أخبار السياسة العالمية

الغنوشي بخطابين ووجهين: في الداخل مع التوافق وفي الخارج يلوّح بالاعتصامات

تونس – صقر الجديان

لا يخرج رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي عن مسار الإسلاميين القائم على الازدواجية وتلون المواقف، وهو ما تعكسه تصريحاته بشأن ما يجري في تونس التي أكدت أن لديه لسانين، واحدا للتونسيين وآخر للغربيين.

ويصدر الغنوشي في الداخل بيانات وتصريحات تدعو إلى التهدئة والحوار والتضامن، لكن حين يتحدث إلى وسائل إعلام غربية يحرص على أن يسمع الغربيين ما يحلو لهم سماعه مثل التخوف على الديمقراطية والتلويح بالاعتصامات وبناء جبهة “ضد الانقلاب”.

وتشير هذه الأوساط إلى أن ما يهم النهضة حاليا، بعد فشل خيار اللجوء إلى الشارع لاستعادة البرلمان، هو ألا تبدو كخصم وحيد لقيس سعيد، وتسهل من ثمة مواجهتها سياسيا وأمنيا، وهي تتخوف من تكرار تجربة المواجهة مع الدولة في 1990.وتقول أوساط تونسية إن استراتيجية الغنوشي تقوم على التهدئة في الداخل وتليين للخطاب بشكل يحول دون المواجهة مع المؤسسة العسكرية التي تحمي المرحلة الجديدة، خاصة أن أغلب الطبقة السياسية -بمن في ذلك حلفاء النهضة- قد بدأت بالقفز من مركب المعارضة لإجراءات قيس سعيد واللحاق بجبهة الداعمين بحثا عن موقع ولو هامشي.

لكن مسار التهدئة يقف عند التصريحات في الداخل، أما في الخارج فالأمر مختلف بالنسبة إلى الغنوشي الذي يريد أن يستثمر علاقات الإسلاميين ببعض وسائل الإعلام الغربية التي تتعامل مع الشأن العربي بدكتاتورية وديمقراطية.

ويتقصد الغنوشي عدم الإشارة إلى أن قيس سعيد منتخب ديمقراطيا وبأعلى أصوات في تاريخ الانتخابات الرئاسية والتشريعية في تونس.

وقال رئيس حركة النهضة، لوكالة أسوشيتيد برس في مكالمة فيديو، إن الهدف بالنسبة إلى حركة النهضة هو الضغط على الرئيس سعيد لأجل “العودة إلى النظام الديمقراطي”، واصفا الآلاف من الذين خرجوا الأحد للتظاهر ضد الحركة بأنهم “أقرب إلى الجماعات الفوضوية”.

وأضاف الغنوشي أنه وحركته يتجهان “نحو تصعيد الضغط على الرئيس سلميا”، ملوّحا بالاحتجاجات والاعتصامات كعنصرين من بين عناصر هذا الضغط. كما كشف عن التخطيط لبناء “أوسع جبهة ممكنة من أجل إقناع الرئيس في نهاية المطاف بالخضوع لإرادة الشعب والعودة إلى النظام الديمقراطي”.

ويعتقد مراقبون أن الغنوشي يسعى لتحريض لوبيات غربية معروفة بتعاملها مع الإسلاميين من أجل ممارسة ضغوط على قيس سعيد ومنعه من التقدم في تنفيذ خارطة طريق للخروج من الأزمة السياسية الحادة التي عاشتها البلاد في الأشهر الأخيرة، خاصة بعد أن أبدت دول غربية مؤثرة تفهمها لقرارات الرئيس التونسي ورأت فيها تحركا ضمن صلاحياته الدستورية.

وقالت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان إن وزير الخارجية جان إيف لو دريان أبلغ نظيره التونسي عثمان الجرندي الأربعاء بأن من الأهمية بمكان أن تعين تونس رئيسا جديدا للوزراء وحكومة على وجه السرعة.

ويحاول رئيس حركة النهضة أن يروّج لفكرة أن ما يسميه بـ”الانقلاب” يلقى معارضة كبيرة بين الأحزاب والمنظمات الحقوقية والاجتماعية من أجل تأكيد أهمية الضغط الخارجي على قيس سعيد. ولا يعرف إن كانت “الجبهة” التي ستعلن عنها حركة النهضة تضم أحزابا معروفة وخاصة من الحزام السياسي لحكومة هشام المشيشي أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد تجميع لأسماء ومنظمات مجهولة.

وتراهن النهضة على هذه الجبهة من أجل الوقوف في وجه القرارات التي يمكن أن يأمر بها الرئيس سعيد أو القضاء التونسي في حال قرّر فتح ملفات الحزب الإسلامي أو قياداته البارزة، مثل موضوع الدعم المالي الخارجي، أو قضايا الفساد واختراق المؤسسات.

ويرى المراقبون أن الاتجاه العام في البلاد الداعم لقرارات قيس سعيد لن يسمح للنهضة بأي مناورة جديدة يمكن أن تنفذ منها من مسار المحاسبة وتفكيك نفوذها داخل الحكومات السابقة، وهو مسار بدأت ملامحه تظهر من خلال سلسلة من الإقالات والقضايا القضائية.

وفي خطوة لافتة أعلن القضاء التونسي الأربعاء أنه فتح تحقيقاً في الـ14 من يوليو ضد أحزاب من بينها حركة النهضة وقلب تونس بتهمة تلقي “تمويل خارجي وقبول هبات مجهولة المصدر خلال الحملة الانتخابية في العام 2019″، وهو ما أعطى انطباعا بأن القضاء بدأ يتحرر من الضغوط السياسية للحكومة المقالة وحزامها السياسي.

وينتظر أن ينعكس هذا الوضع على النهضة في ظل بوادر انقسام داخلي في تقييم المرحلة خاصة رغبة الغنوشي والمحيطين به في اللجوء إلى الشارع والتلويح بالعصيان المدني لإظهار وزن النهضة ميدانيا. في مقابل ذلك يوجد تيار يقوده عبداللطيف المكي يعارض التصعيد ويدفع نحو إيجاد حلّ عبر الحوار.

وحث المكي في تدوينة على صفحته الرسمية في فيسبوك على “وقْف الخطاب الهائج والأخرق من كل الاتجاهات باتجاه خطاب الحكمة والبحث عن الخروج من الأزمة واحترام رموز الدولة و مؤسساتها”، وهو ما يدعم التسريبات التي تحدثت عن خلافات في اجتماع يوم الاثنين بين المكي والغنوشي.

من جهته، حث القيادي المستقيل لطفي زيتون حركة النهضة على “التفاعل الإيجابي مع قرارات الرئيس وتجنب أيّ تصعيد واستثمار هذه المحطة للقيام بالإصلاحات والمراجعات الضرورية”.

وطالب زيتون في تصريحات صحافية السياسيين بـ”التوقف عن رمي المشاكل على الجهات الأجنبية واتهام الناس بأنهم مأجورون”، في إشارة إلى تصريحات الغنوشي التي اتهم فيها الإعلام الخارجي بالوقوف وراء قرارات قيس سعيد واستهداف النهضة، والتقليل من قيمة المحتجين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى