من ينقذ الموسم الزراعي الذي يترنح في السودان؟
متخصصون ومراقبون حذروا من مصير قاتم ينتظر البلاد بسبب عدم توفر التمويل وشح الوقود
الخرطوم – صقر الجديان
حذر متخصصون ومراقبون ومزارعون من مصير قاتم ينتظر الموسم الزراعي في السودان هذا العام، إذ كان معولاً عليه في سد فجوة البلاد الغذائية وتأمين موقف الأمن الغذائي بالبلاد، بما يكبح المخاوف التي أطلقتها منذ فترة منظمات أممية بشأن اتساع فجوة الجوع في دول عدة بالقرن الأفريقي من بينها السودان.
لكن وبينما يترنح الموسم الزراعي منذ بداياته تتسع فجوة الجوع وتتزايد، ما استدعى قلقاً دولياً بشأن نقص الغذاء في السودان، دفع برنامج الغذاء العالمي لتوسيع نطاق الاستجابة لاستفادة أكثر من مليوني شخص في المرحلة الراهنة بالسودان.
شكاوى ومخاطرة
قال مزارعون من قطاعي الزراعة المروية والمطرية لـ”اندبندنت عربية” إن الموسم الزراعي يواجه مصاعب ومهددات جمة، ما دفع بأعداد كبير منهم للتوقف عن الشروع في التحضيرات للزراعة نتيجة لعدم توفر التمويل اللازم وشح الوقود.
وطالب مزارعون الحكومة بضرورة التسريع من وتيرة تدخلها لإنقاذ الموسم الزراعي الصيفي من عواقب الفشل المحدق به، ما لم يتم توفير التمويل حتى لا تتفاقم الأزمة وتصل إلى نقطة لا يمكن تلافيها، خصوصاً في ظل الوضع المادي المتردي، الذي يعيشونه نتيجة صعوبات تسويق محصولهم الشتوي.
في منطقة القضارف، شكا مزارعون من أن غياب التمويل بواسطة البنك الزراعي أو البنوك التجارية أدى إلى عودة ظهور ممارسات تمويلية مشكوك في شرعيتها، وتعتبر من الظواهر السالبة، وهي ظاهرة ما يعرف محلياً بـ”الكتفلي” المصطلح المستنبط من “حمل مديونية ثقيلة على الأكتاف”، أو ما يصطلح عليه أيضاً بـ”الكسر”، وذلك بالمخاطرة بشراء محصول وبيعه نقداً بخسارة كبيرة، من أجل الحصول على النقدية لتمويل عمليات التحضير الزراعية، إذ يضطر المزارعون إلى شراء محصول بضعف سعره الحقيقي لكن بالآجل، ثم بيعه نقداً بنصف السعر، من أجل اللحاق بالموسم في الموعد المناسب المرتبط بهطول الأمطار.
إهمال وتردي
في مشروع الجزيرة وسط السودان، أكبر المشاريع المروية بأفريقيا المقدرة مساحته بنحو مليوني فدان، انتقد مصدر زراعي مسؤول بالمشروع الإهمال الكبير الذي يجده من قبل الحكومة، ما أسفر عن تراكم المشكلات وتدهور قدرات القطاع بصورة جعلت المزارعين يزهدون في ممارسة النشاط الزراعي.
وانتقد المصدر تعامي الحكومة عن المشكلات والمعوقات التي تشهدها الزراعة، على الرغم من قناعة الجميع بأنها تمثل رافعة للاقتصاد الوطني ويعول عليها في تحسين موقف الأمن الغذائي وخفض فاتورة الواردات، ما جعل التدهور الاقتصادي المتزايد يدخل من بوابة إهمال الزراعة.
أشار المصدر إلى أن المضاعفات التي صاحبت عجز الدولة عن شراء محصول القمح من المزارعين بالسعر التركيزي المعلن، سينعكس سلباً على الموسم الصيفي الحالي، بخاصة في مشروع الجزيرة المروي، لأنه يعتمد على نجاح المزارعين في تسويق محصول القمح الشتوي، وتوفيق أوضاعهم المالية وتحسينها للدخول في الموسم الجديد، وهو ما لم يحدث، بل حدث عكسه.
وكشف إبراهيم عمر المزارع بالمشروع عن أن عجز الدولة عن شراء القمح أدى إلى انخفاض أسعاره بنسبة تقارب الـ50 في المئة، ما تسبب بدوره في إفقار المزارعين بالتالي إضعاف قدرتهم على التمويل الذاتي، مشيراً إلى أن هذا الوضع انعكس حتى على الشركات التي كانت تعمل في التحضير للموسم في شكل هروب جماعي لها من المشروع نتيجة للأوضاع الاقتصادية.
