أخبار السياسة المحليةحوارات وتقارير

وعود البرهان المضلّلة: كيف يعيد العسكر إنتاج النظام القديم باسم الانتقال الديمقراطي؟

عودة الإسلاميين عبر “الباب الخلفي”

الخرطوم – صقر الجديان

منذ الإطاحة بنظام عمر البشير في 2019، شكّل السودان أملاً إقليميًا في إمكانية الخروج من حقبة الحكم العسكري والاستبداد. لكن هذا الأمل سرعان ما تلاشى مع تصاعد نفوذ المؤسسة العسكرية، وعودة رموز النظام القديم إلى الواجهة. وفي قلب هذه الانتكاسة يقف الفريق أول عبد الفتاح البرهان، الرجل الذي قطع وعودًا براقة للمجتمع الدولي، لينقضها بخطوات ميدانية تناقض مضمونها تمامًا.

لا يمكن التعويل على التصريحات العلنية للبرهان باعتبارها مؤشرات على نوايا حقيقية. بل إن التجربة السودانية في السنوات الأخيرة أثبتت أن هناك فجوة ضخمة بين القول والفعل، بين الخطاب الدبلوماسي والحقيقة الميدانية

الوعود الدولية… والواقع المعاكس

أمام المحافل الدولية، حرص البرهان على تقديم نفسه كضامن للانتقال الديمقراطي في السودان، متعهدًا بـ”الخروج من السياسة”، وتمكين المدنيين، وضمان الحريات العامة. بل ذهب أبعد من ذلك في مناسبات عديدة، مؤكدًا أن المؤسسة العسكرية “لن تتمسك بالسلطة”، وأنه “لا عودة للنظام السابق”.

لكن ما جرى على الأرض منذ انقلاب 25 أكتوبر 2021 أثبت العكس. فذلك الانقلاب أطاح بالحكومة المدنية التي كانت تمثل إحدى الركائز الأساسية لاتفاق الشراكة الانتقالية، وأعاد الجيش إلى واجهة السلطة. ومنذ ذلك الحين، يتزايد تمكين شخصيات محسوبة على الحركة الإسلامية التي حكمت السودان لعقود، خصوصًا داخل أجهزة الأمن والقضاء والإدارة المحلية.

في الوقت نفسه، جرى التضييق على الحريات، وإغلاق وسائل إعلام، واعتقال ناشطين وصحفيين، بينما توسّع نفوذ الميليشيات المرتبطة بالجيش، ما أفرغ أي حديث عن “انتقال ديمقراطي” من مضمونه.

عودة الإسلاميين عبر “الباب الخلفي”

ما يثير القلق بشكل خاص هو الدور المتنامي للحركة الإسلامية السودانية في مؤسسات الدولة، بدعم مباشر أو غير مباشر من البرهان. وتشير تقارير متعددة إلى أن العديد من القيادات الإخوانية التي أُبعدت بعد سقوط البشير قد عادت إلى مواقع النفوذ، إما عبر التعيينات أو من خلال التنسيق الأمني.

الخطورة لا تكمن فقط في هذه العودة، بل في ما تمثّله من نهج لإعادة إنتاج النظام القديم، مع غطاء جديد يتحدث عن “الاستقرار” و”محاربة الفوضى”. فالبرهان، عبر توظيف فزاعة الحرب الأهلية والاضطرابات الأمنية، يسعى لتبرير تمديد سيطرة العسكر، وفتح الباب أمام تحالفات مع تيارات لطالما كانت على خلاف مع تطلعات الشارع السوداني.

رسالة إلى المجتمع الدولي: لا تنخدعوا بالتصريحات

في ظل هذا الواقع، لا يمكن التعويل على التصريحات العلنية للبرهان باعتبارها مؤشرات على نوايا حقيقية. بل إن التجربة السودانية في السنوات الأخيرة أثبتت أن هناك فجوة ضخمة بين القول والفعل، بين الخطاب الدبلوماسي والحقيقة الميدانية.

والمجتمع الدولي، الذي اكتفى طويلاً بإصدار البيانات، مطالب اليوم باتخاذ موقف واضح، لا لبس فيه. فالمراهنة على العسكر لإدارة مرحلة انتقالية باتت مغامرة خاسرة، وتجعل من الدعم الدولي أداة لإطالة أمد الأنظمة السلطوية، لا لدعم الديمقراطية.

على الدول والمنظمات المعنية أن تعيد تقييم سياساتها تجاه السودان، وأن تربط أي دعم سياسي أو اقتصادي بخطوات ملموسة، أولها وقف إعادة تمكين النظام السابق، وثانيها تسليم السلطة لقيادة مدنية حقيقية تعبّر عن الشعب، لا عن مراكز القوة في الخرطوم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى