أخبار السياسة العالمية

سد النهضة.. أسباب “التهدئة” بين مصر وإثيوبيا (تقرير)

- هي أن الملء الإثيوبي للسد بالمياه لم يُضر بالقاهرة حتى الآن، ومنح فرصة جديدة للمفاوضات، بحسب خبير تحدث للأناضول، بالإضافة إلى الاقتتال الراهن في السودان، وهو طرف في الخلاف وجار لمصر وإثيوبيا..

 

يخيم منذ فترة هدوء مصري دبلوماسي وإعلامي لافت على أجواء ملف أزمة سد “النهضة” مع إثيوبيا، على خلاف سنوات سابقة كان فيها خطاب القاهرة مختلفا وتحركاتها مكثفة وإعلامها ينتقد أديس أبابا.

“التهدئة”، وفقا لخبير مصري معني بملف إفريقيا في حديث مع الأناضول، تعود إلى سببين رئيسين هما أن الملء الإثيوبي للسد بالمياه في المرات الثلاث السابقة لم يمس بحصة مصر، وأن القاهرة لم تغلق باب التفاوض وتمنح أديس أبابا فرصة جديدة للتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم يشمل أيضا السودان.

ولفت الخبير إلى أهمية النظر للموقف المصري من سد النهضة على ضوء أن إثيوبيا واجهت توترات أمنية داخلية مع جماعات مسلحة، ولم تستطع أن تدير ملء السد بما يلبي رغباتها.

ومنذ أواخر 2020، شهدت إثيوبيا صراعا مسلحا مع الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، تراجع مع توقيع اتفاق سلام في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، قبل أن يندلع توتر جديد في إقليم أمهرة، ما دفع الحكومة المركزية إلى إعلان حالة الطوارئ في 4 أغسطس/آب الجاري.

وبحسب مراقبين، يُضاف سبب ثالث لـ”التهدئة”، وهو الاقتتال المتواصل منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي في السودان (جار مصر وإثيوبيا) بين الجيش وقوات “الدعم السريع”، والذي لا يسمح بأي تصعيد تجاه التداعيات المحتملة للسد، لاسيما تكرار التوجه إلى مجلس الأمن الدولي، ما يعني أن استئناف المفاوضات هي المقاربة الأفضل حاليا.

ومنذ سنوات تطالب القاهرة بالتوصل أولا إلى اتفاق ثلاثي قانوني ملزم بشأن ملء وتشغيل السد الذي بدأ بناؤه في 2011، وهو ما ترفضه أديس أبابا وتقول إن السد مهم لجهود التنمية، وخاصة عبر توليد الكهرباء، ولن يضر بمصالح أي دولة أخرى، مما أدى إلى تجميد المفاوضات أكثر من مرة أحدثها قبل ما يزيد عن عامين.

تطور لافت

والهدوء المصري الراهن تزامن مع موقفين غير مسبوقين خلال سنوات تجميد المفاوضات التي عادة ما كانت تشهد حراكا دبلوماسيا مصريا بلغ مجلس الأمن الدولي مرتين وكذلك تصعيد من وسائل إعلام تقول إنها تدافع عن حقوق مصر التاريخية في مياه نهر النيل.

الموقف الأول كان في 22 يونيو/ حزيران الماضي خلال قمة “ميثاق التمويل العالمي الجديد” في باريس، حيث تصافح كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، وتبادلا ابتسامات، ما أثار تكهنات عن بوادر لحل النزاع حول السد الذي تخشى مصر والسودان أن يؤثر سلبا على تدفق حصتهما السنوية من مياه النيل وأن يضر بمنشآتهما المائية.

أما الموقف الثاني فكان في 13 يوليو/ تموز الماضي في القاهرة، حيث التقى السيسي وآبي أحمد، وصدر بيان مشترك يتضمن بالفعل حديثا عن بوادر عودة إلى مفاوضات بسقف زمني.

وأفاد البيان بأنهما “اتفقا على الشروع في مفاوضات عاجلة للانتهاء من الاتفاق بين مصر وإثيوبيا والسودان لملء سد النهضة وقواعد تشغيله، وبذل جميع الجهود الضرورية للانتهاء منه خلال أربعة أشهر”.

و”أوضحت إثيوبيا التزامها أثناء ملء السد في العام الهيدرولوجي 2023-2024 بعدم إلحاق ضرر بمصر والسودان، بما يوفر الاحتياجات المائية للبلدين”.

ولم يتطرق الاتفاق المصري الإثيوبي إلى ملء رابع منتظر للسد أعلن عنه وزير الخارجية الإثيوبي ديميكي ميكونين، في يونيو/ حزيران الماضي، موضحا أنه سيكون خلال موسم الأمطار في أغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول المقبلين.

وأضاف ميكونين، في مؤتمر صحفي آنذاك، أن “عمليات الملء الثلاث السابقة (2020، 2021، 2022) لم تتسبب في ضرر لدول حوض النيل، وكذلك ستكون عمليات الملء المتبقية”.

الأسباب والمستقبل

الأكاديمي المصري خيري عمر، المتخصص في الشؤون الإفريقية، قال للأناضول، إن الموقف المصري الراهن يستند إلى أن ملء السد في المرات الثلاث السابقة لم يمس حصة القاهرة ولم يسبب لها ضررا.

وهذا الموقف المصري يمكن قراءته، بحسب عمر، على ضوء حرص القاهرة على عدم غلق باب التفاوض ومنح أديس أبابا فرصة جديدة للتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم.

وأردف أن “مصر لديها نقطة استراتيجية، وهي التوصل لاتفاق ملزم لملء وتشغيل السد، وتجاوزت خلافات سنوات الملء التي طُرحت في مفاوضات سابقة”، في إشارة إلى طلب القاهرة أن يكون الملء خلال 7 سنوات مقابل تمسك أديس أبابا بتخفيضها إلى 3 سنوات.

ومشددا على أن مصر يهمها حاليا أن تتفاوض على كيفية إدارة السد في سنوات الجفاف وهي “نقطة مهمة”، توقع عمر وصول القاهرة وأديس أبابا إلى حلول مرضية “وفق اتفاق إطاري جديد أو قانوني ملزم”.

وأرجع عدم توجه مصر مجددا إلى مجلس الأمن إلى أنها حققت أهدافها من المرتين السابقتين، بالتأكيد على وجود نزاع، وإثبات حقوقها أمام العالم، والتحذير من وقوع ضرر جسيم.

عمر قال إنه “يجب عدم إغفال قدرة إثيوبيا على إدارة سد بهذا الحجم من المياه في ضوء عدم تماسك الدولة وانخراطها في توترات داخلية خلال السنوات الماضية، سواء مع الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي أو الأمهرة حاليا”.

وتابع أن “إدارة إثيوبيا بقدرة كاملة لسدها في ظل هذا التوتر أمر مشكوك فيه”، مضيفا أن الملء الرابع يأتي في ظل توتر داخلي أيضا، ما يمنعها من فتح جبهات جديدة ضدها، لاسيما ملف السد الشائك مع مصر.

اتفاقية متوقعة

ومعتبرا أن مصر لم تتجاوز مشكلة سد “النهضة”، عزا الأكاديمي المصري المتخصص في السدود والمياه محمد حافظ، في حديث للأناضول، الهدوء المصري الراهن إلى أنه “تم إسكات الإعلام”.

وزاد بأن عدم تعرض القاهرة لأي أزمة خلال عمليات ملء السد الثلاث السابقة “لا يعني نهاية مشكلة السد”، متوقعا أن “يخصم الملء الرابع والخامس” من حصة المياه القادمة إلى مصر (55.5 مليار متر مكعب سنويا).

حافظ رجح أن “المستقبل يحمل اتفاقية بين مصر وإثيوبيا هذا العام قبيل الانتخابات الرئاسة المصرية (في 2024)، تتضمن خصما من حصة مصر بعد استكمال بناء السد”، بحسب رأيه.

ومعقبا على ما طرحه حافظ، قال عمر : “ليس صحيحا أنه تم إسكات الإعلام، وإلا ما سبب سكوت الإعلام في الخارج عن ملف سد النهضة، فهل تم إسكاته أيضا؟!.. الأمر ليس كذلك وأزمات المياه لا تُحل بين يوم وليلة بل تأخذ وقتا والصوت العالي عادة لا يحسم أزمات”.

وختم بأن مصر أكدت أكثر من مرة رفضها لفكرة المساس بحصتها التاريخية في مياه النيل، وبالتالي “أي حديث يخالف ذلك ليس صحيحا”، مرجحا الوصول إلى “حلول مرضية لا تمس الحقوق المصرية”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى