أخبار السياسة المحلية

«واشنطن بوست» ترجح عدم انسحاب الجيش السوداني من السياسة

واشنطن – صقر الجديان

خلص مقال تحليلي نشرته «واشنطن بوست»، إلى أنه من غير المرجح أن يبتعد الجيش السوداني عن السياسة تماماً، رغم إعلان الفريق البرهان عن ذلك صراحةً.

يوم الاثنين، أعلن الفريق عبد الفتاح البرهان أن الجيش سينسحب من المحادثات الثلاثية التي تشرف عليها الأمم المتحدة- والانسحاب من العملية السياسية في السودان بشكل عام.

جاء هذا الإعلان بعد ثمانية أشهر من إطاحة البرهان والجيش بحكومة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك في أكتوبر 2021.

وكانت حكومة حمدوك، التي تعمل جنباً إلى جنب مع الجيش، تبحر في التحول الديمقراطي في البلاد بعد إسقاط الرئيس السابق عمر حسن البشير في مظاهرات أبريل 2019م.

ومنذ انقلاب 2021، شارك مواطنون سودانيون في احتجاجات واسعة النطاق ضد قادة الانقلاب الذين بدورهم ردوا على المتظاهرين بوحشية.

بالإضافة إلى الإدانة الدولية والتخفيضات الشديدة للمساعدات الخارجية، شهد السودان أزمة سياسية خانقة خلال الأشهر الثمانية الماضية.

وبحسب ما ورد، كانت المحادثات الأخيرة التي قادتها الأمم المتحدة تهدف إلى بناء اتفاق سياسي بين القادة المدنيين والجيش.

ولكن يبدو الآن أن قادة الانقلاب يخرجون من المسرح السياسي- وهي خطوة مفاجئة يزعم البرهان أنها ستسمح بتشكيل حكومة مدنية.

يشير بحثي المستمر إلى أنه من غير المرجح أن يبتعد الجيش عن السياسة تماماً. إن إلقاء نظرة فاحصة على الفصائل المدنية المشاركة في العملية السياسية- وكثير منها معروفة لدى الحلفاء العسكريين- تشير إلى أن نفوذ الجيش سيستمر على الأرجح.

عندما يشارك المدنيون في سياسة الانقلاب
إن التعاون المدني في سياسات الانقلاب العسكري حول العالم هو أمر شائع.

شهدت الانقلابات في السودان، على سبيل المثال، مشاركة مدنية متكرِّرة، بما في ذلك أول انقلاب ناجح في البلاد عام 1958م، عندما أمر رئيس الوزراء عبد الله خليل الجيش بإسقاط حكومته.

وفي أكتوبر، نظم قادة متمردين سابقين عارضوا نظام البشير في السابق احتجاجات قبل أيام من الانقلاب للمطالبة بتدخل الجيش ضد الحكومة الانتقالية في السودان. ولكن كما تُظهر التطورات الأخيرة، يمكن أن يمتد التعاون المدني إلى ما بعد الاستيلاء الأولي على السلطة ويصبح جزءاً من سياسات ما بعد الانقلاب.

منذ الانقلاب، أعاد البرهان والجيش دمج بقايا المدنيين من نظام البشير الذي سقط في الحكومة، بما في ذلك أعضاء حزب المؤتمر الوطني الحاكم السابق والمنتسبين إليه. وتشمل هذه الإجراءات تعيين أعضاء الحزب في مناصب وزارية، وإلغاء تجميد أصولهم المالية، وتكديس الخدمة المدنية مع الموالين لحزب المؤتمر الوطني.

حدث هذا بعد أن فشلت إعادة الجيش لرئيس الوزراء السابق حمدوك، والذي استقال بعدها في يناير، إلى منصبه في نوفمبر 2021م بغرض تهدئة الاضطرابات في الشوارع.

مارست الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة ضغوطاً كبيرة على السودان للعودة إلى الحكم المدني. ولهذه الغاية، يواصل الحلفاء المدنيون للجيش- بمن فيهم المتمردين السابقون الذين طالبوا بالانقلاب- المشاركة في المحادثات الثلاثية.

لم يرضِ ذلك الجماعات المؤيدة للديمقراطية مثل قوى الحرية والتغيير ولجان المقاومة التي قاطعت المحادثات.

إلى جانب إضفاء الشرعية علناً على قادة الانقلاب، يمكن للمتعاونين المدنيين تعزيز المصالح الأساسية لأولئك الذين دبروا الانقلاب.

ويمكنهم المساعدة في تحييد المعارضة المعادية للجيش داخل الحكومة عن طريق منع التشريعات التي تهدف إلى إصلاحات ذات مغزى أو منع المعارضة من السلطة تماماً. بعبارة أخرى، يمكن للمدنيين أن يكونوا وكلاء للجيش نفسه.

