حرب السودان: كيف يدفع الصحفيون السودانيون ضريبة كشف الحقائق؟
الخرطوم – صقر الجديان
عندما يعرفون أننا صحفيون، يعاملوننا وكأن مهنتنا جريمة”، بهذه الكلمات حاول الصحفي السوداني عمار حسن وصف الوضع الصعب الذي يعانيه الصحفيون السودانيون منذ بدء النزاع المسلح في السودان في أبريل/نيسان الماضي، بين قوات الجيش، وقوات الدعم السريع شبه العسكرية.
وتعاني مهنة الصحافة في السودان كثيرا، كغيرها من المهن منذ نشوب الصراع، لكن هناك ما يجعل معاناتها أصعب؛ فهي تعتمد على رصد الحقائق ومحاولة نقلها للناس في الداخل والخارج، الأمر الذي قد لا يكون مرحبا به في أوقات النزاع.
عمار حسن، أحد هؤلاء الصحفيين الذين لم يحالفهم الحظ ليخرجوا من السودان بعد اندلاع الصراع، ويقول إنه يعاني تحديات جمة؛ إذ لا يستطيع أي صحفي ممارسة عمله بحرية بسبب التضييق الكبير على الصحفيين.
ويوضح حسن أن حتى مجرد الحركة العادية في الشوارع والأحياء باتت مخاطرة لمن يعمل في هذه المهنة، فعندما يمر على أي من الارتكازات الأمنية، أو نقاط التفتيش يتعرض لتحقيق طويل وأسئلة كثيرة، مثل: “لصالح من تعمل؟” و”ما الجهات التي تمولك؟”، فضلا عن التعرض لكثير من المضايقات والاتهامات.
ويقول حسن إن الصحفيين الذين يحاولون العمل في مثل هذه الظروف يصطدمون بالكثير من العقبات التي تجعل أداء الواجب المهني أمرا مستحيلاً؛ حيث إن هناك ضعفاً شديداً في الاتصالات وخدمات الإنترنت، ما يجعل نقل الحقيقة أمراً بالغ الصعوبة.
“في مرمى النيران”
يقول علاء الدين محمد، وهو صحفي وعضو شبكة الصحفيين السودانيين، إن سلسلة الاعتداءات على الصحفيين بدأت منذ اليوم الأول للنزاع المسلح، وظل العاملون في هذه المهنة في مرمى نيران طرفي الصراع – بحسب وصفه.
ويشير محمد إلى أن أغلب هذه الاعتداءات تحدث أثناء محاولة رصد تفاصيل الحرب، فثمة من لا يريد كشف طبيعة المعارك والاعتداءات على المواطنين، سواء كان ذلك في صورة نهب المنازل، أو اغتصاب النساء، أو غير ذلك من انتهاكات.
ويضيف محمد: “نحن نشكو من أن كثير من الصحفيين غير قادر حتى على الخروج من المنزل، ولدينا عدد من الزملاء يعيش في ظروف صعبة، وهم الآن معزولون تماما داخل بيوتهم، ولا يستطيعون المغادرة”.
ويتابع: “بعضهم لا يستطيع حتى أن يتحصل على المواد الغذائية؛ لأن كثيرين منهم يسكنون في قلب مناطق النزاع”.
“الضحية الأولى للحرب”
هذه الجملة ظل يكررها طاهر المعتصم، مسؤول العلاقات الخارجية بنقابة الصحفيين السودانيين في بداية حديثه لبي بي سي. ويرى المعتصم أن أفواه البنادق تتوجه أولا لمن يحاولون نقل الحقيقة، مشيراً إلى أن ذلك بدأ حتى قبل الحرب الفعلية، إذ كانت هناك دعوات للحشد للحرب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومنذ ذلك الحين يتعرض الصحفيون للانتهاكات.
ويقول المعتصم إنه في كل يوم تأتي أخبار عن حالة انتهاك أو اعتداء جديدة ضد الصحفيين، ما بين اعتقال، أو استجواب، أو إصابة، أو قتل في بعض الأحيان.
ويشير المعتصم إلى أن آخر هذه الحالات كانت مقتل الصحفية سماهر عبد الشافع، إثر سقوط دانة مدفع على منزلها بمدينة زالنجي بوسط دارفور، وكذلك إصابة المصور علي شطة بطلق ناري في فخذه، وتقول نقابة الصحفيين إن الرصاصة “تعود لقوات الدعم السريع”، وفق ما نقل.
كما يؤكد المعتصم أن العديد من الصحفيين تلقى تهديداً بالقتل، وأن هناك الكثيرين يتم احتجازهم قسريا، وأن النقابة تصدر بيانات دورية لرصد مثل هذه الانتهاكات.
وأوضح المعتصم أن نقابة الصحفيين السودانيين، المتعثر عملها حاليا، أصبح شغلها الشاغل هو الوقوف على أوضاع أتباعها ومحاولة مساندتهم، إذ يوجد الكثير منهم رهن الاحتجاز، أو الإقامة الجبرية. كما أن هناك عالقين على الحدود يحاولون النجاة بأنفسهم، بحسب قوله.
وأفاد بأن النقابة تلقت اتصالات من منظمات صحفية دولية من أجل المساندة، بيد أن شيئا لم يحدث على أرض الواقع، بحسب تعبيره.
وأشار إلى أن النقابة تخاطب جهات دولية، كالهلال الأحمر، والصليب الأحمر، كما تخاطب طرفي الصراع بشكل دوري بشأن أوضاع الصحفيين، وتطالب بالإفراج عن الموقوفين منهم.
لكنه يختتم حديثه بالقول: “تأتي الاستجابة بطيئة، وليست وفق رغبتنا، لكن ذلك أفضل من لا شيء”.