هل تهدد مخيمات النازحين الأمن في دارفور؟ ومن هو يعقوب فوري الذي اتهمه حميدتي بممارسة القتل فيها؟
الخرطوم – صقر الجديان
تسببت الصراعات القبلية المستمرة في إقليم دارفور غربي السودان في تفاقم أزمة النزوح الداخلي، حيث تكتظ عشرات المعسكرات حول المدن الكبرى بآلاف الفارين من مناطق الاقتتال.
وقضى الكثير من هؤلاء قرابة العقدين في المخيمات لتعذر العودة إلى القرى الأصلية التي أحرق بعضها بالكامل، ويخشى السكان من هجمات جديدة على ما تبقى منها.
وازدادت الأوضاع سوءا خلال الأشهر الأخيرة مع احتدام النزاعات التي تبدأ عادة بحادثة جنائية صغيرة وما تلبث أن تتحول إلى قتال ضارٍ تفشل قوى الأمن الرسمية في منع تمدده، فيما تشير أصابع الاتهام على الدوام إلى تورط “قوات الدعم السريع” -التي يقودها محمد حمدان دقلو “حميدتي” نائب رئيس مجلس السيادة- في الصراعات المحلية وبالانحياز إلى القبائل العربية.
استقطاب سياسي
ولا تتوفر أرقام دقيقة عن عدد النازحين في المخيمات بدارفور، لكن آخر إحصائية حكومية في العام 2018 تحدثت عن تقلص عدد المخيمات من حوالي 70 إلى 39 معسكرا تضم نحو مليون و900 ألف نازح، وأن أكثر من 400 ألف عادوا طوعا إلى مناطقهم، ثم ارتفع عدد العائدين في 2019 إلى نحو 1.5 مليون بحسب مفوضية العودة الطوعية في دارفور، لكن تلك الأرقام تتأرجح مع نشوب صراعات جديدة تخلف في العادة آلاف الفارين الجدد.
وتشهد مخيمات النزوح في دارفور درجات عالية من الاستقطاب السياسي تستعصي على السلطات الرسمية، ولا سيما في مخيمي “كلما” بولاية جنوب دارفور، و”الحميدية” بوسط الإقليم، حيث يؤيد أغلب سكانهما حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور الذي يرفض الالتحاق بمساعي تسوية الأزمة في الإقليم.
اتهام مباشر
وخلال مخاطبته حشدا في محلية “بليل” بولاية جنوب دارفور هذا الأسبوع أثار قائد الدعم السريع محمد حمدان “حميدتي” حفيظة النازحين في عدة مخيمات بعد قوله إن المعسكرات باتت مهددا أمنيا، لافتا إلى ما وصفها بـ”ممارسات شنيعة” من بعض المنفلتين، بينها القتل والتعذيب.
وذكر المسؤول العسكري اسم “يعقوب فوري”، وقال إنه ظل يمارس عمليات القتل ودفن ضحاياه داخل المعسكر وتهديد كل من يتحدث أو يعترض بالقتل والسحل، وإن اثنين من أبناء عمه قتلهما فوري.
وقال حميدتي إن معظم الأحداث القبلية التي وقعت في دارفور “ثبت خلالها ضلوع منفلتين والاحتماء بالمعسكرات”، علاوة على “وجود أسلحة ثقيلة داخلها”، منتقدا الصمت حيال هذه الممارسات.
وبحسب قيادي أهلي تحدث للجزيرة نت من “نيالا” في جنوب دارفور، فإن حميدتي كان يقصد بتلك التصريحات تحديدا مخيم “كلما” أحد أكبر معسكرات النزوح التي تدين بالولاء لعبد الواحد نور، ويقع في محلية “بليل” (17 كلم شرق نيالا عاصمة جنوب دارفور) حيث وقعت أحداث العنف الأخيرة.
ويبدي القيادي تأييده تصريحات حميدتي من واقع الاستقطاب الكبير في هذه المخيمات وترويج قيادات النازحين فيها لمعارضة الحكومة وشيطنة قوات الدعم السريع باعتبارها المسؤولة عن كل الانتهاكات الأخيرة، كما يشير إلى أن معسكر “كلما” تحديدا خارج سيطرة الحكومة منذ سنوات، وبالتالي يبدو منطقيا أن يكون مأوى “للمتفلتين”.
من هو يعقوب فوري؟
وبحسب معلومات حصلت عليها الجزيرة نت، فإن يعقوب فوري -الذي اتهمه حميدتي بقتل ودفن ضحاياه في المعسكر- يُعد أحد شيوخ مخيم “كلما” وصاحب سطوة كبيرة، ويحظى بتقدير وسط النازحين، حيث يقدم لهم مساعدات وتسهيلات كبيرة ويعمل على حلحلة مشكلاتهم الداخلية من واقع منصبه كمنسق عام لمعسكرات النازحين واللاجئين في دارفور.
ويرفض الصادق علي حسن نائب رئيس هيئة محامي دارفور اتهامات حميدتي الموجهة إلى فوري باعتبارها “خارج نطاق الأجهزة العدلية والقضائية”، ومن شأنها تكريس الانفلات والفوضى وأخذ القانون باليد.
ويلفت حسن في حديثه للجزيرة نت إلى أن مخيمات النزوح واللجوء صنعتها الهجمات التي وقعت على مناطقهم ممن سماهم “عناصر اللجنة الأمنية للنظام السابق”، فهجروها قسرا.
ويضيف أن يعقوب فوري يقدم خدمات للنازحين واللاجئين، واتهامه وإدانته بلسان حميدتي على الملأ وخارج نطاق القضاء يهددان حياته، مشددا على أن النيابة والقضاء هما المنوط بهما توصيف مرتكبي الجرائم الجنائية وإصدار الأحكام.
إعلان حرب
بدوره، يعتبر المتحدث باسم المنسقية العامة للنازحين في دارفور آدم رجال تصريحات حميدتي بمثابة إعلان حرب ضد النازحين واستهداف قياداتهم، وإيجاد مبرر لتفكيك المعسكرات، وهي مساع قال إنها مبذولة منذ عهد النظام السابق ولم يكتب لها النجاح.
ويقول رجال للجزيرة نت إن يعقوب فوري “هو أحد الناجين من محرقة مليشيات الجنجويد وانتخبه النازحون واللاجئون منسقا عاما للمعسكرات، وظل لسنوات يدافع عن الحق في القصاص والعدالة والحرية وبناء دولة لكل السودانيين”.
وبحسب المتحدث، فإنهم عازمون على مخاطبة الأمم المتحدة ومجلس الأمن والاتحاد الأفريقي والمنظمات الحقوقية الدولية لتقديم شكوى ضد تصريحات حميدتي، ولا سيما أن “زعمه وجود أسلحة ومدافع في المعسكرات يمثل إعلان حرب على النازحين ومبررا لدخولها بالقوة”.
يشار إلى أن السلطات السودانية بدأت في العام 2008 مخططا لتفكيك معسكر “كلما” بالقوة، وسقط حينها ما لا يقل عن 150 قتيلا.
وفي العام 2011 وضعت لجنة حكومية في شمال دارفور النازحين أمام خيارين: إما العودة الطوعية إلى قراهم أو تمليك الرافضين للعودة قطع أراض، وتنتهي بذلك علاقتهم نهائيا بالنزوح والمعسكرات.
لكن النازحين رفضوا تفكيك المعسكرات، مؤكدين صعوبة الرجوع إلى مناطقهم لانعدام الأمن، ومع ذلك تواصلت محاولات حكومية عديدة لتفريغ المخيمات دون نجاح.
حساسية عالية
وطبقا للناشط الحقوقي المهتم بشؤون دارفور جمال ضحاوي، فإن العلاقة بين السلطات ومخيمات النزوح -خصوصا “كلما” و”الحميدية”- ظلت مشوبة بحساسية عالية، والحديث عن أنها “مهدد أمني” كان يطلقه أيضا قادة النظام المعزول من واقع ولاء أغلب قاطنيها لحركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور.
ويضيف ضحاوي في حديثه للجزيرة نت أن اتهامات حميدتي ليعقوب فوري مردها إلى مقتل 3 أشخاص -بينهم أحد العُمد من إثنية الرزيقات التي ينتمي إليها حميدتي- في يونيو/حزيران 2020 عندما ضلت سيارتهم طريقها ودخلت مخيم “كلما” فتعرضت لإطلاق نار كثيف.
ووفق ضحاوي، تشير تصريحات حميدتي إلى أن المكونات الاجتماعية في مخيم “كلما” تعبأت بشكل قوي ضد الحكومة والمليشيات التي ناصرتها من قوات حرس الحدود إلى الدعم السريع والتي تُتهم بالضلوع في عمليات القتل والتشريد الواسعة في دارفور.
ويستبعد الصحفي ضلوع فوري في عمليات قتل داخل المخيم الذي يضم ما لا يقل عن 320 ألف نازح موزعين على 9 مربعات يشرف على كل واحد منها “شيخ”.
كما أن طبيعة الموجودين في المعسكر وارتباط أغلبيتهم بصلات قربى يمنعان وقوع عمليات قتل داخله رغم وجود خلافات وتقسيمات داخلية بين المسؤولين عن الإدارة.
إقرأ المزيد