صرخة من دارفور.. لا جراد ولا ورق شجر فمن يُنقذ أطفالنا من الموت؟ (مقابلة)
** المنسق العام لمعسكرات النازحين واللاجئين في دارفور محمد عبد الله يعقوب فوري: - العالم تركنا وحدنا مع نفس الناس الذين يقتلوننا
نيالا – صقر الجديان
في إقليم دارفور غربي السودان، حيث الصراع يهدد الحاضر والمستقبل، تزداد مأساة النازحين مع دخول فصل الصيف، فحتى أوراق الأشجار التي كانت تُستخدم كطعام للأطفال باتت صعبة المنال، تاركة إياهم يواجهون موتًا محققًا جراء الجوع.
يُصف المنسق العام لمعسكرات النازحين واللاجئين في دارفور، يعقوب محمد عبدالله فوري، في مقابلة نشرتها وكالة “الأناضول”، الوضع بـ”المأساوي”، فمع غياب المساعدات الدولية، وعدم قدرة النساء على الخروج من المخيمات لجلب الطعام خوفًا من الاغتصاب، يزداد الخطر على حياة الأطفال بشكل مخيف.
يقول فوري، الذي يتواجد في مخيم “كلمة” بمدينة نيالا في ولاية جنوب دارفور، إنه “حتى أوراق الأشجار انعدمت، والجراد لم يعد موجودًا لسد جوع الأطفال في مخيمات النازحين في دارفور”.
ويضيف موضحًا: “كانت النساء تحضر أوراق الأشجار خاصة اللالوب (الهجليج) وتضعها على النار لتعد منها حساءً للأطفال، كما كانت تمسك الجراد ليتناولوه، وكل ذلك أصبح غير موجود الآن”.
فالنساء في مخيم “كلمة” و مخيمات النازحين الأخرى بدارفور، وفق فوزي، لم تعد تخرج من المخيمات خوفًا من الاغتصاب، وكذلك الرجال الذين قد يتعرضون للقتل؛ بسبب الوضع الأمني السيء بعد مغادرة البعثة المختلطة للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي (يوناميد) دارفور؛ لذا لم يعد بالإمكان حتى توفير أوراق الأشجار أو الجراد.
وتابع فوزي: “الآن بدأت الناس تموت جوعًا”، دون تقديم إحصاءات بهذا الخصوص.
وأردف: “الأمم المتحدة غائبة في دارفور الآن، ونحن رفضنا خروج قوات يوناميد، لكن لم يستجب لنا أحد، لا دول العالم، ولا المنظمات الأممية و الحقوقية”.
وكانت بعثة “يوناميد” انسحبت من دارفور بشكل نهائي في يونيو/حزيران 2021 بعد حوالي 14 عاما على تأسيسها كقوة حفظ سلام أممية على خلفية نزاع بين القوات الحكومية وحركات مسلحة أودى بحياة حوالي 300 ألف، وشرد نحو 2.5 مليون آخرين.
وجاء انسحاب البعثة آنذاك استجابة لضغوط من الحكومة السودانية، التي كانت ترى أن الأوضاع الأمنية تحسنت في دارفور، وأن استمرار تواجد البعثة يُعد “انتقاصا لسيادة البلاد”.
** “العالم تركنا وحدنا”
المنسق العام لمعسكرات النازحين واللاجئين في دارفور يعقوب محمد عبدالله فوري واصل الشكوى من التجاهل الدولي للأوضاع المأسوية في مخميات النزوح بدافور، قائلا: “العالم تركنا وحدنا مع نفس الناس الذين يقتلوننا (لم يوضح من يقصد)، ولم يقف أحد معنا”.
وأضاف مستدركًا: “لكننا لم نيأس، وما زلنا ندعو ونطالب العالم لإغاثتنا”.
وتقع 4 من عواصم ولايات دارفور الخمس تحت سيطرة قوات “الدعم السريع” التي تخوض حربا منذ قرابة العام مع قوات الجيش التي تسيطر على ولاية شمال دارفور وعاصمتها الفاشر.
ويقع مخيم” كلمة” في مدينة نيالا التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع، وهو من أكبر المخيمات اكتظاظا بالنازحين الذين لجأوا إليه بعد اندلاع الحرب في البلاد في أبريل/ نيسان العام الماضي، حيث يقدر عدد النازحين فيه بأكثر من 90 ألفًا.
** لا حجة لمبرر الطرق والمسارات
وفند فوزي حجج البعض لعدم إيصال المساعدات إلى دارفور، وقال: “كل من يتحدث عن حجج الطرق والمسارات (في إشارة إلى كونها غير أمنة في ظل الحرب) لتوصيل الإغاثة فهذا غير مبرر فهناك طرق يمكن عن طريقها إيصال المساعدات الإنسانية”.
