الخرطوم – صقر الجديان
لا يزال المكون المدني المناهض لانقلاب الجيش في السودان منقسما على نفسه، ما يبطئ تحقيق أهدافه بالانتقال إلى حكم مدني كامل دون شراكة مع الجيش النافذ. ورغم حماسة الشارع يقلل محللون من تأثيره على الأزمة ما لم تكن له قيادة سياسية موحدة.
تشدد قوى الحرية والتغيير في السودان على أنها ماضية في تحقيق هدفها بإسقاط انقلاب قائد الجيش عبدالفتاح البرهان في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي وتتمسك إلى الآن بشعارها الرئيسي” لا للشراكة”، إلا أن غياب فعل سياسي يوازي حراك الشارع المتحمس يؤخر هدفها إن لم يبدده.
ولا يزال الشارع السوداني يتظاهر ضد المجلس العسكري الحاكم في السودان منذ الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، في حين يخدم عدم وحدة القوى السياسية المدنية والانقسام في صفوفها بشأن التعامل مع الأزمة قائد الجيش الذي يوظّف ارتباك المكون المدني في تعزيز قبضته على الحكم.
وتصاعد الحراك بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة مع تعدد الأزمات الاقتصادية والأمنية التي تشهدها البلاد، وكذلك عدم حدوث أي تقدم في مبادرة حل الأزمة السياسية بين المدنيين والعسكر.
إلا أن الكثير من المراقبين يرون أن حراك الشارع طوال الفترة الماضية افتقد الفعل والقيادة السياسييْن، وذلك أخّر انتصار الحراك الثوري مع عدم توحد القوى المعارضة المناهضة لسيطرة العسكر على السلطة.
حراك الشارع يفتقد للقيادة السياسية، وذلك أخّر انتصار الحراك الثوري المناهض لسيطرة العسكر على السلطة
وشهدت الفترة الأخيرة انسدادا في الأفق بشأن حل الأزمة السياسية التي صارت معادلتها بين طرفين هما “السلطة الحاكمة الحالية المتمثلة في الجيش السوداني” و”الشارع” الذي يقوم بالتصعيد مطالبا بالحكم المدني، وذلك بالتزامن مع غياب القيادة السياسية التي من شأنها أن تؤطر الحراك والاعتماد فقط على تحشيد الجماهير من قبل “لجان المقاومة” وتجمع المهنيين والكتل المكونة له.
وحذر رئيس بعثة الأمم المتحدة فولكر بيرتس من تفاقم الأوضاع قائلا “إذا لم يتم تصحيح المسار الحالي فستتجه البلاد نحو وضع اقتصادي وأمني حرج ومعاناة إنسانية حادة”.
وبادرت قوى إعلان الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم سابقا) بالدعوة إلى توحيد قوى الثورة لـ”إسقاط الانقلاب” بعد يوم من مظاهرات السادس من أبريل الماضي. إلا أنه لم يصدر أي تعليق بشأن اقتراح “الجبهة الموحدة” الذي طرحته الحرية والتغيير، من القوى التي تقود الحراك -“تجمع المهنيين” و”لجان المقاومة” والحزب البارز في الحراك (الحزب الشيوعي)- والتي تتحدث عن “ميثاق وطني” لتحويل الفعل الثوري إلى سياسي.
وتطرح لجان المقاومة مقترح الميثاق الوطني تحت شعار “ميثاق تأسيس سلطة الشعب” ولم يصدر بعد في شكله النهائي، بمشاركة لجان المقاومة في كل أنحاء السودان وجميع الأجسام والكيانات المناهضة لقرارات الخامس والعشرين من أكتوبر بغية تأسيس سلطة مدنية ديمقراطية.
وفي أكثر من مناسبة حضّ البرهان القوى السياسية على التوافق الوطني للخروج بالبلاد من أزماتها، وقال في فبراير الماضي إن “القوات المسلحة لن تسلم البلاد ومقدراتها إلا لحكومة تأتي في ظل توافق وطني أو انتخابات شفافة”، داعيا القوى السياسية إلى “التوافق الوطني للعبور بالبلاد إلى بر الأمان”.
ويرى الناشط في لجان المقاومة محمد عبداللطيف أن “شرط الوحدة ليس ضروريا لهزيمة الانقلاب، وهو شرط دفع به العسكر في أكثر من مناسبة بأنهم سيسلمون السلطة للمدنيين في حالة حدوث توافق بين القوى السياسية”.
وأضاف “القضية ليست في وحدة قوى الثورة لأن الحراك في الشارع هو الذي سيصل بالثورة إلى نهايتها، وحينها سيفرز الشارع قيادة جديدة تتسلم السلطة أو تتفاوض مع العسكر على التسليم”.
ويؤكد عبداللطيف أن الدعوة إلى الوحدة بين قوى الثورة التي ينادي بها من قبل بعض القوى السياسية هي لإحداث تسوية سياسية مع العسكر شبيهة بالوثيقة الدستورية 2019، وهي مرفوضة.
عدم وحدة القوى السياسية المدنية والانقسام في صفوفها بشأن التعامل مع الأزمة يخدم قائد الجيش الذي يوظّف ارتباك المكون المدني في تعزيز قبضته على الحكم
وتابع عبداللطيف “المهم هو وحدة الخطاب من جميع المشاركين في لجان المقاومة وتجمع مهنيين وأحزاب سياسية ضد الانقلاب، والاستمرار في العمل الجماهيري الذى يعطل الحياة، وبالتأكيد سيفضي في النهاية إلى تسليم العسكر السلطة للمدنيين”.
وتكونت “لجان المقاومة” في المدن والقرى عقب اندلاع احتجاجات التاسع عشر من ديسمبر 2018، وكان لها الدور الأكبر في إدارة المظاهرات بالأحياء والمدن حتى عزلت قيادة الجيش الرئيس آنذاك عمر البشير في الحادي عشر من أبريل 2019.
وعلى عكس عبداللطيف يرى القيادي في الحرية والتغيير محمد عبدالحكم أن وحدة قوى الثورة “ضرورة قصوى لتحقيق كامل الأهداف والشعارات وإسقاط الانقلابين وتحقيق العدالة ومحاكمة قتلة الشهداء (ضحايا الاحتجاجات)”.
وقال إن “أي تأخير إضافي في تحقيق وحدة قوى الثورة هو تشتيت للجهود، ويقدم خدمة مجانية للانقلابيين بإطالة أمد الانقلاب الذي زج بقيادات الحرية والتغيير وعشرات العناصر القيادية للجان المقاومة في غياهب السجون”.
وأكد عبدالحكم أن “أي إبطاء في تحقيق وحدة قوى الثورة من شأنه إثارة حنق الكتلة الحرجة التي تزيد الثورة عنفوانا وشدة في المدن والأرياف، ويمدد أجل مناهضة السلطة الانقلابية ويسرّع عودة وتمكين عناصر النظام السابق (البشير) مرة أخرى”.
وأضاف “نحن في قوى الحرية والتغيير نعتبر تلاقي الفاعلين الأساسيين على الأرض في تنسيق سياسي وميداني سيكون الضربة الفنية القاضية للانقلاب وأذياله من المدنيين، وبوابة رئيسية لاستعادة الانتقال المدني الديمقراطي وصولا إلى تحقيق العدالة والحرية والسلام”.