هل تتحول إسرائيل من عدو إلى وسيط بأزمة السودان؟ (تحليل)
- وفد إسرائيلي زار الخرطوم الأربعاء في ظل أزمة داخلية تعصف بالسودان وطلب أمريكي لتل أبيب بالتدخل، وفق إعلام عبري
الخرطوم – صقر الجديان
** محلل سياسي الطاهر ساتي:
– زيارة الوفد الإسرائيلي إلى الخرطوم جاءت “لعرض وساطة تل أبيب في حل الأزمة السودانية
– الوفد الإسرائيلي ناقش مع واشنطن سبل حل الأزمة، بما يحقق مصالحه من التطبيع مع السودان
-الوفد الأمريكي التقى بالأحزاب السياسية في السودان، ومنظمات المجتمع المدني، وطبعا لديه تواصل مع تل أبيب حول الأزمة
لم تعد إسرائيل مجرد مراقب لتطورات الأوضاع السياسية بالسودان، بل ذهب مراقبون إلى أنها باتت “وسيطا” لحل الأزمة بهذا البلد العربي الذي لطالما رفع على مدار عقود “اللاءات الثلاث” بوجه الدولة العبرية.
إذ تحولت “اللاءات الثلاث” للسودان ضد التطبيع مع إسرائيل، إلى “نعم للمصالح المشتركة”.
واحتضن السودان قمة “اللاءات الثلاثة” المعروفة بقمة الخرطوم في 29 أغسطس/آب 1967، بعد هزيمة العرب في الحرب ضد إسرائيل، والتي اندلعت في 5 يونيو/حزيران من نفس العام.
وخرجت القمة العربية آنذاك بإصرار على التمسك بالثوابت من خلال لاءات ثلاث؛ “لا صلح، ولا اعتراف، ولا تفاوض مع العدو الصهيوني، قبل أن يعود الحق لأصحابه”.
واليوم، لم يعد سرا أن تزور الوفود الإسرائيلية الخرطوم، أو أن تتلقى تل أبيب دعوات من واشنطن للطلب من المكون العسكري السوداني، العودة إلى المرحلة الانتقالية بقيادة مدنية.
ويرى مراقبون أن تل أبيب دفعت بثقلها نحو حل الأزمة السودانية لتحقيق عدة أهداف من بينها، التسريع في عملية التطبيع بين البلدين نحو مصالح مشتركة اقتصادية وأمنية وعسكرية وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة، والتعاون المشترك في عدة مجالات مع الخرطوم.
والأربعاء، قالت هيئة البث الإسرائيلية (رسمية)،في نبأ مقتضب، إن وفدا إسرائيليا وصل العاصمة السودانية، فيما لاذت الخرطوم بالصمت، بينما لم تذكر هيئة البث، مزيدا من التفاصيل حول زيارة الوفد الإسرائيلي.
وتأتي الزيارة في ظل أزمة سياسية حادة يعيشها السودان، منذ أن أعلن الجيش في 25 أكتوبر/ تشرين أول الماضي حالة الطوارئ، وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، وإعفاء الولاة، عقب اعتقال قيادات حزبية ووزراء ومسؤولين، مقابل احتجاجات مستمرة ترفض هذه الإجراءات باعتبارها “انقلابا عسكريا”.
هذا الصمت من كلا الجانبين حول تفاصيل الزيارة، تستبطن عدة أوجه حول الدور الإسرائيلي في دعم المكون العسكري الذي ابتدر معه عملية التطبيع بعد أن أقدم رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، في خطوة مفاجئة بلقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو في 3 فبراير/ شباط 2020، في أوغندا.
ومنذ استقلال السودان في 1956، لم تنشأ أية علاقات ثنائية بين تل أبيب والخرطوم، بل شاركت الأخيرة في الحروب التي شهدتها المنطقة العربية ضد إسرائيل، وأرسلت جنودا للقتال في حربي 1967 و1973، كما شارك متطوعون سودانيون في حرب 1948.
** تساؤلات تل أبيب
وأثار الإعلام العبري، عاصفة من التساؤلات حول تأثير سيطرة الجيش على مقاليد الأمور في السودان، في ظل قلق دولي على تطورات الأوضاع.
وفي اليوم التالي من إجراءات الجيش السوداني في 26 أكتوبر، قالت هيئة البث: “في إسرائيل، جرت عدة مشاورات بشأن الانقلاب”.
وأضافت: “بحسب مصادر معنية بالموضوع، من المرجح أن تؤدي التحركات الأخيرة إلى تأخير انضمام السودان الرسمي إلى اتفاقات إبراهيم (اتفاقيات التطبيع)”.
كما تساءلت صحيفة “جروزاليم بوست” العبرية في 27 أكتوبر، “هل يضر انقلاب السودان بالعلاقات الإسرائيلية؟”
** طلب أمريكي لإسرائيل
وتعكس الرغبة الأمريكية في حل الأزمة السودانية ضرورة العودة إلى المسار المدني خلال المرحلة الانتقالية وصولا إلى الانتخابات.
وفي 17 نوفمبر/تشرين الأول الماضي، أفاد إعلام عبري، أن ممثلة واشنطن لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، طلبت من وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، “التدخل” في أزمة السودان، والعودة إلى “المرحلة الانتقالية بقيادة مدنية”.
وتمحور الطلب الأمريكي في أن تضغط إسرائيل “لتشكيل حكومة في السودان، وإنهاء الانقلاب العسكري”.
وفي 23 نوفمبر/تشرين ثان الماضي، اتهمت وزيرة الخارجية السودانية السابقة مريم المهدي، كلًا من مصر وإسرائيل بـ”دعم” ما وصفته بـ”الانقلاب العسكري” الأخير في بلادها، وسط نفي من القاهرة لذلك.
** وساطة إسرائيلية
الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الطاهر ساتي، يرى أن زيارة الوفد الإسرائيلي إلى الخرطوم جاءت “لعرض وساطة تل أبيب في حل الأزمة السودانية”.
وقال ساتيفي حديث نقلته وكالة الأناضول: “تختلف مهام هذا الوفد الإسرائيلي الذي زار الخرطوم في أن مهامه سياسية أكثر منها أمنية، وجاء للتوسط لحل الأزمة السياسية”.
وأشار إلى أن الوفد الإسرائيلي ناقش مع واشنطن سبل حل الأزمة، بما يحقق مصالحه من التطبيع مع السودان.
وأضاف ساتي، المقرب من دوائر صنع القرار بالخرطوم: “الوفد الأمريكي التقى بالأحزاب السياسية في السودان، ومنظمات المجتمع المدني، وطبعا لديه تواصل مع تل أبيب حول الأزمة”.
والخميس، أكد وفد أمريكي، أن بلاده لن تستأنف المساعدة المتوقفة للحكومة السودانية “قبل إنهاء العنف واستعادة حكومة بقيادة مدنية تعكس إرادة الشعب”.
ووقع البرهان ورئيس الوزراء (المستقيل) عبد الله حمدوك، في 21 نوفمبر الماضي، اتفاقا سياسيا تضمن عودة الأخير إلى رئاسة الحكومة الانتقالية، وتشكيل حكومة كفاءات، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين.
لكن في 2 يناير/ كانون الثاني الجاري، استقال حمدوك من منصبه، في ظل احتجاجات رافضة لاتفاقه مع البرهان، ومطالبةً بحكم مدني كامل، وسط سقوط قتلى وجرحى.
وذكرت سفارة واشنطن لدى الخرطوم، بوقت سابق، أن مساعدة وزير الخارجية للشؤون الإفريقية مولي في، والمبعوث الخاص للقرن الإفريقي ديفيد ساترفيلد، أكدا أن الولايات المتحدة لن تستأنف المساعدة لحكومة السودان، في غياب إنهاء العنف، واستعادة حكومة بقيادة مدنية تعكس إرادة الشعب.
ولفت ساتي، الذي يرأس تحرير صحيفة “اليوم التالي” السودانية، إلى أن “الوفد الإسرائيلي لديه مهام أخرى تتعلق باستكمال عملية السلام والتطبيع مع الخرطوم”.
واعتبر أن ذلك له “أثر إيجابي” على السودان، لأنه يحقق “منافع أمنية واقتصادية مع تل أبيب، من خلال استكمال التطبيع والسلام”، معتبرًا أن “السودان يحتاج إلى تحقيق مصالحه مع كل دول العالم بما في ذلك إسرائيل”.
وبحسب موقع “واللا” العبري، سعى البيت الأبيض في الأسابيع الأخيرة من عمر إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، تنظيم حفل توقيع رسمي بمشاركة نتنياهو والبرهان.
وكان أحد الخيارات، آنذاك، إقامة الحفل في العاصمة الإماراتية أبو ظبي، لكن الإغلاق في إسرائيل الذي تفرضه الحكومة للحد من تفشي وباء كورونا والتوترات الأمنية بين السودان وإثيوبيا أزالا الفكرة من جدول الأعمال، وفق ذات المصدر.
** ما قبل التطورات
وفي 25 يناير/كانون ثان 2021، أجرى وزير المخابرات الإسرائيلي إيلي كوهين، زيارة أولى من نوعها إلى السودان، التقى حينها بالبرهان، ووزير الدفاع السوداني السابق ياسين إبراهيم، ومسؤولين آخرين، وناقش معهم عددا من القضايا السياسية والأمنية والاقتصادية، بحسب هيئة البث الإسرائيلية.
وأشارت هيئة البث، إلى إن مسؤولين إسرائيليين في هيئات مختلفة، رافقوا كوهين في الزيارة، اجتمعوا مع نظرائهم في الخرطوم.
وأوضحت أن من بين المواضيع التي طُرحت على بساط البحث “إمكانية ضم إسرائيل إلى مجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن”.
وفي 23 أكتوبر 2020، أعلن السودان تطبيع علاقته مع إسرائيل، لكن قوى سياسية وطنية عدة، أعلنت رفضها التام للتطبيع، من بينها أحزاب مشاركة في الائتلاف الحاكم سابقا.
وفي 19 أبريل/ نيسان 2021، صادق مجلسا السيادة والوزراء بالسودان، “بشكل نهائي” على مشروع يلغي قانون مقاطعة إسرائيل القائم منذ عام 1958.
وإضافة إلى السودان، وقعت ثلاث دول عربية أخرى، هي الإمارات والبحرين والمغرب، اتفاقيات لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، برعاية أمريكية.
وأثارت هذه التطورات رفضا شعبيا عربيا واسعا في ظل استمرار احتلال إسرائيل لأراضٍ عربية ورفضها قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة.