أخبار السياسة المحلية

حكومة إدريس بالسودان.. لماذا تأخر تشكيلها؟ (تقرير)

6 أسابيع مضت منذ تعيين كامل إدريس رئيسا للوزراء ولم يعلن سوى عن 15 وزيرا من أصل 22 ستتألف منهم حكومته

بورتسودان – صقر الجديان

ستة أسابيع مضت منذ تعيين كامل إدريس رئيسا للوزراء في السودان، في بلد يشهد منذ أكثر من عامين حربا بين الجيش و”قوات الدعم السريع”.

كثير من السودانيين بنوا آمالهم على هذه الحكومة، باعتبارها الأولى التي يشكلها رئيس وزراء مدني بـ”صلاحيات كاملة”، وفق الإعلان عنها.

فمنذ إجراءات رئيس مجلس السيادة الانتقالي قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، كان المجلس يملأ الفراغ الوزاري بوزراء مكلفين.

وتُدار الوزارات السودانية بمزيج من وزراء مكلّفين وآخرين عُينوا خلال فترة الشراكة بين المدنيين والعسكريين، التي بدأت عام 2021.

غير أن آمال السودانيين بملء الفراغ التنفيذي، الذي تعاني منه مؤسسات الدولة، بدأت تتآكل جراء تأخر إعلان تشكيل الحكومة، في حين تعاني البلاد تداعيات الحرب المستمرة.

ويخوض الجيش بقيادة البرهان و”قوات الدعم السريع” بقيادة محمد حمدان دلقو “حميدتي” حربا ضارية منذ أبريل/ نيسان 2023.

وأسفرت الحرب عن أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 15 مليون لاجئ ونازح، وفق الأمم المتحدة وسلطات محلية، بينما قدّرت دراسة لجامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.

** تعيينات بالتجزئة

إدريس شرع في تعيين وزراء حكومته على دفعات، بدأها بوزيري الداخلية والدفاع، ثم الصحة، والزراعة والري، والتعليم العالي.

وفي 11 يوليو/ تموز الجاري عيَّن خمسة وزراء للمالية، والعدل، والحكم الاتحادي، والتجارة والصناعة، والشؤون الدينية والأوقاف.

وبعد أربعة أيام، أعلن عن 5 وزراء للإعلام، والثروة الحيوانية، والمعادن، والرعاية الاجتماعية، والبنية التحتية والنقل.

وبذلك ارتفع العدد إلى 15 من بين 22 وزيرا مقرر أن تتألف منهم الحكومة.

وفي 19 يونيو/ حزيران أعلن إدريس ملامح ما سماها “حكومة الأمل”، التي قال إنها ستتكون من 22 وزارة، بعد حلّ سابقتها مطلع الشهر ذاته.

وآنذاك قال رئيس الوزراء الجديد إنها “ستكون حكومة كفاءات وطنية لا حزبية وتمثل صوت الأغلبية الصامتة”.

وأدى إدريس في 31 مايو/ أيار اليمين الدستورية أمام البرهان، رئيسا جديدا لمجلس الوزراء، عقب إصدار البرهان في 19 من الشهر ذاته مرسوما دستوريا بتعيينه.

وإدريس سياسي حاصل على الدكتوراه في القانون الدولي من المعهد العالي للدراسات الدولية بجامعة جنيف في سويسرا، ومرشح سابق لرئاسة السودان في 2010.

ولم يصدر تعليق رسمي بشأن تأخر الإعلان عن التشكيل الوزاري، إلا أن مراقبين يعزون ذلك إلى اتساع دائرة التشاور، إذ تشمل رئيس الوزراء ومجلس السيادة والجيش والحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام وقوى سياسية مجتمعية داعمة لتكوين حكومة إدريس.

** واقع معقد

المحلل السياسي عثمان فضل الله قال للأناضول: “هناك أكثر من سبب وراء تأجيل تشكيل حكومة كامل إدريس، أبرزها الخلافات بين المكونات العسكرية والسياسية التي تدعم السلطة في بورتسودان (العاصمة المؤقتة)”.

فضل الله أضاف أن “الأمر يحتاج وقتا للوصول إلى صيغة توافقية بين هذه المكونات المتناقضة الأهداف والمنعدمة بينها الثقة، وهو ما يأخر تشكيل الحكومة”، على حد تقديره.

وتابع أن “السبب الثاني هو التصور الخاطئ الذي أتي به إدريس، وهو تشكيل حكومة تكنوقراط بعيدة عن المحاصصة الحزبية والسياسية والقبلية تقوم بعمل محدد حتى قيام الانتخابات”.

وأردف: “لأن هذا التصور غير قابل للتطبيق، ففي السودان ترتفع الأصوات القبلية والمليشيات الجهوية والمناطقية ومَن شاركوا في الحرب للمشاركة في السلطة”.

و”اصطدم إدريس بهذه المجموعات، ما جعل تصوره غير قابل للتنفيذ، وبالتأكيد هذا يؤخر تشكيل الحكومة”، حسب فضل الله.

وزاد أن “هناك حركات مسلحة لديها مقاعد في الحكومة، بناء على اتفاق جوبا للسلام لعام 2020، وهذا يعقد المشهد ويؤخر تشكيل حكومة إدريس”.

ووفق اتفاق السلام بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة تُمنح 25 بالمئة من المقاعد في الحكومة لهذه الحركات.

واعتبر فضل الله أن “المناخ (السياسي) في بورتسودان، حيث تتواجد الحكومة بكافة مؤسساتها، لا يساعد على تشكيل حكومة”.

وأضاف أن “هناك عنصرا آخر، وهو عدم الاقتناع بالمشاركة في الحكومة، حيث رفضت شخصيات عديدة المشاركة”، على حد قوله.

** تأخير طبيعي

بدوره، رأى المحلل السياسي محمد سعيد أنه “من الطبيعي أن تشهد حكومة كامل إدريس الجديدة كل هذا التأخير، لأن التعيين مرتبط بتوازنات قبلية وعسكرية”.

واعتبر، في حديث للأناضول، أن “قرار التعيين ليس بالكامل لدى رئيس الوزراء، بل في يد العسكر في مجلس السيادة، وهذا يأخذ وقتا في التفاهمات”.

وأردف: “هذا مؤشر على أنها ولادة متعثرة للحكومة، وبذلك سيكون الأداء متعثرا وقد لا يحدث تناغما، كما أن الصلاحيات لدى رئيس الوزراء ليست كاملة”.

و”سيكون رئيس الوزراء حكومة تنفيذية، أي تنفذ ما يملىّ عليها من مجلس السيادة، لذلك التأخير شيء طبيعي في ظل هذا الوضع”، حسب سعيد.

ومنذ أن أطاحت احتجاجات شعبية بالرئيس عمر البشير في أبريل/ نيسان 2019، يعاني السودان من تقلبات سياسية وصراعات مسلحة.

وعقب الإطاحة بالبشير، تم تشكيل سلطة انتقالية بشراكة بين العسكريين والمدنيين، بموجب “وثيقة دستورية” حددت نهاية المرحلة الانتقالية في يناير/ كانون الثاني 2024.

لكن هذه الشراكة لم تدم طويلا، إذ قام البرهان في أكتوبر 2021، بحل حكومة عبد الله حمدوك، وفضّ التحالف مع القوى المدنية.

وجاء ذلك ضمن سلسلة إجراءات اعتبرها الرافضون لها “انقلابا عسكريا”، بينما قال البرهان إنها تصحيح لمسار المرحلة الانتقالية.

وفشلت وساطات إقليمية ودولية في إعادة التوافق بين الطرفين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى