«بوغدانوف» في السودان ..تفاهمات عسكرية متقدمة تخلط الاوراق
بورتسودان – صقر الجديان
نجحت زيارة المبعوث الروسي إلى الشرق الأوسط وإفريقيا ميخائيل بوغدانوف، إلى السودان مؤخرا ،في الوصول لتفاهمات متقدمة مع الحكومة العسكرية فيما يخص الدعم المتقدم للجيش الذي يقاتل الدعم السريع منذ أكثر من عام، ومن شأن هذه الاتفاقيات التي شملت الجوانب العسكرية واعادة النظر في انشاء قاعدة عسكرية لروسيا في بورتسودان على ساحل البحر الأحمر خلط الأوراق والتحالفات ورفع حدة الصراع الدولي على النفوذ في المنطقة الاستراتيجية.
وقبل زيارة المسؤول الروسي الى السودان الاسبوع الماضي، زار مدير جهاز المخابرات السوداني أحمد مفضل موسكو في رحلة خاصة أحاطت بها عديد من علامات الاستفهام مع تداعيات الحرب وتقلب الملف السوداني بين القوى الدولية والإقليمية.
ترتيب الصفقات
وحرص المسؤول الروسي خلال زيارته التي رافقه خلالها وفد عسكري على عقد اجتماعات منفصلة مع القادة العسكريين في الجيش السوداني، كما التقى بوزير المعادن وحده، ما يشير إلى ترتيب لإبرام صفقات ذات صلة، بحسب ما تحدث به دبلوماسي لـ”سودان تربيون”.
وأكد الدبلوماسي الذي طلب حجب اسمه لأنه غير مخول بالحديث لوسائل الإعلام، أن الوفد الروسي ناقش في كافة لقاءاته ببورتسودان التوسع في إنتاج الذهب وجوانب التعاون العسكري.
ويشير الدبلوماسي الذي حضر جانباً من المباحثات الى أن المسؤول الروسي نقل لقيادات الجيش السوداني تعهدات من بلاده بدعم منظومة التسليح العسكري بأسلحة حديثة، إضافة إلى المساهمة في تطوير منظومة الدفاع الجوي السودانية.
وناقش المسؤول الروسي ما وصفها الدبلوماسي، بملفات التعاون الأخيرة بين قيادات الجيش وأوكرانيا، مقدما بحسب حديثه، استفسارات حول مستوى التعاون العسكري معها.
وأشار الدبلوماسي إلى أن قادة الجيش وافقوا، ونقلوا تأكيدات للمسؤول الروسي بأنهم يدرسون ويعملون على تلبية طلب موسكو لإنشاء القاعدة الروسية في بورتسودان، والتي تأخر إنشائها في السابق.
وقال قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، في الأول من نوفمبر 2021، إن هناك اتفاقا مع روسيا يتضمن إنشاء قاعدة بحرية تحتاج إلى إزالة بعض الملاحظات قبل تنفيذها، مؤكدا أن هذه الاتفاقيات سيستمر تنفيذها حتى نهاية العام. نهاية.
تنافس دولي
وبحسب التحليلات التي تتحدث عن تلويح النظام العسكري الحاكم في السودان بالورقة الأخيرة التي يمثلها مشروع التدخل الروسي الإيراني بعد دخول البلاد في صراع على النفوذ الشرقي والغربي، فإن الساحة السودانية المليئة بالحرب أصبحت مسرحاً لصراع الهيمنة والتخبط وخلط الأوراق.
ويرى المحلل السياسي عباس صالح في حديث لـ”سودان تربيون” أن الهيمنة والنفوذ المحتدم حاليا بين روسيا من جهة والقوى الغربية من جهة أخرى، بدأت تتخذ من السودان ساحة وتمثل المراحل القادمة من نتائج وسيناريوهات هذا الصراع، سببا في اشتداد الصراع الدولي والإقليمي في السودان.
ويقول صالح إنه في ظل المنافسة الدولية الشديدة والتدخلات الإقليمية، يشكل السودان اليوم ساحة فريدة لروسيا التي تسعى إلى تعزيز نفوذها في القارة الأفريقية وتسعى إلى التوسع وملء أي فراغ تتركه، كما حدث في أفريقيا خاصة الساحل مؤخرا.
ويضيف أن طبيعة التدخل الخارجي في الصراع الحالي وفر لروسيا فرصة ثمينة لتعزيز حضورها في ساحة البحر الأحمر التي يحتدم الصراع حولها أيضاً.
ويرى صالح، أنّ على الصعيد العسكري تكتسب روسيا أهمية كبرى بالنسبة للسودان الذي يواجه حرب استنزاف مدمرة ويحتاج لتأمين إمداد عسكري عاجل يشكل أولوية في العلاقات الثنائية للقيادة العسكرية في هذه المرحلة.
