمنة، التي تصيب العيون بالحكة والاحمرار، وقد تكون وراثية أو مرتبطة بطبيعة المنطقة والمناخ وهي غير معدية”. أما النوع الثاني فيُعرف بالرمد الصديدي، وهو مرتبط بنوع من أنواع البكتيريا.
وأكد السيسي، بناءً على الحالات التي عُرضت عليه، أن الرمد المنتشر حاليًا في مناطق دارفور هو “حساسية غير معدية ومرتبطة بالبيئة المتأثرة بمخلفات الحرب”.
وأضاف: “استنشاق الهواء الملوث عبر الأنف يصل مباشرة إلى العيون، وبالتالي يؤدي إلى الرمد الذي من أعراضه احمرار العيون”.
إرشادات صحية لمعالجة الحالات
دعا الدكتور السيسي المواطنين، عند شعورهم بأعراض الرمد، إلى غسل وجوههم ما بين 6 إلى 7 مرات يوميًا بماء بارد وصابون غير معطر، والابتعاد عن الحيوانات الأليفة إن وُجدت في المنزل.
كما نصح الذين يستخدمون الأعشاب مثل (الشاي والقرض) باستخدامها بعد تبريدها جيدًا بعد غليها. وأضاف: “إذا أحس المرضى بتأثير على البصر، فعليهم مراجعة أطباء العيون”.
واتصل راديو دبنقا بوزير الصحة التابع للإدارة المدنية بجنوب دارفور، الدكتور الهادي عبد الرحيم، الذي أكد وصول معلومات عن انتشار هذا المرض، لكنه طلب مهلة لمزيد من التقصي قبل الإدلاء بأي تصريحات في هذا الشأن.
حرب وجوع ومرض
فاقمت الحرب في مدن وقرى دارفور من انعدام الرعاية الصحية وخدماتها بالإقليم بعد خروج مستشفياتها الكبرى من الخدمة، مع ندرة في الأدوية والمعدات الطبية، وانتشار الإسهالات المائية، بالإضافة إلى المجاعة التي ضربت الإقليم مع ندرة في السلع الضرورية وارتفاع أسعارها إلى أضعاف مضاعفة بسبب الحصار وإغلاق الطرق.
هذا إلى جانب القيود والشروط التي يفرضها طرفا الحرب على وصول الطعام والأدوية والخدمات العلاجية للمدنيين في مدن وقرى وأرياف الإقليم.
شهدت مدن دارفور، وأبرزها الجنينة ونيالا وزالنجي، معارك عنيفة استخدمت فيها كافة أنواع الأسلحة والقصف الجوي.
فيما شهدت برام معارك أيضًا وإحراقًا للمنازل وتناثرًا للجثث في الشوارع.
بينما شهدت الضعين قصفًا متكررًا بالطيران أسفر عن سقوط قتلى وجرحى وتدمير منازل.
وتستمر المعارك منذ شهور وحتى اليوم في مدينة الفاشر المحاصرة، حيث تُستخدم الأسلحة الثقيلة من قبل الدعم السريع على الأحياء السكنية.
فيما تشهد مدن أخرى قصفًا جويًا بالطيران مثل كتم وكبكابية والزرق.
كان رئيس منظمة “بلدنا” لإزالة مخلفات الحرب، محمد الزاكي، قد وجه يوم الأربعاء تنبيهًا لسكان حي الجير بمدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، بظهور كمية من الألغام بالقرب من القيادة العامة ومحطة وقود الطريفي وبركة “أم قليبا نار”.
ودعا الزاكي سكان أحياء الجير والسلام وتكساس وحي الوادي إلى ضرورة الانتباه لتحركات أطفالهم في تلك المناطق، خاصة بالقرب من القيادة العامة.