وقال عمر إن طاقات الري وآلاته تشهد انتكاسة كبيرة بسبب عدم توفير المال المطلوب من الحكومة الاتحادية، مما تسبب في انسدادات في قنوات الري الفرعية والرئيسة نتيجة تراكمات الإطماء السنوي الكبيرة، وغياب عمليات التطهير الدورية.
وفي مشروع الرهد الزراعي شكا مزارعون من شح الوقود ومشكلات الري المتفاقمة بسبب عدم صيانة مضخات المياه وغياب عمليات تطهير قنوات الري التي تعاني تراكم الحشائش والطمي، نتيجة انعدام التمويل وعدم حماسة الشركات العاملة في تلك المجالات للعمل.
وفي إقليم دارفور وقفت اللجنة العليا لحماية الموسم الزراعي على المشكلات والمعوقات التي تعترض سير الموسم الزراعي، كما تفقدت سير عمليات فتح المسارات والمراحيل والصواني الخاصة بحركة الرعاة التي تجري هذه الأيام.
وفي إطار الجهود المبذولة لإنجاح الموسم الحالي، أكدت اللجنة أهمية تأمين الموسم الزراعي الحالي وحمايته من التعديات بجانب السعي ومنع الاحتكاكات التي قد تحدث بين المزارعين والرعاة.
إهدار الفرص
في السياق ذاته، أعرب الأكاديمي والمحلل الاقتصادي محمد الناير عن أسفه لعدم استشعار الحكومة لعواقب التعقيدات الكبيرة التي يعانيها الموسم الزراعي الحالي، في ظل أزمة عالمية في الغذاء ناجمة عن الحرب الروسية – الأوكرانية انعكست بالفعل في غلاء أسعار الغذاء حتى في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية وأنحاء العالم كافة، على الرغم من أن الأسعار مرشحة للتراجع بعد اتفاق تركيا بالسماح بتصدير القمح الأوكراني، لكن ذلك لا يبرر طريقة التعامل الحكومة السودانية مع هذا الموسم الحاسم بهذه الطريقة التي تعرضه للفشل.
وأشار الناير إلى أن الحكومة لم تع الدرس أو تستفيد منه، وأهدرت فرص العمل الجاد على تهيئة المناخ الملائم للموسم الزراعي، وفشلت في شراء القمح من المزارعين بسعر التركيز الذي أعلنته 43 ألف جنيه سوداني للشوال ما يعادل نحو (75 دولاراً أميركيا)ً، متجاوزة كل النصائح التي قدمت لها قبل أشهر بشراء القمح من المزارعين ليس بسعر التركيز فحسب بل بأي سعر لطالما أنه لا يكلفها عملات حرة، بغرض تأمين مخزون غذائي نحو 700.000 طن من الإنتاج المحلي، لتغطية استهلاك البلاد لمدة ثلاثة أو أربعة أشهر.
وأضاف المحلل أن “المزارعين يعانون ارتفاع تكاليف الإنتاج بصورة خرافية نتيجة لسياسات الدولة نفسها برفع أسعار كثير من السلع والمدخلات، وعدم توفيرها في موعدها المحدد، لذلك يتوقع حدوث تراجع كبير جداً في الإنتاج الزراعي والصناعي أيضاً خلال المرحلة المقبلة”.
وأبدى الناير دهشته من أن تمضي الدولة في الاتجاه المعاكس لتذليل عقبات الموسم الزراعي، بأن تعلن على الرغم من كل هذه التعقيدات زيادة جديدة في أسعار الوقود بنسبة نحو 15 في المئة خلال الأسبوعين الماضيين في ظاهرة غريبة جداً، وفي وقت يشهد فيه سعر الصرف استقراراً لثلاثة أشهر متتالية، ولا توجد زيادات في السعر العالمي تبرر ذلك، مما سيكون له آثاره وتداعياته السالبة في تفاقم المشكلات والمهددات الماثلة أصلاً بشأن مصير الموسم الزراعي.
لفت المحلل الاقتصادي إلى أن السودان ظل يزرع سنوياً المساحات الأكبر في القطاع المطري بحكم المحدودية النسبية للمساحات المروية، من دون أي خطط للتوسع الأفقي أو الرأسي، وظلت دائماً الجهود تصطدم في كل عام بقضية التمويل والمدخلات من مبيدات وأسمدة وخلافه.