ولم فوزي يحدد الطرق التي يمكن من خلالها إيصال المساعدات، لكن الحكومة السودانية أبلغت الأمم المتحدة، الأسبوع الماضي، موافقتها على استخدام معبر حدودي من تشاد إلى الفاشر لدخول المساعدات الإنسانية، إلى جانب مسارات أخرى من جنوب السودان ومصر ورحلات جوية عند الحاجة، حسب بيان لوزارة الخارجية السودانية.
وزاد فوزي: “نحن نعيش معاناة لها أكثر من 20 سنة، والعالم كله حكم علينا بالموت، ونحن بشر لا يمكن أن يتركونا هكذا، نحن بشر وعلى العالم إنقاذنا”.
وأضاف: “نطالب بإغاثتنا خاصة الأطفال والنساء وكبار السن”.
وتابع: “بالنسبة للنساء الحوامل لا يوجد وصف يمكن أن نقول؛ فالوضع بالنسبة لهن كارثي، وهذه أكبر فضيحة للمجتمع الدولي والعالم ولكل من لديه ضمير” .
وبحسرة َواضحة تابع المنسق العام لمعسكرات النازحين واللاجئين في دارفور قائلا: “إذا لحقونا بالإغاثة الحمد لله، وإذا لم يلحقونا فنحن ننتظر الموت”.
وأكد فوزي أنهم لم يستلموا أي مساعدة غذائية منذ نحو عام من أي جهة في العالم. يأتي ذلك بينما أصبحت الحياة في تلك المخيمات مرهونة ببقايا قليلة من المساعدات الدولية التي تم إرسالها في السابق، إضافة إلى من يخاطر بحياته للخروج من المخيمات والوصول إلى مراكز المدن لإحضار قوت يومه منها.
وأردف: “الأطفال والنساء وكبار السن يموتون، ونحن أصبح لا حول لنا ولا قوة”.
وتابع قائلا: “الوضع كارثي، والأمن غير متوفر، ولا يمكن أن نطلع من مخيمات النزوح، والأمم المتحدة والعالم يعلم بحال المخيمات في دارفور ولا يحتاجون لمن ينبههم”.
ولا تتوفر أرقام محلية أو دولية بنسب الجوع في إقليم دارفور بمفرده، لكن برنامج الأغذية العالمي حذر، عبر بيان في 6 مارس الجاري، من الحرب الدائرة في السودان منذ قرابة 11 شهرا “قد تخلف أكبر أزمة جوع في العالم” في بلد يشهد أساسا أكبر أزمة نزوح على المستوى الدولي.
وبحسب آخر تقرير للبرنامج في 5 فبراير/شباط الماضي، فإن حوالي 18 مليون سوداني يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، و أصبح 5 ملايين من منهم على شفا المجاعة.
** نداء
واختتم فوزه حديثة بتوجيه نداء للعالم، قائلا: “كل من يسمع صوتنا عبر وكالة الأناضول وعنده ضمير عليه أن يتحرك حتى نظل أحياء”.
وبدأت مخيمات اللجوء في دارفور عندما نزح السكان من القرى الي المدن الكبيرة بحثا عن الأمان بعد اندلاع الحرب هناك في العام 2003 بين القوات الحكومية وفصائل مسلحة متمردة. وبحسب آخر تقديرات حكومية في عام 2019، بلغ عدد هؤلاء النازحين أكثر من مليون و900 ألف.
وتفاقمت أزمة النازحين في دارفور مع ظهور بوادر أزمة جوع طاحنة جراء الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وتعطل وصول المساعدات الإنسانية، بحسب شهود تحدثوا للأناضول الثلاثاء.
والإثنين ، نشر متحدث منسقية النازحين واللاجئين في دارفور آدم رحال، على “فيسبوك”، صورا لأطفال ولاجئين يعانون من سوء التغذية في معسكرات النزوح.
كما نشر في وقت سابق فيديو يظهر أطفالا أعمارهم أقل من خمس سنوات يعانون من سوء تغذية في مخيم “كلمة” للنازحين.
والجمعة، قالت المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة كاثرين راسيل، في بيان، إن “الحرب الوحشية في السودان تدفع البلاد نحو المجاعة والخسائر الكارثية في الأرواح، وخاصة بين الأطفال”.
وذكرت أن هناك أدلة على “ارتفاع معدلات وفيات الأطفال المرتبطة بسوء التغذية، وخاصة بين الأطفال النازحين” .
ومنذ منتصف أبريل/ نيسان 2023 يخوض الجيش السوداني و”الدعم السريع” حربا خلّفت حوالي 13 ألفا و900 قتيل وأكثر من 8 ملايين نازح ولاجئ، وفقا للأمم المتحدة.