السودان: إضرابات جديدة في أسواق مدن رئيسية احتجاجا على زيادة الضرائب
الخرطوم – صقر الجديان
بدأ التجار وأصحاب محطات الوقود في مدينة كوستي الواقعة في ولاية النيل الأبيض، جنوب العاصمة الخرطوم، الأحد، إضرابا عاما عن العمل، احتجاجا على فرض السلطات زيادات ضريبية وصلت إلى 1000٪، بينما ينتظر أن تعود الأسواق والمحال التجارية للإغلاق في ولاية القضارف، شرق البلاد، اليوم الإثنين، حسب إعلان الغرفة التجارية في الولاية.
الأمين العام للغرفة التجارية في ولاية القضارف، أسعد الضوء إبراهيم قال لـ« القدس العربي» إنهم سيعاودون الإضراب، وينفذون وقفة احتجاجية أمام مكاتب الاستئناف الخاصة بالضرائب، مبينا أن السلطات طلبت منهم تقديم طلب إلى اللجنة لإعادة تقييم الضرائب غير المنطقية بالأساس.
وسبق لتجار القضارف أن نفذوا إضرابا استمر لأيام منتصف الشهر الماضي.
وحسب إبراهيم، التجار يرفضون تقديم طلبات للجنة لأن هذه الخطوة تعتبر إقرارا بالزيادات الجديدة في الضرائب التي وصلت إلى 1000٪، في وقت تعاني الأسواق من الركود وضعف القوة الشرائية، بسبب التضخم والأزمة الاقتصادية الراهنة في البلاد.
ووصف الزيادات بـ«غير القانونية» مؤكدا أنهم «سيمتنعون عن دفعها بينما يواصلون الاحتجاج» مؤكدا أن السلطات لن تستطيع إجبارهم على دفع الزيادات، حتى لو أدخلتهم إلى السجون.
وقال إن المسؤولين في الدولة يجب أن يدركوا أن البلاد فقدت إيرادات ضخمة بسبب الجبايات غير المنطقية، مضيفا: «لا توجد دولة تمول ميزانيتها من الضرائب والجبايات».
ويشهد عدد من الأسواق المحلية في السودان، موجة من الإضرابات، في أعقاب فرض السلطات الزيادات الضريبية الأخيرة.
وبدأت احتجاجات التجار في مدينة تمبول في ولاية الجزيرة، وسط السودان، وبعدها تصاعدت الإضرابات في أسواق ولاية سنار وإقليم النيل الأزرق جنوب شرق البلاد والقضارف في الشرق، والتي تعود إلى الإضراب مجددا الإثنين.
وكانت نقابة سائقي الشاحنات والباصات السفرية، أغلقت الخميس الماضي عددا من جسور العاصمة الخرطوم احتجاجا على زيادة السلطات رسوم العبور.
وأصدرت وزارة المالية، الأسبوع الماضي، وفق توصية من هيئة الطرق والجسور، قرارا قضى بزيادة رسوم عبور الطرق القومية بنسبة 600 ٪، استناداً إلى مقترحات صادقت عليها وزارة المالية والاقتصاد.
وتأتي الزيادات الضريبية في وقت يعاني السودانيون من موجة من الغلاء وارتفاع أسعار السلع والخدمات. وفي مقابل الزيادات العالية في أسعار السلع الأساسية، التي ترتبت على رفع الدعم، تراوح أجور الموظفين والعمال السودانيين مكانها، الأمر الذي تسبب في موجة واسعة من الإضرابات.
وتشهد ولايتا شمال وجنوب دارفور، غرب السودان، إضرابا شاملا في جميع مؤسسات الخدمة المدنية، منذ منتصف أغسطس/ آب الماضي، حيث يؤكد الموظفون والعمال أنهم لن يعودوا إلى مكاتبهم إلا في حال دفع الحكومة كافة الأجور المتأخرة منذ مارس/ آذار الماضي واعتماد هيكل راتبي جديد يتناسب مع الغلاء المعيشي في البلاد.
وكان حزب «التجمع الاتحادي» في ولاية القضارف، قد وصف مضي السلطات في زيادة الضرائب بالمنحى الخطير، مؤكدا أن ذلك ستكون له آثاره السالبة على الحركة الاقتصادية وسيؤدي إلى إضعاف الأعمال التجارية وإصابتها بالشلل حال توقف أصحاب الأعمال.
ولفت إلى أن هذه الضرائب الباهظة ستجعل من الصعب على التجار القيام بسدادها لأنها ستؤدي إلى تآكل رؤوس أموالهم، كما أنها ستنعكس سلبا على أسعار السلع والخدمات وستؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم في البلاد.
وندد بسياسات وزارة المالية السودانية، مشيرا إلى أنها أدت مؤخرا إلى توقف أكثر من (5) آلاف مصنع بسبب الضرائب والرسوم وزيادات الكهرباء وبقية تكاليف التشغيل، كما أنها أدت إلى تحجيم التمويل الزراعي وتقليص المساحات الزراعية في الموسم الحالي، بجانب ضعف النشاط التجاري بسبب مشكلات التمويل.
وقال إن فشل السياسات الاقتصادية التي يتبعها وزير المالية، جبريل إبراهيم، جعل حكومته تعتمد بصورة رئيسية على المواطن لتغطية عجز ميزانيتها، مؤكدة أنها سياسات سيكون لها ضررها البالغ على مجمل الحركة الاقتصادية بالبلاد.
وكانت الحكومة الانتقالية قد مضت في خطوات واسعة للإصلاح الاقتصادي، سرعان ما قوضها انقلاب القائد العام للجيش السوداني عبد الفتاح البرهان على الحكومة الانتقالية في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وعقب موجة من الانفتاح الاقتصادي، أوقف المجتمع الدولي جملة من المساعدات والمنح للسودان تقدر بنحو 4.5 مليار دولار، كما أعلن نادي باريس تعليق إعفاء ديون السودان، وإيقاف توقيع الاتفاقات الثنائية وتعليق تنفيذ برنامج صندوق النقد الدولي، إلى حين تحسن الأوضاع في البلاد٫ مؤكدا أنه سيراقب الأوضاع في البلاد عن كثب، بالتعاون الوثيق مع المؤسسات النقدية الدولية.
ووفق ما قال الخبير الاقتصادي، معتصم الأقرع لـ«القدس العربي» فإن «الزيادات التي فرضتها السلطات ستؤدي إلى انخفاض أرباح التجار وستؤدي لخسائر فادحة لآخرين، الأمر الذي قد يؤدي إلى خروجهم من السوق أو تقليل حجم نشاطهم، وهذا سيسفر عنه تراجع عام في النشاط الاقتصادي والذي قد تتسبب تداعياته في انكماش الاقتصاد في البلاد».
وأشار إلى أن «بعض التجار سيتجهون إلى رفع أسعار السلع لتغطية قيمة الضرائب، الأمر الذي سيلقي بآثاره على المواطنين».
ومع زيادة الأسعار «سيقل الطلب على السلع، حيث سيقوم المستهلكون بتقليل حجم المشتريات» وفق الأقرع الذي أشار إلى أن «تراجع الإنتاج والتجارة والاستهلاك، سيؤدي إلى مزيد من الإفقار وتباطؤ النمو، وما يعرف بالنمو السلبي».
ووصف قرارات زيادة الضرائب بـ«غير المدروسة» مؤكدا أنها «غير مبنية على أي منطق اقتصادي».
وقال إن «الحكومة تحاول من خلال زيادة الضرائب تغطية مصروفاتها المتزايدة، وإن ما تقوم به في الصدد سيهزم الاقتصاد السوداني، وسيؤدي إلى تراجع الإنتاج» مشيرا إلى أن ذلك «سيعود ويؤثر على السلطات في البلاد وستكون نتائجه عكسية لأن العائد الضريبي سيتراجع».
وأضاف: أن «تراجع النشاط الاقتصادي سيؤدي إلى تراجع العائد الضريبي» مشيرا إلى أن خروج التجار والمنتجين من السوق، وزيادة الأسعار على المستهلك سيؤديان بالمجمل إلى زيادة المعاناة الاقتصادية في البلاد والتي ستنتج عنها ضغوط سياسية ومزيد من الانفلات الأمني بسبب زيادة حدة الفقر.
معالجات سريعة
ورأى الخبير الاقتصادي محمد الناير، في حديثه لـ«القدس العربي» أن موجة الإضرابات التي تنامت مؤخرا بشكل كبير في قطاعات الدولة بسبب زيادة الضرائب والرسوم ومن أجل تحسين الأجور، تتطلب معالجات سريعة تقلل من آثارها.
وقال إن «السلطات يجب أن تؤمن الحد الأدنى لمستوى المعيشة للعاملين في القطاع الحكومي» داعيا إياها «للبحث عن زيادة إيراداتها بشكل حقيقي في موازنة 2030 بالاستفادة من موارد البلاد، دون المساس بجيب المواطن».
تقديرات غير واقعية
وفيما يتعلق بالعاملين في النشاطات التجارية والأسواق، قال إن «الزيادات صاحبتها تقديرات غير واقعية، الأمر الذي أدى إلى امتناع العاملين في القطاع عن سدادها» مشيرا إلى أن «حصيلة الدولة الضريبة لا تأتي بالزيادة الرأسية، وإنما بتوسيع المظلة الضريبية أفقيا والحد من التهرب الضريبي».
وأشار إلى «تضرر قطاع النقل من تكاليف الإنتاج وأسعار الوقود وارتفاع رسوم العبور بنسبة في 600٪، الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة تكاليف ترحيل السلع والمواطنين».
وطالب السلطات بأن «تعمل في موازنة العام المقبل، على دفع الاستقرار الاقتصادي والتخفيف على المواطنين» مشيرا إلى أن «الاقتصاد السوداني يعاني من ركود تضخمي منذ فترة، بينما تشهد أسعار السلع زيادة كبيرة» مؤكدا على أن «تصاعد الإضرابات وامتناع التجار عن الدفع ستكون له تأثيرات اقتصادية كبيرة».
ولفت إلى أن أي «زيادات في الضرائب يجب أن تتم بالتراضي مع أصحاب العمل لجهة أن التجار هم الممولون لخزينة الدولة إلى حد كبير، في وقت اعتمدت فيه السلطات الضرائب غير المباشرة المرهقة للمواطنين، مبينا أن» 80٪ من جملة الإيرادات الضريبية تأتي من القيمة المضافة، والتي يدفعها السواد الأعظم من السودانيين».
إقرأ المزيد