ويشدد على أن التعاون الحالي يوفر إطاراً يمكن البناء عليه في إعادة بناء القدرات العسكرية للبلاد في مراحل ما بعد الحرب، بجانب أي دعم يمكن أن تقدمه موسكو سيكون مفيداً لحكومة الحرب الحالية في السودان التي تواجه تحديات داخلية وضغوط خارجية متعددة الأبعاد.
كذلك، يرى صالح، انه في خضم التدخلات والضغوط الغربية، بالنسبة للحكومة التي يقودها رئيس مجلس السيادة الانتقالي يمثل الانفتاح على روسيا أهمية جيوسياسية مهمة جداً، خاصة وأن موسكو يمكن أن توفر “حماية” للسودان في مجلس الأمن الدولي ضد أي توجه محتمل لفرض عقوبات تستهدف قادة الجيش ومؤسساته كطرف أو الأطراف الداعمة له، أو محاولات لتمرير سيناريو تقسيم البلاد على غرار ليبيا أو اليمن، أو تشكيل حكومة بديلة قد يُصار للبحث عن اعتراف دولي بها.
ويتابع إن الضغوط التي تُمارس على القوات المسلحة وبعض التحركات الاقليمية تهدف لنزع الشرعية عن الحكومة والجهات الداعمة لها سياسياً على مستوى الداخل في حربها ضد تمرد قوات الدعم السريع، وبالتالي إضعاف مواقفها التفاوضية، سواءً في منبر جدة برعاية السعودية والولايات المتحدة أو أي منبر آخر برعاية الاتحاد الأفريقي أو إيغاد، تسعى الحكومة الحالية في السودان من خلال توثيق التعاون مع روسيا لموازنة تلك الضغوط والتخفيف من فاعليتها.
ويذكر صالح، إن تعزيز التعاون مع روسيا في هذه المرحلة سوف يخاطب هواجس السودان تجاه بعض أنشطة مجموعة فاغنر، سواءً في البلاد أو محيطها الإقليمي، ومن ثم العمل على إحباط أي تحرك مضاد لهذه المجموعة ضد السودان في ظل الهشاشة التي تمر بها الدولة السودانية.
ساحة المنافسة
ويبدي أستاذ العلاقات الدولية محمد إدريس، في مقابلة مع “سودان تربيون”، قلقه من تحول السودان إلى ساحة تنافس بين أوكرانيا وروسيا من جهة، وبين إيران وبعض دول الخليج.
وأشار إدريس إلى تقارير غربية عن دعم أجهزة المخابرات الأوكرانية للجيش السوداني وتنفيذ قواتها الخاصة عمليات داخل السودان ضد ضباط تابعين لجماعة “فاغنر”.
وقالت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية قبل شهرين، إن القوات الخاصة الأوكرانية تهدف إلى تقويض العمليات العسكرية والاقتصادية الروسية في الخارج.
ويرى إدريس أن زيارة المسؤول الروسي أدت إلى خلط الأوراق، إذ تضع موسكو عينها على القاعدة البحرية والذهب والبحر الأحمر، بينما تسعى كييف إلى تحييد النفوذ الروسي وحركة مجموعة فاغنر.
ويقول إنّ الغموض الذي شاب العلاقات السودانية الروسية مؤخرا والتقارير المساندة لعمل أوكرانيا بالداخل السوداني عجلت بزيارة المسؤول الروسي لإزالته ومحو أي فرص لأوكرانيا المدعومة من الغرب من التأثير على السلطة السودانية.
وينوه إدريس، إلى محاولة السلطات السودانية قطع العلاقة بين قوات الدعم السريع ومجموعة “فاغنر” بمساعدة الروس بعد الربكة العالية التي اشعلها ذلك التعاون والتدريب والتسليح.
والأسبوع الماضي، كشفت مصادر مطلعة لـ “سودان تربيون” عن تفاصيل المباحثات السودانية الروسية التي جرت مطلع مايو في مدينة بورتسودان، والتي تناولت تبادل الدعم السياسي والتعاون الاقتصادي والعسكري، بما في ذلك عرض روسيا تقديم مساعدات عسكرية نوعية للجيش السوداني.
وقال مصدر عسكري إن الوفد الروسي عرض على الجانب السوداني تقديم مساعدات عسكرية نوعية “بلا سقف”، وذلك في إطار سعي روسيا لتعزيز علاقاتها العسكرية مع السودان.
وأفاد المصدر أن هذا العرض يشمل خبرات عسكرية نوعية قد تتطلب وجودًا روسيًا على الأرض السودانية.