الرواية كما حكاها “حمدوك”.. الـ (FBI) في ميدان محاولة الإغتيال.. ماذا حدث هناك؟
تقرير: محمد أزهري (السوداني)
الإفراط في إحكام خطة عالية الحساسية، يحوّل مسارات تفكير الجناة حين الرسم والتخطيط إلى آلة رقمية دقيقة الحسابات والمقاييس تجاه عمليتي (الإفلات والهروب) من قبضة السلطات أكثر من التركيز على إصابة (الهدف).
قسوة العقاب المتوقعة وأهمية (الهدف) نفسه تحول الجناة من منفذين عاديين إلى سحرة متحولين يمحوهم (الهواء) لحظة الصفر، – هنا نجد (الهدف) رئيس وزارء السودان – “حمدوك” والقاضي هو (الشعب) الذي ثار ضد “البشير” واختاره – إذن أحكم الجناة خطتهم لـ(الهروب) أكثر من إصابة (الهدف) – فهل ينجح الـ(FBI)؟.
محاولة اغتيال رئيس الوزراء د. “عبد الله حمدوك” صباح (الاثنين) الحار، أعادت أعين العالم مرة أخرى للسوان، ذات الأعين لم ترمش جفونها وهي ترمي النظر منذ ثورة ديسمبر المجيدة، التي اطاحت بنظام الرئيس المعزول “عمر البشير”، الذي يتهم بقايا نظامه بتدبير المحاولة.
تفجير عملية اغتيال “حمدوك” امتدت شظاياه إلى خارج البلاد واستغرت في مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي بوصفها واحدة من أخطر العمليات الإرهابية على المنطقة والإقليم، لذا نجد أنه أولى طلب الحكومة السودانية اهتماماً كبيراً، وأرسل وفدا متخصصا في التحقيق.
الحكومة نفسها تثق في مقدرات أجهزتها النظامية بصنوفها المختلفة خصوصاً فرق البحث الجنائي الخاصة بشرطة العاصمة الخرطوم، فهي كشفت عمليات غامضة بإحترافية غير أنها للمرة الأولى تجري تحقيقاتها في عملية ارهابية.
FBI في الميدان
صباح أمس حط ثلاثة من أخطر محققي مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) رحالهم في البلاد، مصادر رفيعة، كشفت عن انخراط الفريق الأمريكي في عملية تحقيق ميداني مبدئي، وتحصلت على ما دار بينهم وأحد أهم شهود العيان في حادثة تفجير موكب “حمدوك”.
المحققون الثلاثة فور وصولهم البلاد انخرطوا في اجتماعات مكثفة مع فرق التحقيق المحلية (مباحث – استخبارات – مخابرات)، وحصلوا على تنوير مفصل عن وقائع محاولة اغتيال “حمدوك”، وكافة المعلومات التي جمعتها الأجهزة.
الفريق الأمريكي أبدى اعجاباً بعمل الأجهزة المحلية وطريقة عملها في جمع المعلومات الأولية، ووعد بتقديم دعم فني عالي المستوى، على أن ينخرط في عمله الميداني الرسمي بمسرح الحادث ومعاينة السيارات بالمعامل الجنائية، اليوم (الخميس).
المحققون الثلاثة عقب الاجتماع انتقلوا إلى موقع الحادثة وهي الجهة الشرقية المايلة على الشمال الجغرافي لجسر القوات المسلحة المعروف لدى السودانيون بـ(كبري كوبر)، بمحاذاة آخر ملعب للخماسيات هناك، أمام مقار سكنية بينها معرض للبوهيات يديره أجنبي.
المصادر قالت عند وصولهم مسرح الحادث كان يرافقهم ضباط أمنيون محليون، ومصورون جنائيون، أي كامل الفريق 6 أشخاص، هناك قابلوا شاهد عيان لحظة وقوع التفجير، الشاهد رجل في العقد الرابع من عمره، تظهر عليه إصابة قرب إحدى عينيه ، دار بينهم والرجل حوار قصير عبر مترجم وطني، الحوار اقتصر على صورة مشهد تفجير “الاثنين”، فكانت إجابة الرجل الذي يشرف على زراعة (بقدونس ومحريب) في مشتل أو مزرعة صغير اختارة الجناة لزراعة (القنبلة)، قال والمحققون يتلهفون الترجمة، إنه يعمل خفيراً في منزل قرب موقع التفجير ويشرف على زراعة خفيفة كانت سبب حضوره في ذاك الوقت، الرجل أوجز الحادثة في أنه سمع صوت انفجار مدوٍّ لم يحدث أن سمعه مسبقاً، ثم (غباراً) يتطائر ولم يعِ بنفسه إلا وهو على الأرض مصاباً بجرح طفيف في وجهه.
ذات المصادر أكدت أن الفريق أجرى مسحاً ميدانياً شاملاً على المسرح ثم انصرف في غضون دقائق معدودة بعد أن التقطت صوراً عديدة.
ماذا قال “حمدوك”؟
رئيس الوزراء د.”عبد الله حمدوك” الشخصية المستهدفة بالاغتيال – بالتالي هي الشخصية المهمة في الحدث.
المصادر نجحت في الحصول على رواية رئيس الوزراء حول الحادثة عبر مصادر عالية الثقة.
“حمدوك” ذكر لوفد ذهب للاطمئنان على صحته يضم قادة أجهزة نظامية مهتمة بالتحقيق، أنه قبل محاولة تفجير سيارته بلحظات لم يلاحظ وجود شخص أو أشخاص، في الطريق، أو لم يكترث لذلك، وينطبق الأمر أيضاً على حراسته، وأضاف – حسب المصادر- ردا على الاستفسارات أنه لم يكن مستهدفاً من جهة، موضحاً أن لحظة الانفجار صمع صوتاً قوياً ثم رأى الدخان والأتربة تغطيان المنطقة لكنه لم يرَ شخصاً في الطريق، كما أنه لم يتعرض لأي أذى، حتى أخلي من قبل أفراد الشرطة المرابطين إلى القيادة العامة، وهناك قابله رئيس المجلس السيادي الفريق أول “البرهان” ونائبه الفريق أول محمد حمدان دقلو” وأطمئنا على صحته.
الحكومة
الحكومة ربما شعرت بإرتياح شديد عقب وصول وفد التحقيقات الأمريكي لجهة أنها لمست تعاونا حقيقيا بينها والولايات المتحدة، وأعلنت أمس عن توقيف مشتبهين بتورطهم في محاولة اغتيال رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك، بينهم أجانب، مع تأكيدات بإستمرار التحريات.
وزير الداخلية الفريق شرطة الطريفي إدريس، ومدير جهاز المخابرات العامة الفريق أول ركن جمال عبد المجيد، قدما تقريراً أمنياً لمجلس الوزراء في اجتماعه الدوري أول أمس “الأربعاء” برئاسة حمدوك، حول محاولة الإغتيال الفاشلة.
وزير الإعلام، المتحدث بإسم الحكومة “فيصل محمد صالح” أكد أن فريقا من الخبراء الأمريكيين وصل البلاد أول أمس وسينضم لفريق التحقيق.
“صالح” قال إن الحكومة استعانت بهذا الفريق نسبة للخبرة التي يتمتع بها والتقنيات الحديثة المتوفرة لديه، خاصة وأن السودان حديث عهد بمثل هذا النوع من الحوادث، فضلا عن أن الاتفاقيات الدولية لمحاربة الإرهاب تلزم الدول بالإستعانة بالخبرات المختلفة للمساهمة في معالجة هذه القضايا وكشف أسرارها.
الوزير كشف عن أن الأجهزة الأمنية والشرطة والاستخبارات تعمل ضمن فريق موحد، واتخذوا عدداً من الإجراءات الأمنية لتأمين رئيس الوزراء والشخصيات والمواقع المهمة، على أن تكون هناك إجراءات وخطط أمنية جديدة للحفاظ على سلامة وأمن البلاد.
الأجانب من هم؟
المتحدث باسم الحكومة “فيصل محمد صالح” قطع بتوقيف أجانب كمشتبهين في محاولة الاغتيال، إلا أن المصادر قالت إن الأجانب الموقوفين ثلاثة من جنسية عربية اثنين يمتهان الحلاقة أحدهما كان يقيم في منزل قريب من موقع (التفجير) لكنه غادره نهائياً قبل شهر من توقيته.
مصادر أخرى عالية الثقة أفصحت عن سحب السلطات لمتهمي (خلية شرق النيل) من معتلقهم إلى معتقل آخر بغرض التحقيق معهم في محاولة اغتيال “حمدوك” لجهة أن نتائج فحص المعامل الجنائية أظهرت تطابقا بين نوعية ومواد متفجرات ضبطت بحوزتها في منزل بالحاج يوسف، والمادة المتفجرة في حادثة “حمدوك”، نتائج عينات (الخلية) خرجت قبل أسبوع من حادثة التفجير بينما أعلن الشرطة عن نتائج العملية الأخيرة أمس الأول.
مقتل غرانفيل
وصول فريق مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي فتح الباب واسعاً لإستدعاء الذاكرة الجنائية بشأن التعاون المشترك بين الحكومة السودانية السابقة والـ(FBI)، وقاد الخبراء المحليين والشارع السوداني لوضع تساؤلات مهمة في البريد الأمريكي مختصرها (هل ينجح المحققون في فك غموض محاولة اغتيال رئيس الوزراء السوداني)؟.
الإجابة ربما تكون مدهشة بعض الشيء إذا استرجعنا ما ذكره محققو الـ(FBI) الذين أرسلتهم أمريكا للتحقيق في مقتل الدبلوماسي “غرانفيل” على يد جماعة تطلق على نفسها “أنصار التوحيد” في العام 2008م، المحققون حين جلوسهم مع قادة المباحث السودانية آنذاك وفريق البحث الجنائي قالوا (إن المباحث أنجزت مهمة البحث والتقصي بنجاح ولا تحتاج إليهم) ثم انصرفوا مع تقديم بعض الدعم الفني، تاركين خلفهم إشارة بالمباحث والسلطات الأمنية المحلية، ووقتها لم تخيب ظنهم السلطات بتوقيفها للجناة.
أمر يشير إلى تعاون مسبق بين الأجهزة الأمنية المحلية والأمريكية في حقب ماضية بدأت في مارس من العام 1973م، وقت أن قتلت جماعة (أيلول الأسود) الفلسطينية السفيرين الأمريكي والسعودي، داخل السفارة السعودية في الخرطوم، أثناء حفل وداع دبلوماسي أمريكي.
التعاون المخابراتي بين البلدين ازدهر بصورة كبيرة في أعقاب الهجوم على مصنع الشفاء للدواء في الخرطوم بحري، عام 1998م، ووقتها أرسلت أمريكا وفداً من المخابرات المركزية للتحقيق في الأمر، لكن من المؤكد أن حادثة تفجيرات 11 سبتمبر 2001م في أمريكا كانت عبارة عن فتح (الباب) الكبير للتعاون المخابراتي لجهة أن السودان كان الدولة الوحيدة التي تحوز على معلومات أمنية بشأن الحادثة.