إنه تكتيك تستخدمه الجيوش المهيمنة سياسياً في كثير من الأحيان- حتى في المواقف غير الانقلابية. على سبيل المثال، يشير بعض المحللين إلى أن جيش ميانمار اعتمد على حزب سياسي لتعزيز وتأمين مصالحه حتى في مواجهة التحول الديمقراطي. ومع ذلك، بمجرد أن شهد هذا الحزب هزيمة انتخابية معيقة، عاد الجيش للتدخل في عام 2021م.

في السودان، يمكن للمدنيين المؤيدين للجيش مثل الموالين لحزب المؤتمر الوطني والمنتسبين له ضمان استمرار المؤسسات الاقتصادية للجيش واستغلال الموارد في الأطراف- نقاط الخلاف الرئيسية للحركة المؤيدة للديمقراطية- حتى إذا ظهرت حكومة مدنية. بالإضافة إلى ذلك، فإن إعادة إدخال الموالين لحزب المؤتمر الوطني في الحكومة والمؤسسات المالية يضع قادة الحزب في موقف قوي ضد المعارضة.

بما أن الجيش يعتزم تشكيل “المجلس الأعلى للقوات المسلحة” بصلاحيات غير محددة بعد خروجه، فإن هذه التطورات لا تشير إلى أن الدور السياسي لقادة الانقلاب سوف ينتهي، فلدى حزب المؤتمر الوطني وتفرعاته، إلى جانب زعماء التمر السابقين، الكثير ليكسبوه من خلال الاستمرار في دعم قادة الانقلاب في السودان.

وعلى سبيل المثال، تم حظر حزب المؤتمر الوطني (NCP) بعد عزل البشير في عام 2019م، واستهدفت الجماعات المؤيدة للديمقراطية شبكاته الواسعة.

ولكن في الأشهر الأخيرة تراجعت القيادة العسكرية عن العديد من هذه الإجراءات المتخذة بحق الحزب رغم أنه لا يزال محظوراً قانوناً.

وبالمثل، لا يملك زعماء التمرد السابقين مني مناوي وجبريل إبراهيم إلا أملاً ضئيلاً في النجاح الانتخابي في ظل الانتقال الديمقراطي، وربط مصيرهم بالقوات المسلحة وفروعها قد يضمن لهم بعض القوة السياسية بغض النظر عن السياسة الانتخابية.

ومثلما يساعد الدعم المدني في ترسيخ نفوذ الجيش، يمكن للدعم العسكري أن يرسخ حلفائه المدنيين.

ما رأي الجماعات السودانية المؤيدة للديمقراطية؟
الجماعات المدنية المؤيدة للديمقراطية لا تقبل ادعاء البرهان بأنه سيتراجع عن السياسة. في الواقع، ندّدت قوى الحرية والتغيير بالخطوة ووصفتها بأنها “تراجع تكتيكي ومناورة شفافة”، ودعت إلى مظاهرات أكبر من أجل حكومة مدنية حقيقية.

ولاحظ بعض المراقبين أن الإعلان كان يهدف أيضاً إلى تقسيم المعارضة. ومع ذلك، فإن رفض الجماعات المؤيدة للديمقراطية الإذعان يمكن أن يقوِّض مناورة الجيش لتقسيم خصومه والاعتماد على وكلائه المدنيين.

ومنذ الإعلان، أقال البرهان أعضاء مجلس السيادة الحاكم استعداداً لخروج الجيش من السلطة، فيما تواصل الاحتجاجات المناهضة للجيش ملء الشوارع. مع إلغاء المحادثات الثلاثية الآن، ليس من الواضح ما إذا كانت هذه التطورات ستؤدي إلى مزيد من الاستجابة الدولية.

هل هناك معلومات مفيدة هنا للمراقبين والأكاديميين- وكذلك صانعي السياسات؟ في السياسات المعقدة للانقلابات العسكرية، يؤدي افتراض وجود فجوة ثنائية بسيطة بين “المدنيين” و”الجنود” إلى إخفاء تفاصيل مهمة. وقد تفوت هذه الافتراضات أيضاً الطرق المعقّدة التي يحتفظ بها قادة الانقلاب بالسلطة السياسية- حتى عندما يزعمون أنهم يتراجعون.

إقرأ المزيد

السلطات السودانية تعلن افتتاح أول مستشفى بمنطقة حدودية مع إثيوبيا

البرهان يعين 5 من جنرالات الجيش والشرطة والأمن سفراء في وزارة الخارجية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى