مسبار الأمل يتخطى عقبات مدار المريخ.. مناورة ناجحة بكل المقاييس
دبي – صقر الجديان
وصل “مسبار الأمل” الإماراتي بسلام إلى مدار المريخ بهدف جمع المزيد من المعلومات عنه ليصبح بذلك أول مهمة تصل إلى “الكوكب الأحمر” في 2021.
ويمثل الدخول والخروج بأمان من الغلاف الجوي غير المتوقع للمريخ تحديًا كبيرًا ومناورة معقدة، لم تنجح مركبات فضائية كثيرة في تخطيه، لكن المسبار الإماراتي كتب فصلا جديدا في تاريخ الفضاء بعبوره بأمان.
المركبة الإمارانية تسعى إلى مدار مرتفع بشكل خاص يبلغ 13500 × 27000 ميل أي (22000 كيلومتر × 44000 كيلومتر)، وهو ارتفاع يناسب مهمتها الرئيسية المتعلقة بمراقبة طقس المريخ.
وإلى جانب المسبار الإماراتي، أطلقت وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) المركبة “مارس 2020″، والصين المهمة ” تيانوين 1″، وجميعها انطلقت من الأرض خلال شهر يوليو/تموز 2020، مستغلة محاذاة المريخ للأرض على نفس الجانب من الشمس خلال تلك الفترة، ما يجعل الرحلة إلى الكوكب الأحمر أكثر كفاءة.
إدراج مدار المريخ
يتحرك مسبار الأمل بسرعة تزيد على 75185 ميلًا في الساعة، لكنه عند الولوج إلى مدار الكوكب الأحمر تباطأ من هذا المعدل إلى 11184 ميلًا في الساعة، ما سمح بالتقاط المركبة الفضائية بواسطة جاذبية المريخ والذهاب إلى مدار الكوكب.
التقاط المركبة الفضائية بواسطة جاذبية المريخ والذهاب إلى مدار الكوكب يعرف علميا باسم “إدراج مدار المريخ”.
يعد “إدراج مدار المريخ” النقطة الأكثر خطورة في أي مهمة فضائية، فعندما تصل أي المركبة بالقرب من “الكوكب الأحمر” تطلق صاروخًا على متنها لإبطاء سرعتها بالنسبة إلى الكوكب، حيث يتم التقاطها في مدار طويل.
الانزلاق “The Great Galactic Ghoul” إلى مدار حول المريخ عند نقطة الدخول المطلوبة لتحقيق أهداف المسبار يعد مهمة صعبة، وقد يتسبب الاستهداف غير الدقيق أو التوقيت في تدمير المسبار في الغلاف الجوي للكوكب، كما حدث مع العديد من المركبات سابقا.
تطلب نجاح المهمة الإماراتية البدء في خفض سرعات المركبة الفضائية قبل 30 دقيقة من الوصول للمريخ، وتحقق ذلك باستخدام نصف وقود المركبة الفضائية ما سمح بالتقاطها بواسطة جاذبية المريخ والذهاب إلى المدار.
وبمجرد أن دخلت المركبة المدار حول المريخ، وتواصلت مع الأرض من خلال محطة أرضية في إسبانيا، ويستغرق وقت الضوء في اتجاه واحد بين المريخ والأرض بين 10 و11 دقيقة، لذلك تتأخر الإشارة قليلاً غالبا.
بعد أن التقط المسبار المدار، يدخل في مدار إهليلجي حول الكوكب على مسافة قريبة من سطح المريخ تصل إلى 621 ميلًا وعلى بعد 30683 ميلًا منه، ويستغرق الأمر 40 ساعة لإكمال دورة واحدة، وخلال ذلك يرسل المسبار صورته الأولى للمريخ.
مشكلات تقنية
نجاح المسبار الإماراتي في دخول مدار المريخ أثبت قوة وكفاءة تصميمه، ومراعاة فريقه معايير الجودة والسلامة والأمان وحرصهم على دقة حسابات البرمجة، ما جنبهم مشاكل تقنية عديدة نسفت مهمات ومركبات سابقة.
وصمم مسبار الأمل مهندسون يمثلون جيلاً مهماً من الكوادر الوطنية، إذ رفضت القيادة الإماراتية شراء المسبار، وكانت التوجيهات بأن يتم تطويره بأيدي أبناء الإمارات.
وبالفعل، استعانت أبوظبي بمهندسين عملوا منذ عام 2006 في تطوير أقمار اصطناعية، وجرى نقل المعرفة والخبرة منهم إلى آخرين، مع الاستعانة أيضا بشركاء معرفة دوليين لصياغة أهداف علمية فريدة من نوعها لمهمة المسبار، تم خلالها البناء على ما انتهى إليه الغير.
وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن 66 قطعة من قطع المسبار تم تصنيعها في الإمارات، ونحو 60 ألف طالب ومعلّم شاركوا في برامج علمية وتعليمية لها علاقة بالمسبار، وبلغت مشاركة النساء في المشروع 34%.
النجاح التقني لمشروع “مسبار الأمل” يعد فريدا لم تصل إليه العديد من المهمات، وكشفت تجارب الإطلاق السابقة للمريخ عن حدوث مشاكل تقنية غير المتوقعة، ما تسبب في فشلت المهمات، بعضها كانت في المرحلة الأخيرة قبل دخول مدار الكوكب.
ورغم أن الفرق الهندسية تحرص على إخضاع المركبات الفضائية للعديد من المراجعات الصارمة والعمليات واختبارات الأنظمة لضمان سير الأمور على ما يرام، فإن هناك مجموعة واسعة من الحالات التقنية الشاذة التي يمكن أن تنشأ، ما يؤدي إلى تيه المسبار في الفضاء العميق أو الاصطدام بسطح المريخ أو الفقدان أثناء الطريق إلى الكوكب.
وغالبا تنحصر أسباب الفشل في الأعطال الكهربائية والأخطاء الهندسية وأخطاء البرامج وحسابات الكمبيوتر التي تحول دون الاندماج المداري.
بالنظر لمحاولات دخول مدار المريخ، فإن أكثر من نصفها فشل، بل ولم يتخط بعضها مدار الأرض أو بالكاد تجاوزه مثلما حدث مع مركبات الاتحاد السوفيتي السابق، وغالبا السبب في عمليات الإطلاق الفاشلة مشاكل في التصنيع.
البداية كانت عام 1960 عندما دمرت المركبة الفضائية التابعة للاتحاد (كورابل 4) في أثناء الإطلاق، وفشلت في الوصول إلى مدار الأرض.
تبعها محاولة أخرى عام 1961 لكن المركبة (كورابل 5) تحطمت بعد تجاوز مدار الأرض فقط. أما المركبة (المريخ 1) التي أطلقت عام 1962 ووصلت إلى مدار بعد الأرض، ففقد الاتصال بها بعد 5 أشهر من الإطلاق.
مشكلة (كورابل 13) السوفيتي الذي أطلق عام 1962 كانت مختلفة، إذ تجاوز مدار الأرض لكن واجهته مشكلة قاتلة عندما غير مساره نحو المريخ وسقط في النهاية على الأرض.
وتوالت محاولات الاتحاد السوفيتي السابق الفاشلة، لكن فشل المركبة الفضائية (المريخ 2) كان مختلفا، إذ أطلقت في عام 1971 ووصلت إلى مدار المريخ، لكن مركبة الإنزال تحطمت على سطح الكوكب ولم تعد صالحة للعمل.
أما فشل محاولة المركبة (المريخ 4)، التي أطلقت عام 1973، في دخول مدار كوكب المريخ كان سببه مشاكل في الكمبيوتر حالت دون حدوث الاندماج المداري.
المركبة (المريخ 5) كانت أسعد حظا من سابقاتها، إذ دخلت مدار المريخ بنجاح عام 1974 لكنها فشلت في مهمتها بعد بضعة أسابيع.
لكن المركبة السوفيتية (المريخ 6) التي أطلقت عام 1973، ففقد الاتصال بها أثناء استعدادها للهبوط، بسبب عيب في التصميم.
وهناك الكثير من الأمثلة على المحاولات الفاشلة لدخول مدار كوكب المريخ، جميعها تنحصر في أسباب شبيهة بالسابق ذكرها.
أجواء المريخ
أسباب فشل هبوط المركبات الفضائية على سطح المريخ قد لا تتعلق بأسباب هندسية أو حسابات برمجة، فبعضها نجح في ذلك لكنه فشل لمخاطر أخرى تتعلق بطبيعة المناخ والعواصف الترابية وظروفه الجوية الغامضة، وهو ما لم يتعرض له المسبار الإماراتي.
مهمة “المريخ 3” التابعة للبرنامج السوفيتي الفضائي، التي أطلقت عام 1971، نجحت في الهبوط على سطح المريخ، ثم بدأت في إرسال صورة إلى وحدات التحكم الأرضية.
لكن بعد دقيقتين من الهبوط على سطح المريخ تعطلت أنظمة المركبة الفضائية، وتوقع الخبراء أن السبب ربما كان عاصفة ترابية اندلعت، إذ اعتقدوا أن الغبار ربما تسبب في تفريغ كهربائي أضر بمعدات اتصالات المسبار.
تحليل الخبراء اعتمد على ما نقلته مركبة “مارينر9” التابعة لناسا من صور توضح العاصفة، والتي أطلق عليها “عاصفة المريخ الكبرى عام 1971”.
ووصلت “مارينر9″ للكوكب الأحمر وسط واحدة من أعظم العواصف العالمية التي شهدها البشر على كوكب المريخ، وما نقلته لم تكن صورًا لأودية وحفر وجبال المريخ المعقدة بل لقطات لعالم مغطى بالأتربة ويلفه الغبار.
وتظل ظروف المريخ الجوية وجهل البشر بالكثير عن الكوكب من أهم العوائق التي تقف في طريق نجاح الرحلات الفضائية لـ”جار الأرض”.