أخبار السياسة المحلية

بحثا عن السلام.. السودان يطرق باب “الفيدرالية” مجددا

الخرطوم – صقر الجديان

ترحيب وتفاؤل حذر فرض نفسه بقوة على المشهد السوداني، عقب مرسوم دستوري يقضي بعودة نظام الحكم الإقليمي للبلاد، عوضا عن “الولايات”.

ويستند أصحاب الرأي المتفائل إلى العصر الذهبي لنظام الحكم الإقليمي عندما طبقه الرئيس الأسبق الراحل جعفر نميري (الرئيس الرابع لجمهورية السودان خلال الفترة من 25 مايو/أيار 1969 إلى 6 أبريل/نيسان 1985) والذي أسهم في تحقيق الأمن والاستقرار وقدر معقول من التوزيع العادل للموارد، وفق مؤرخين.

ويعتقد خبراء أن تطبيق النظام الفيدرالي في السودان ربما ينهي كثيرا من الإشكالات التي حدثت بسبب حكم “الولايات” الذي أوجده نظام المعزول عمر البشير، والذي جعل السلطة مركزية مما أدى لحروب أهلية ضارية.

في المقابل، يخشى البعض من مقاومة المكونات التي استفادت من نظام الولايات، بما يعيد إنتاج الصراع على الامتيازات والمكاسب السياسية في الأقاليم.

ورغم هذه المخاوف يسود إجماع أن إلغاء نظام حكم “الولايات” كفيل بإنهاء ما يعرف بصراع المركز والهامش الذي أفرزه، فطالما اتهمت المكونات بأطراف السودان، النخب في العاصمة بالتغول على حقوقها في التنمية والثروة، بجعل السلطة “مركزية”.

وأدى هذا الصراع إلى نشوب حرب في إقليم دارفور، وشرقي السودان وجنوبه، بعد حمل مجموعات السلاح ضد حكم المعزول عمر البشير بدعوى التهميش السياسي والاقتصادي.

نظام الحكم الإقليمي

وتصدر مطلب تطبيق نظام الحكم الإقليمي الأجندة التفاوضية للحركات المسلحة المنضوية تحت تحالف الجبهة الثورية حتى تم إقرار الأمر ضمن اتفاقية السلام الموقعة مع الحكومة الانتقالية في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وإنفاذا لاتفاقية السلام، أصدر رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، أمس الخميس، مرسوما دستوريا بإنشاء نظام الحكم الإقليمي، وهو ما يمهد لعودة التجربة للبلاد بعد غياب 3 عقود.

ومن المقرر عقد مؤتمر للحكم الفيدرالي في مايو/أيار المقبل، لتحديد عدد الأقاليم وحدودها، وفق اتفاقية جوبا للسلام في السودان.

ويقول الخبير السياسي الدكتور حاج حمد محمد خير، إن نظام الحكم الإقليمي له فوائد كبيرة حال تم تطبيقه بالصورة المثلى، أهمها تقصير الظل الإداري وإنهاء الترهل في أجهزة السلطة، وقد حققت التجربة نجاحات في الحقب السابقة.

لكن حمد الذي تحدث لـ”العين الإخبارية” يرى كثيرا من التعقيدات التي قد تعترض طريق هذه التجربة، وهي كيفية اختيار حاكم الإقليم في ظل الحساسية القبلية العالية والتباينات الحادثة بين المكونات القبلية، بجانب بيروقراطية محتملة من النخب في السلطة المركزية.

ونبه إلى أن هذه المسائل يجب أن “تناقش بصورة مستفيضة في مؤتمر الحكم الإقليمي والذي يجب أن يشارك فيه خبراء وإدارات أهلية حتى لا نشهد تجربة مفرغة المحتوى والمضمون”.

وأشار إلى أن السودان بحاجة إلى إنهاء الترهل الإداري والجيوش الجرارة من المسؤولين، فقد كان يدار بثلاثة حكام فقط خلال فترة الاستعمار البريطاني وكان فيه 12 مليون نسمة.

وعرف السودان الحكم الإقليمي خلال حقبة الاستعمار البريطاني، وظلت التجربة مستمرة حتى بعد الاستقلال في عهد الحكومات الوطنية إلى أن جاءت سلطة الإخوان بانقلاب عسكري عام 1989، وأنشأت “نظام الولايات” السائد حاليا.

تجربة سابقة

وتوقع المحلل السياسي الجميل الفاضل، أن ينهي نظام الحكم الفيدرالي كثيرا من الأزمات التي خلفتها “الولايات” بحكم التجربة السابقة في السودان، ومن هنا كانت رغبة قوى الكفاح المسلح.

ويرى الفاضل الذي تحدث لـ”العين الإخبارية” أن المرسوم الذي أصدره رئيس مجلس السيادة يمثل وفاء لاستحقاق اتفاقية السلام، وينبغي حسم كثير من الأمور خلال مؤتمر الحكم الإقليمي المرتقب، كمسألة التشريعات التي تفصل في المهام والسلطات التي تضمن التخلص من مركزية السلطة.

ورأى أن بعض المكونات القبلية حققت مكاسب وامتيازات بموجب الوضع القائم (نظام الولايات) التي عمد النظام المعزول إلى تقسيمها على أساس سياسي، وربما تقاوم حواضرها الاندماج في إقليم واحد.

ويتوقع الجميل، أن يسهم نظام الأقاليم في تحقيق القدر المطلوب من الاستقرار والعدالة في قسمة الثورة، شريطة حسم الإشكالات التي قد تنجم خلال مؤتمر الحكم القادم.

بدوره، يقول نائب رئيس حزب الأمة القومي صديق إسماعيل إن تجربة حكم الأقاليم على مدى التاريخ السودانب تبدأ بصورة ممتازة وتواجه بالانتكاسة بعودة السلطة إلى قبضة المركز من جديد.

وأضاف إسماعيل خلال حديثه لـ”العين الإخبارية” أنه كان يتمنى عدم صدور مرسوم دستوري بإنشاء نظام الحكم الإقليمي، وترك هذه القضية إلى المؤتمر ليقرر فيها.

واعتبر أن هذه قضية كبيرة وحساسة ولا ينبغي أن ترهن لإرادة مجموعة محدودة من السودانيين، فهذا نهج غير ديمقراطي قد تفرز عنه إشكالات كبيرة.

تجربة رائدة

ورغم طول الغياب، ما زال “الحكم الإقليمي” عالقا في ذاكرة السودانيين كتجربة رائدة حققت نجاحات كبيرة في حقبة الرئيس نميري خلال 1969 – 1985م، بجانب فترة الديمقراطية الثانية التي قادها الراحل الإمام الصادق المهدي.

وكان السودان وقتها يقسم إلى 6 أقاليم بينها دارفور، كردفان، الإقليم الأوسط، والجنوبي، والشرقي، على كل أقليم حاكم واحد تعينه الحكومة المركزية، وبداخلها مديريات ومحافظات يرأسها موظفو خدمة مدنية.

وعندما استولت الجبهة الإسلامية الإخوانية على السلطة بانقلاب عسكري عام 1989، طبقت نظام الحكم عبر الولايات، وقسمت البلاد إلى 26 ولاية وتقلصت إلى 18 ولاية عقب انفصال جنوب السودان ولا تزال مستمرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى