“الرئيس المنتخب” و”مكالمة التنازل” وإشكالية ترامب-بايدن.. ماذا يقول القانون؟
واشنطن – صقر الجديان
ليلة الانتخابات الأميركية في نوفمبر من عام 2000، اتصل المرشح الديمقراطي آل غور بخصمه الجمهوري جورج دبليو بوش ليهنئه بالفوز بالانتخابات، لكن بعد دقائق عاود غور الاتصال ببوش ليخبره أنه يسحب اعترافه بنتائج السباق الرئاسي.
كان هذا أمرا غريبا يحدث للمرة الأولى في الولايات المتحدة، بعدما أعلنت وسائل إعلام فوز بوش بولاية فلوريدا وبالسباق الرئاسي قبل أن تعود وتسحب هذا الإعلان في انتظار مزيد من المعلومات.
الأميركيون يتذكرون هذه الواقعة الآن، بعد انتخابات أميركية غير تقليدية بسبب زيادة أعداد المصوتين عبر البريد، الأمر الذي أجل إعلان وسائل الإعلام تقديراتها بشأن النتائج حتى اليوم الخامس بعد التصويت.
نزاع بوش وغور حول ولاية فلوريدا وصل إلى المحكمة العليا التي جاء حكمها في صالح المرشح الجمهوري بعد خمسة أسابيع من يوم الانتخابات.
ودفع حكم المحكمة العليا غور إلى الاتصال ببوش مرة ثالثة، لإعلان اعترافه بالهزيمة، واعدا “ألا يتصل به مجددا هذه المرة”.
وهذا العام، لم يقرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب حتى الآن الاتصال بمنافسه جو بايدن، بعد إعلان وسائل إعلام فوز المرشح الديمقراطي بالسباق الرئاسي.
يقول الخبير في الشؤون الأميركية، هشام ملحم، لموقع “الحرة” إن “مكالمة التنازل” هي جزء من التقاليد والأعراف الأميركية وليست شيئا قانونيا مكتوبا في الدستور.
الدستور الأميركي يتحدث فقط عن المجمع الانتخابي الذي يجتمع في أول يوم الاثنين بعد ثاني يوم أربعاء من شهر ديسمبر، لاختيار الرئيس الأميركي الجديد بناء على تصويت ممثلي الولايات الأميركية الـ50.
النتائج التي تعلنها وسائل الإعلام الكبرى مثل “سي.أن.أن” وأسوشيتيد برس ليست رسمية، “لكنها نادرا ما تخطئ”، يقول ملحم.
ويعتقد روبرت لايدر، أستاذ القانون في جامعة جورج ميسون الأميركية، أنه لا يوجد أي محددات قانونية تمنع وسائل الإعلام من إعلان فوز أحد المرشحين وإطلاق لقب “الرئيس المنتخب” عليه.
ويضيف في تصريحات لموقع “الحرة” أن الأمر يتعلق فقط بأخلاقيات المهنة. “عدد من وسائل الإعلام في الماضي أعلنت فوز المرشح الخطأ”.
صحيفة شيكاغو تريبيون عام 1948 أعلنت هزيمة المرشح الرئاسي آنذاك هاري ترومان، قبل أن يتبين أنه الفائز في الانتخابات.
“هذه الأشياء تدمر سمعة وسائل الإعلام، ولذلك فإن وسائل الإعلام الآن أكثر حرصا عندما يتعلق الأمر بإعلان الفائز بالسباق الرئاسي”، يقول لايدر.
“تيلغرام التنازل”
منذ نهاية القرن التاسع عشر، دأب المرشحون الخاسرون على التواصل مع الفائزين وتهنئتهم. المرشح الديمقراطي ويليام جيننيغز برايان كان أول من أرسل “تليغرام التنازل” لخصمه الجمهوري.
وبحلول عام 1916 أصبح الأمر بمثابة تقليد أن يرسل المرشح الخاسر تيلغرام إلى الفائز لتهنئته. بعض المرشحين كان يقرأ نص التيلغرام أثناء إلقاء خطاب التنازل في الراديو.
وفي عام 1968 أرسل هيربرت همفري، نائب الرئيس آنذاك “تيلغرام التنازل” لخصمه ريتشارد نيكسون، لكن هذه المرة تبعه باتصال تليفوني ليهنئ المرشح الجمهوري بالفوز.
ومنذ ذلك الحين، أصبحت “مكالمة التنازل” تقليدا أميركيا يتبع إعلان وسائل الإعلام عن المرشح الفائز.
“الرئيس المنتخب”.. وعملية الانتقال
“لا شيء في الدستور يجبر الرئيس على إجراء مكالمة التنازل”، حسب ما يقول ملحم، لكن إجراءها يشير إلى عملية انتقال سلسة للسلطة.
وبعد إجراء “مكالمة التنازل” يبرز في وسائل الإعلام الأميركية مصطلح “الرئيس المنتخب”، وهو التعريف الذي تستند إليه إدراة الرئيس التي ستنتهي ولايته في يناير في بدء عملية الانتقال.
إدارة الخدمات العامة الأميركية من المفترض أن تتعامل مع المرشح الفائز لتسهيل عملية الانتقال، حسبما ينص القانون الأميركي الذي يضع مخصصات مالية أيضا لدعم هذه العملية.
يقول أستاذ القانون الدستوري في جامعة ولاية ميشيغان، براين كالت، لموقع “الحرة” إن هناك تعريفين قانونيين لمصطلح “الرئيس المنتخب”.
الأول هو “الفائز الظاهر” وهو الذي تعلن عنه وسائل الإعلام، وتعتمد عليه إدارة الخدمات العامة الأميركية في السماح للمرشح الفائز بالوصول إلى مخصصات نقل السلطة.
والتعريف الثاني، وهو الأكثر قانونية، هو المرشح الذي تختاره الكلية الانتخابية في ديسمبر، وربما حتى بعد التصديق عليه من قبل الكونغرس.
يقول كالت إن اختيار الكلية الانتخابية يصنع فارقا دستوريا، إذ أن التعديل العشرين ينص على أنه في حالة وفاة الرئيس المنتخب، يحلف نائبه المنتخب اليمين في 20 يناير، ” لكن في حالة حدوث ذلك قبل اختيار الكلية الانتخابية… لا يوجد بديل رسمي دستوري بهذه الصورة”.
ويتفق لايدر مع كالت في أن الولايات المتحدة لا يكون لديها رسميا “رئيسا منتخبا” إلا بعد تصويت الكلية الانتخابية في 14 من ديسمبر عام 2020.
لكن عدم اعتراف ترامب بنتيجة الانتخابات حتى الآن في انتظار المعركة القضائية قد يكون من شأنه تأجيل التعاون مع فريق جو بايدن الانتقالي.
ويعتقد ملحم أن التعاون سيتم على مستويات منخفضة في الإدارة في انتظار ما ستسفر عنه الطعون القضائية التي أعلنت حملة ترامب رفعها في عدة ولايات.
وكانت وسائل الإعلام الأميركية الكبرى أعلنت فوز بايدن بالرئاسة في الولايات المتحدة بعد تخطيه 270 صوتا في المجمع الانتخابي، في وقت يؤكد ترامب إنه الفائز وسيلجأ إلى القضاء لحسم السباق الرئاسي.
وينتظر الأميركيون ربما نتيجة الطعون التي لابد وأن تحسم قبل تاريخ العشرين من يناير حين يقف الرئيس المنتخب لحلف اليمين أمام رئيس المحكمة العليا في العاصمة واشنطن.