مساعي الإنقاذ
في مسعى لمواجهة المشكلات التي تحاصر الموسم الزراعي الصيفي، بحث اجتماع موسع برئاسة الفريق أول ركن شمس الدين كباشي عضو مجلس السيادة الانتقالي الأيام الماضية، ضم جميع الجهات ذات الصلة بالزراعة، قضايا ومشكلات التمويل وتوفير المدخلات خصوصاً بالنسبة لصغار المزارعين.
وقال وزير الزراعة والغابات الاتحادي أبو بكر عمر البشري في تصريحات صحافية، إن الاجتماع ناقش قضاياً التمويل الزراعي، بحضور جميع الوزارات والجهات المتخصصة، مؤكداً التزام وزارة المالية بتوفير التقاوي، واتفاق البنك الزراعي مع شركات المواد البترولية على إيصال الوقود للولايات، بجانب توفير التمويل اللازم.
كما استعرض الاجتماع المعوقات التي تواجه جنوب كردفان، في استهدافها زراعة نحو 5 ملايين فدان، ملتزماً بإيجاد الحلول العاجلة لقضايا التمويل والتأمين.
وأعلن وزير المالية والتخطيط الاقتصادي جبريل إبراهيم، لدى اجتماعه بكل من محافظ بنك السودان المركزي حسين جنقول، ومدير البنك الزراعي محمد آدم عبد الكريم، عزم وزارته تقديم يد العون لإنجاح الموسم الزراعي.
ونوه إبراهيم إلى ضرورة وضع الزراعة ومشاريع الأمن الغذائي ضمن الأولويات، بخاصة في ظل الظروف الحالية الحرجة وما يمر به العالم من حروب وعدم استقرار هددا الأمن الغذائي لجميع الدول، مشدداً على أهمية وضع التدابير اللازمة لحل مشكلات الزراعة وإنجاح الموسم الحالي في كل مراحله، منذ التحضيرات وتوفير المدخلات من تقاوي وسماد ووقود وحتى الحصاد.
القلق الدولي
على صعيد آخر، وإزاء القلق الدولي بشأن نقص الغذاء في السودان، بدأ برنامج الغذاء العالمي توسيع نطاق الاستجابة لتوفير الأمن الغذائي وتقديم الدعم المباشر للفئات الأكثر ضعفاً، ضمن استفادة أكثر من مليوني شخص يعانون انعدام الأمن الغذائي بدعم من شركاء التنمية عبر البنك الدولي.
ووقع البنك الدولي الأسبوع الماضي اتفاقاً مع برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة بقيمة 100 مليون دولار أميركي كتمويل مباشر لتنفيذ مشروع جديد في السودان بواسطة البرنامج (شبكة الأمان الطارئة).
يهدف المشروع إلى توفير التحويلات النقدية والغذاء لأكثر من مليوني مستفيد يعانون انعدام الأمن الغذائي في 11 ولاية بالسودان بناءً على مسح الضعف والهشاشة الذي أجراه البرنامج.
بحسب بيان للبنك الدولي، يستجيب المشروع الجديد لانعدام الأمن الغذائي الشديد في السودان، بسبب ضعف الحصاد وارتفاع أسعار الغذاء العالمية، بتمويل من الصندوق الائتماني للمانحين لدعم الانتقال والتعافي في السودان.
وقال البيان إن الأموال ستوجه فقط من خلال برنامج الغذاء العالمي لتوسيع نطاق الاستجابة لتوفير الأمن الغذائي، بينما لا يزال إيقاف المدفوعات من قبل البنك الدولي لجميع مشاريعه لحكومة السودان قائماً اعتباراً من 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021 وحتى تاريخه.
ويعد القطاع الزراعي من أكبر القطاعات الاقتصادية في البلاد، ويعتمد نحو 80 في المئة من السودانيين عليه، ويعتبر السودان من أكبر بلدان العالم المنتجة للسمسم في العالم بعد الهند والصين، ومن الدول الأكثر إنتاجاً للذرة، إلى جانب القطن محصول التصدير الرئيس.
ويسهم القطاع الزراعي بشقيه بنحو 44 في المئة من إجمالي الناتج القومي، فضلاً عن كونه المحرك الأول للصناعات الزراعية، وعلى الرغم من أن السودان يمتلك نحو 200 مليون فدان صالحة للزراعة، فإن نسبة المستغل منها لا تتجاوز 25 في المئة.
إقرأ المزيد